الرئيسيةالأولىفواد الكنجي: نوال السعداوي صوت الثورة لتحرير المرأة

فواد الكنجي: نوال السعداوي صوت الثورة لتحرير المرأة

ليست هناك من أفكار وحضور وظف توظيفا فكريا نيرا لمعالجة القضايا الاجتماعية لإحداث يقظة مجتمعية في إطار المثاقفة والتوعية الفكرية كأفكار وكتابات (نوال السعداوي 1931 – 2021 ) التي كان لها دور وتأثير فعال وعظيم في نشر الوعي المجتمعي ليس فحسب على الحركات النسوية في عالمنا العربي؛ بل على مستوى العالم وكذلك على مستوى الحركات والأحزاب التقدمية العربية والأجنبية، كمناصرة ومدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، حيث في مجمل كتاباتها الأدبية والروائية أو مؤلفاتها الفكرية جمعت – بكونها طبيبة – بين عالم الطب والكتابة الروائية والإعمال السياسية؛ لتعد من أنشط ناشطات في مجال حقوق الإنسان والمرأة تحديدا؛ وأعظم مناضلة ثورية ناصرت الأفكار التقدمية والتحررية ودعت إلى النهضة.. والتطور.. والتقدم.. والحداثة؛ فتناولت قضايا المجتمع ومعالجاتها وفق رؤية واكبت الحداثة والمعاصرة بشكل مكثف وبجرأة غير مسبوقة قل نظيره في عالم العربي في فضح الرؤية المتخلف لمجتمعاتنا حول المرأة .

نوال السعداوي طريقها لم يكن مفروشا بالورود

فمسيرة (نوال السعداوي) لم تكن سهلة وطريقها لم يكن مفروشا بالورود والسجاد الأحمر؛ فقد أمضت مسيرة حياتها الأدبية والنضالية وهي تعبر عن آرائها التحررية وتدعوا إلى مناصرة حقوق المرأة وتحريرها من قيود الاستغلال والعبودية من خلال مقالات فكرية.. ومحاضرات.. وروايات.. وسيرة ذاتية، وقد دفعت ثمنا باهظا لمواقفها وأفكارها وكتاباتها حيث اعتقلت.. وسجنت.. ونفيت من وطنها.. ومنعت بعض مؤلفاتها من النشر والتوزيع وخاصة في فترة حكم الرئيس المصري السابق (أنور السادات) وكذلك في عهد الرئيس (حسني مبارك)، فحين أصدرت كتابها المعنون (سقوط الإمام) – على سبيل المثال وليس الحصر – بسبب ما أثار تأويله من جدل واسع النطاق بما اتسم الكتاب من رمزية سياسية ودينية على حد سواء، لذلك كانت الرواية مثار جدل ومواجهات مع المؤسسة الدينية والسياسية في آن واحد؛ وهي الرواية التي تم منعها أيضا من قبل مجمع البحوث الإسلامية التابع لمؤسسة الأزهر، معتبرين ما ورد في الكتاب يتعارض مع ثوابت الإسلام لتشبيهها الأئمة بالمستبدين، ولم تقتصر رؤية (نوال السعداوى) في هذه الرواية عند (الإمام الحاكم) مطلق السلطة وإنما أيضا عند (الأب) المستبد و(الزوج) الساقط؛ وبهذه الرمزية جمعت بين رموز السلطة كلها إي بين (الحاكم) و(الإمام) و(الأب) و(الزوج) في قبضة واحدة تضرب بها وجه (الأنثى) المضطهدة.. والفاقدة الشرعية.. والحقوق.. والمقهورة، ولم تقتصر القضية الإشكالية لدى (نوال السعداوى) على ما هو متعلق بالمقدسات الدينية بل بما هو متعلق بقضية المرأة؛ فهي ترى في الرجل تجسيدا لهيمنة الحكام باسم الدين وتشعل ثورتها ضد سلطة الرجل برمزيتها المركزة، أما السياسيين فقد ذهبوا بتأويل تفسير الكتاب (الإمام الحاكم) بكون (الإمام) ما هو إلا رمز وإسقاط سياسي على سياسة الرئيس (أنور السادات) وعهده.. وتاريخه.. ومعاونيه؛ الذي يستخدم الدين ويوظفه لأغراض خاصة، وحسب تسلسل الأحداث تقول الكاتبة في إحدى مقاطع الكتاب: ((… انه يتمتع بربوبية مطلقة، فهو لا يضعف ولا يموت، ولا يرد له أحد أمرا، ولا ينطق عن الهوى، ترتكب أعتا الفواحش باسم الله وباسم كتبه ورسله، وهو في حقيقته ليس وحيدا بل هو متعدد وموجود في كل مكان، حيث يوجد في أشباه تقوم بأدواره وتموت نيابة عنه ومعها مفاتيح الجنة، موجود في العسس والعيون المتناثرة في كل حي وزقاق يحصي على الناس أنفاسهم، موجود في صورة قضاته، وكتابه.. ورجال أمنه.. ورجال دينه.. وتجلياته التي لا تنتهي، هو ظل الله على الأرض والحاكم باسمه… ))، وفي مقطع أخر من الرواية تقول (نوال السعداوي) حين ينادى الرئيس (الإمام) مسؤول الأمن ويأمره أن يحضر له جارية عذراء يحدد له أوصافها، بما يلي (( … أن تكون رشيقة القد، قاعدة النهد، كحيل الطرف، رأسها صغير، وردفها ثقيل تمتاز ببياض أربعة: وجهها وفرقها وثغرها وبياض عينيها، وسواد أربعة: أهدابها وحاجبها وعيناها وشعرها، وحمرة أربعة: لسانها وخدها وشفتاها مع لعس وغلظ أربعة: ساقها ومعصمها وعجزتها، وسعة أربعة، جبهتها.. وجبينها.. وعيناها.. وصدرها؛ وضيق أربعة: فمها.. ومنخرها. ومنفذ أذنيها.. والمنفذ الآخر؛ وهو المقصود الأعظم من المرأة…))، والكتاب بسعة الأفكار المطروحة وبأسلوب النقد يستحق قراءته؛ علما بان الكتاب ترجم لأكثر من لغة.

وفي نفس السياق اتخذت السلطات المصرية الموقف ذاته من كتابها ( أوراقي .. حياتي) والكتاب صدر بثلاثة أجزاء والذي هو الأخر منع من النشر؛ وكذلك الكتاب (كسر الحدود) وهو كتاب الذي لقي استقطاب القراء وكان عنوانا لافت للنظر؛ إضافة إلى غيرها من مؤلفاتها التي فيها فعلا (نوال السعداوي) كسرت الحدود وتجاوزت الخطوط الحمراء ونذكر منها (الأنثى هي الأصل) و(عن المرأة) و(الرجل والجنس) و(المرأة والصراع النفسي) و (عن المرأة والدين والأخلاق(، وحين أقدمت السلطات إلى اعتقالها وسجنها بسبب كتاباتها؛ ظلت تواصل نشاطها المدني في توعية المجتمع ولم تنقطع عن النقد والكتابة عن مظاهر التخلف في المجتمع ولم تتراجع عن نضالها المستمر بالقلم والموقف من خلال الأدب والفكر دفاعا عن حقوق المرأة؛ وقد استثمرت فترة مكوثها في سجن النساء بـ(القناطر – القاهرة) في كتابة مجموعة من الكتب في غاية الأهمية، وعند خروجها من السجن الفت كتابها العظيم (مذكرات في سجن النساء) نشر عام 1983، ومع بقاء السلطات المصرية تلاحقها لم تسلم أيضا من ملاحقة المتطرفين من رجال الدين والأحزاب السياسة الدينية الذين ظلوا يطاردونها بشراسة غير معهودة لأطروحاتها الفكرية التحررية؛ وأقيمت ضدها العديد من دعاوى التكفير؛ لدرجة التي طالبوا بإسقاط جنسيتها المصرية وبالتفريق بينها وبين زوجها؛ ولكن هذه الدعاوى وغيرها لم تنجح .

ومع كل ما واجهته (نوال السعداوي) من قسوة المواقف من قبل رجال السلطة ورجال الدين؛ وما تعرضت من مضايقات ليس فحسب في زمن الرئيس (أنور السادات) بل أيضا في زمن الرئيس (حسني مبارك) الذي وضع اسمها ومؤلفاتها على القائمة السوداء ومنع ظهورها إعلاميا وبعدها تم نفيها من البلاد واتبع معها سياسة حجب الصوت عن الجماهير؛ إلا إنها لم تنكسر ولم يتراجع قلمها من مواجهة هذا الواقع؛ فصمدت ورفضت أن تكون إحدى ضحاياه، فقاومته حتى وفاتها الذي تصادف في (يوم الأم) 21 آذار 2021 عن عمر ناهز تسعين عام، ليكون يوم وفاتها حقا واحد من المفارقات اللافتة؛ فـ(نوال السعداوي) التي كانت (أم) لكل التنويريين والمثقفين توفيت في يوم (عيد الأم) الذي صادف الاحتفال به وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وفي نفس توقيت الذي تم فيه إقرار (مجلس الشيوخ المصري) لقانون يشدد على عقوبة جريمة (ختان الإناث)، وهي التي كانت من أوائل المطالبين بوقف هذه الجريمة منذ سنوات وعقود طويلة والتي اعترض عليها رجال الدين واعتبروا توجهاتها تجديف في الثوابت الدين الإسلامي وبالتالي اعتبروها كافرة وملحدة .

نوال السعداوي أيقونة الأدب وصوت الحرية ونضال المرأة العربية

لتبقى (نوال السعداوي) بصراحتها وتفانيها الذي لم يتراجع دفاعا عن حقوق المرأة (السياسية) و(الجنسية)؛ رمزا وأيقونة أدبية ونضالية ومصدر إلهام لكل الأجيال؛ ليست لكونها حصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا.. وجائزة (إينانا) الدولية من بلجيكا عام 2005.. وجائزة (شون ماكبرايد) للسلام من المكتب الدولي للسلام في سويسرا عام 2012 ، بل لكونها مناضلة ناصرت دون هوادة حقوق الإنسان وحقوق المرأة؛ وأفنت حياتها دفاعا عن النساء.. والحريات.. والعقل.. ونتيجة لذلك تعرضت لانتقادات عنيفة اعتقلت.. وسجنت.. ونفيت.. بسبب أفكارها التنويرية ليس إلا.

فهي من حاربت الإسلام السياسي المتطرف.. وفرض الحجاب.. وختان الإناث.. والزواج القاصر.. وتعدد الزوجات، وقضت (نوال السعداوي) حياتها مدافعة عن المرأة؛ ومن اجل ذلك سلب منها حريتها، وعزِلت من وظيفتها، وأُدرِج اسمها في قائمة الاغتيالات، ولم يكن أمامها إلا أن تبحث عن الحرية والأمان في مكان آخر، ولهذا فان (نوال السعداوي) ظل شغل شاغلها الأكبر هو قضية المرأة؛ فظلت تكتب عنها وإليها؛ ونادت بحرية المرأة وطالبت بوقف (ختان الإناث) باعتبارها جريمة بحق أحاسيس المرأة، وعن (ختان الإناث) أصدرت كتابا عام 1972 بعنوان (المرأة والجنس) استعرضت خلاله ما اعتبرتها أنماط عنف قائم على النوع الاجتماعي، وان جل أعمال (نوال السعداوي) تصطدم مع الكثير من الأعراف الاجتماعية والدينية المتزمتة؛ ففي كتاب (قضايا المرأة والمجتمع) التي وردت فيه قضايا مجتمعية في غاية الأهمية من اعتبار استقلال المرأة لا يكون إلا من خلال خروج المرأة إلى العمل باعتباره هو السبيل الوحيد لتحرير النساء من المجتمع الذكوري، وان الدين والمجتمع يتعمدان إلى إقصاء دور المرأة وتأثيرها في تاريخ الأمة رغم كون المرأة هي أول من اكتشفت (الحروف) و(اللغة)؛ كما أنها اكتشفت (علم الفلك) فكانت إله (إيزيس) في (الحضارة الفرعونية) هي (إله المعرفة)، كما وعبرت (نوال السعداوي) عن قناعتها باعتبار كما قالت: ((… أن مفهوم (الشرف) ينبع من العقل والفكر وليس له علاقة بعذرية المرأة كما هو متعارف عليه في المجتمع؛ وأن زمن عبودية المرأة لمجرد الجسد فقد زال وانتهى وان حرية الجسد، هو ملك لصاحبه، فلا سلطة يفرضها الدين والمجتمع على صاحبه، فمن حق المرأة إجهاض الجنين، الذي يعد ملكا لها لكونه داخل جسدها فهي من تملك القرار في إبقائه أو إجهاضه ولا علاقة رجل الدين بجسد تلك الأم…)).

مؤلفات نوال السعداوي آراء في القضايا الاجتماعية

وهكذا ظلت (نوال السعداوي) خلال مسيرتها تكافح وتناضل ضد الحجاب.. وختان الإناث.. وتعدد الزوجات.. وعدم المساواة بين حقوق الرجل والمرأة في الميراث.. وكل هذه القضايا تم معالجتها من خلال أعمالها الأدبية والفكرية التي تجاوزت عن سبعين عملا متنوعا بين الدراسات.. والرواية.. والقصة.. والمسرحية.. والسيرة الذاتية، ويذكر بان (نوال السعداوي) تعاقدت مع مكتبة (مدبولي) لطبع سبعة وأربعين كتابا من مؤلفاتها لعرضها في معرض الكتاب ولكن بعد طبعها داهمت الشرطة المطبعة وطالبت من صاحب المكتبة حرق جميع النسخ لأنها وفق بلاغاتهم ممنوعة؛ بكون مؤلفات (نوال السعداوي) ضمن قائمة الممنوعات ولا يسمح تداولها أو نشرها أو طبعها داخل الدولة المصرية؛ فاستجاب لها رغم ما كبدته المطبعة من خسائر فادحة، ومن مؤلفاتها نذكر :

المرأة والجنس

الرجل والجنس

الأنثى هي الأصل

الوجه العاري للمرأة العربية

المرأة والصراع النفسي

المرأة والغربة

امرأة تحدق في الشمس

امرأة عند نقطة الصفر

امرأتان في امرأة

تعلمت الحب

توأم السلطة والجنس

عن المرأة والدين والأخلاق

قضايا المرأة والفكر والسياسية

قضية المرأة المصرية السياسية والجنسية

معركة جديدة في قضية المرأة

انه الدم

الثورات العربية

كانت هي الأضعف

سقوط الإمام

مذكرات طبيبة

أدب أم قلة أدب

أوراقي .. حياتي؛ بثلاثة أجزاء

ايزيس

الأطفال يغنون للحب

المناطق المحرمة بالخوف والإثم

الأغنية الدائرية

الإنسان

الحاكم بأمر الله

الحب في زمن النفط

الخيط وعين الحياة

مذكرات طفلة اسمها سعاد

موت الرجل الوحيد على الأرض

موت معالي الوزير سابقا

الإله يقدم استقالته

دراسات عن المرأة والرجل في المجتمع العربي

ملك وامرأة واله

الأسئلة الممنوعة وتجميد العقل

الزرقاء

الغائب

جنات وإبليس

الرواية

حنان قليل

رحلاتي في العالم

زينه

كسر الحدود

لحظة صدق …..

……..

فهذه المؤلفات وغيرها تضمنت الكثير من القضايا الاجتماعية وآراء صنعت حراكا ثوريا وفكريا في منطقتنا العربية، إذ ناصرت حقوق المرأة.. ودافعت عنها حريتها.. وفي حق المساواة مع الرجل؛ لدرجة التي انحازت انحيازا مطلقا لمناصرة قضايا المرأة العربية فحاوله بكتاباتها إيقاظ المجتمع وتوعيته بالقضايا مهمة اتخذ منها موقفا خاطئا وغير سليم مثل تمسكه بـ(عذرية المرأة) كدليل على الشرف.. ومواجهة عدم مبالاة المجتمع الذكوري بدور المرأة في العلاقة الجنسية، وفي هذا الصدد الفت (نوال السعداوي) كتاب (المرأة والجنس) حيث تحدثت فيه عن شابة زارتها داخل عيادتها برفقة رجل مكفهر الوجه، من أجل إجراء فحوصات للتأكد من عذريتها وتأكدت الدكتورة أنها لا زالت عذراء رغم الليلة التي قضتها مع ذلك الرجل الذي تبين أنه زوجها، وأن سبب عدم ظهور بقع الدم هو غشاء بكارتها الذي كان سميكا، ولا يتمزق إلا عند أول ولادة، وتابعت الحديث عن جسد المرأة وأعضائها التناسلية التي حكم عليها المجتمع بالبرود وعدم أحقيتها بالتعبير عن مشاعرها أثناء الممارسة الجنسية مع الرجل؛ بكون – حسب أعراف المجتمع – بان العلاقة الجنسية ارتبطت في الأذهان بالإثم.. والخطيئة.. والنجاسة.. وغير ذلك، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الجهل لعب دور أساسي وكبير في كل هذا، كما دافعت عن حق المرأة في المساواة مع الرجال وقد تطرقت إلى هذا الموضوع بشكل مكثف في كتابها (امرأة عند نقطة الصفر) حيث تسرد نماذج للمرأة تعرضت للكثير من أشكال العنف، ومنها تشويه أعضائها التناسلية لتلاحقها الأجهزة الآمنة ولهذا السبب تسجن لمدة ثلاثة شهور، وفي رواية (زينه) وهي الرواية التي كتبتها اثر تواجدها في (الولايات المتحدة الأمريكية) والتي ترجمت إلى أكثر من لغة حيث تدور أحداث الرواية حول طفلة تركتها أمها الأستاذة الناقدة في إحدى الجامعات في الشارع عقب ولادتها مباشرة بعد أن حملت بها من دون زواج لأنها لم تتمكن من مواجهة المجتمع بها؛ وبعدما تصبح الطفلة راقصة وفنانة مبدعة تهاجمها التيارات الدينية، ويحاول أحد القياديين استغلالها واغتصابها، فترفض لأنها تملك قيما أخلاقية أكثر من القائد الديني؛ والرواية تسلط الضوء عن حقيقة بعض الرجال السيئين وانحدار مستوى المجتمع الأخلاقي؛ والرواية تطرح قضايا مجتمعية؛ تكون الأعراف والتقاليد سبب لخلق ماسي مجتمعية فضيعة؛ في غالب يكون ضحاياها أناس أبرياء لا حول لهم ولا قوة.

وكل هذه الآراء وغيرها شكلت نوع من التحدي ضد الممارسات الخاطئة التي يقترفها المجتمع بحق المرأة؛ لتواجه آراءها معارضة شديدة من قبل التيارات الإسلامية الرجعية وتطرف رجال الدين والسياسة؛ ليقف شيوخ (جامعة الأزهر) ضدها بسبب دعوة (نوال السعداوي) بكون (الحجاب) رمز للعبودية والقمع واضطهاد المرأة، وفي هذا الصدد قالت: ((…المرأة حين ارتدت الحجاب تدينا استتر عقلها قبل شعرها، واعتلاها الرجل باسم الجنس؛ وعلى أعتاب السياسة فَقدت كل شيء …))، وقالت أيضا: ((… إن الحجاب تغير شكله ونوعه بسبب تطور المجتمعات، قد يكون حجاب مادي بالكامل، يخفي جسد المرأة وعقلها وروحها وشخصيتها كما يحدث في بعض من البلاد العربية حتى اليوم تحت اسم الدين أو الأخلاق، وقد يكون الحجاب من نوع آخر لا تراه العين، تفرضه التربية في البيوت والمدارس والأحزاب السياسية التي يسيطر عليها الفكر السائد الذي يميز الرجال عن النساء…))، وقالت أيضا: ((… إن المرأة المحجبة والتي تغطي رأسها متخلفة، وإن عقلها مغلق، لان الملابس لا تعبر عن أخلاقي، فالرجال والنساء في إفريقيا عرايا، ولا أحد يسألهم عن السبب، فالجو هناك حار وحينما يصبح الناس جميعًا عرايا، فلا عيب في ذلك…)) وقالت أيضا: ((… بان في الإسلام مدارس لا تؤمن بفرض (الحجاب) بل تقف ضده، وبأن هناك قوى سياسية هي التي تسييس الدين فيفسروه وفق ايدولوجياتهم المتطرفة؛ ولهذا نجد بان كل نظام سياسي يفسر الدين كما يشاء…))، وهذا ما أغاض شيوخ (جامعة الأزهر) واعتبروه اعتداءا على ثوابت الدين، إضافة على ما ذهبت إليه (نوال السعداوي) بقولها بان تقبيل (الحجر الأسود) والطواف حول (الكعبة) أفعال وثنية، وبسبب هذه الآراء، فصلت الدكتورة (نوال السعداوي) من وزارة الصحة، بعد أن انضمت الهيئات الحكومية لجبهة معارضي أفكارها وضدها بدوافع سياسية بحتة.

نوال السعداوي ومرارة عدم تكريمها في بلادها

تمكنت (نوال السعداوي) من خلال أنشطتها الفكرية والمهنية إن تشغل العديد من المناصب بينها المدير العام لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة بالقاهرة.. والأمين العام لنقابة الأطباء بالقاهرة.. وأسست جمعية التربية الصحية.. وجمعية للكاتبات المصريات.. كما أسست جمعية تضامن المرأة العربية عام 1982.. ونالت أيضا عضوية المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية بالقاهرة.. وساهمت في تأسيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان.. وعملت فترة كرئيس تحرير مجلة الصحة بالقاهرة.. ومحررة في مجلة الجمعية الطبية.. و كاتبة في صحيفة (المصري اليوم).. وأيضا كاتبة في موقع (الحوار المتمدن) حيث تجاوز عدد قرأها في هذا الموقع عن تسعة مليون متابع؛ وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة اختارت مجلة (تايم) الأمريكية (نوال السعداوى) ضمن أهم مائة امرأة في العالم على مدار القرن الماضي، ورغم كل التكريم والحفاوة الدولية التي حظيت بها؛ إلا أنها ظلت تشعر بالمرارة.. والحزن.. والألم.. والأسف بسبب عدم تكريمها بشكل مناسب في بلدها (جمهورية مصر العربية) بقدر ما واجهت عشرات القضايا داخل (مصر) حيث اعتقلت.. وسجنت.. وفصلت من وظيفتها.. ومنعت مؤلفاتها.. ونفيت من بلادها؛ بسبب ما وصف بأن كتاباتها تدخل في نطاق ازدراء للأديان.. وتطاول على الإسلام.. وتحقير للذات الإلهية؛ بل إن إحدى القضايا التي وجهت إليها في محاكم الدولة المصرية طالبت بإسقاط جنسيتها المصرية وبالتفريق بينها وبين زوجها – كما ذكرنا سابقا – كما لاحقتها الحكومات المصرية المتعاقبة وصادرت بعض كتبها ومنعتها؛ كما إن السلطات المصرية منعتها من مزاولة عملها في وزارة الصحة، قبل أن ينتهي بها المطاف في السجن خلال فترة حكم الرئيس (أنور السادات).

ليبقى تاريخ الإبداع والنضال للدكتورة (نوال السعداوي) تاريخا مشرفا لحجم عمق تأثير أفكار (نوال السعداوي) في نسيج المجتمعات العربية؛ لأنها ناضلت نضالا مستميت لأجل قضايا حقوق أساسية وحيوية تعانيها المرأة في المجتمعات العربية؛ بل طالبت وحثت النساء بالتمرد والثورة على الأعراف البالية التي تنحط من مقام المرأة وحريتها في المجتمع، فـ(نوال السعداوى) تفتح في كتاباتها ملفات خطيرة تمس واقع المجتمعات العربية من مفاهيم الشرف.. والعذرية.. والحجاب.. والأخلاق.. والتربية عند الفتيات؛ وتسرد وقائع حقيقية من خلال تجربتها كطبية نساء وبما عاينت من ماسي وقعت جراء عادات مجتمعية خاطئة.

لذلك كتبت آراء جريئة عرضت نفسها لانتقادات لا حصر لها وخاصة من قبل الجماعات الدينية المتطرفة والأحزاب السياسية الراديكالية؛ فتلقت الكثير من اتهامات بالكفر وتوعدتها بالقتل، ومع ذلك لم تبالي وسارت في طريق التوعية لأنها كانت مؤمنة بصواب أفكارها وبضرورة توعية المجتمعات من ممارسات وعادات وتقاليد خاطئة بحق المرأة والحياة السليمة، رغم يقينها بحساسية القضايا التي تطرحها في المجتمعات العربية المغلقة بالأعراف والتقاليد والشعائر الدينية التي يقودها رجال الدين منتمين لتيارات متطرفة لا تواكب الحداثة والتطور والعقل المواكب للعلم والمعرفة.. والحقائق العلمية.. والمنطقية؛ لكي تبقى المجتمعات العربية متقوقعة على ذاتها وغارقة في الظلام والعادات البالية والأفعال المسيئة لحقوق المواطنة لأفراد المجتمع؛ حتى (لا) ينهض الشباب و(لا) يثور و(لا) يناصر قضايا الحرية وحقوق الإنسان والمرأة؛ ولكن لإيمانها بمنطقية اطرواحتها الفكرية استمرت على نهجها في توعية المجتمع، لذلك سعت (نوال السعداوى) مخاطبة (العقل العربي) بلغة العصر وبأسلوب أدبي رائع؛ حيث طرحت آراءها بتصورات منطقية ليدركها العقل لتنمي لمتلقيها قدرات تحليلية في إدراك الحقيقة وإدراك المعرفة وكيفية تعامل مع المرأة كشريكة حياة مع الرجل وليست كعبده.. وخادمة.. وأداة جنس فحسب تحبس بين جدران الأربع.. ويفرض عليها الحصار والحجاب، لان في عرف المجتمعات العربية المغلقة ليس للمرأة حق الخروج إلى العمل ومنافسة الرجل على المناصب؛ لان ذلك في عرف المجتمعات المتخلفة جريمة؛ لان المرأة وفق تصوراتهم (عورة) يجب أن تحجب بغطاء ولا يظهر منها إلا العينان من وراء شاش شفاف اسود ليتيح لها الرؤية فحسب؛ وحتى هذه الرؤية التي هي نعمة الرب على الإنسان تحرم منها المرأة كونها ليس لها الحق بتمتع بالمناظر الجميلة الواقعية كما هي؛ إلا من خلال شاش اسود؛ وهذه القسوة في تعامل المجتمع مع المرأة تطرحها (نوال السعداوي) لتولد لدى الإنسان مشاعر إنسانية لصحوة الضمير؛ وهذه المشاعر مفعمة في كل نصوص كتاباتها التي تسرد عبر مقالاتها لتؤجج (الثورة) ضد الأفكار الظلامية والعادات والمعتقدات الخاطئة، لذلك عارضت هذه المعتقدات والعادات وهاجمت أخلاق الرجل الشرقي المتطرف الذي لا يرى في المرأة إلا مصدرا رخيصا للمتعة والشهوة، ولهذا ناصرت المرأة ودعتها إلى الثورة.. والكفاح.. والنضال.. من اجل تحرير واقعها من العبودية والاستغلال؛ وظلت تبث روح الدعم والنضال والكفاح لتعزيز ثقة المرأة بنفسها من اجل تحقيق مزيد من النجاحات وعلى كل مستويات الحياة السياسية.. والاجتماعية.. والاقتصادي؛ لتمكينها في قيادة الحياة.

ومن هنا فان (نوال السعداوي) كل ما طمحت من مسيرة حياتها هو توعية الإنسان بحقوقه بشكل عام والمرأة بشكل خاص؛ فرسمت لعقول الشباب والشابات طرق النضال.. والكفاح.. والتمرد.. والثورة على الأفكار البالية التي (لا) تواكب التقدم والتحضر، و رغم ما عانته إلا أنها صمدت بوجه الرياح العاصفة لتحقق أعظم النجاح في عالم التربية.. والتوعية.. والثقافة الجماهيرية السليمة؛ لتكون واحدة من الإيقونات الإبداعية في تاريخ منطقتنا العربية.

 

فواد الكنجي
فواد الكنجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *