من مقلته سقطت دمعة . ومن بين شفتيه خرجت زفرة حرى . منبعثة من بين اضلعه المنكسرة . كأنما خرجت روحه من جسده المنهك . من أعلى الربوة العالية . ألقى نظرته الأخيرة . كميت يلقي نظرة وداع . على دنياه الفانية . وهو في سفره الأخير . نحو العالم الآخر . فهو الآن يقف على حافة الوجود . في مفترق الطرق . صهيل جواده وحركات رأسه . هي فقط من تذكره . ان ما يعيشه هو واقع . وليس مجرد وهم او حلم . مرة تلو أخرى يضرب جواده الأصيل . بحافره بقوة الأرض كأنما . يستعجله على مغادرة المكان .
من بعيد تراءى له قصره الجميل . بحداءقه الغناء واسواره العالية . تراءى إلى سمعه من بعيد . أصوات أجراس تقرع . اين أصوات الأذان المرفوعة ؟ من أعلى المآذن الشاهقة ! حز في نفسه ان تستباح المساجد . والتي كانت تقام فيها الصلوات الخمس . حولت اليوم إلى كنائس تزينها الصلبان والتماثيل . وتردد فيها الترانيم المسيحية . منذ ان سلم مفاتيح امارته للعدو . عرف أنه لم يفقد الوطن فقط . بل فقد الدين واللغة ومعها الهوية . خان العدو ميثاقه المبرم . اين منه احترام المعتقد ؟ اين التسامح واحترام اختلاف العقاءد ؟ ألم تكن الإمارة في تاريخها . مجالا للتسامح والتعايس بين الاديان الثلاثة ؟ ادار لجام فرسه نحو المجهول . سار بخطى حثيثة للحاق بالركب . من بقي معه من أفراد الأسرة وبعض الخدم . وجهته الضفة الأخرى للعيش . في منفاه الاختياري أو الاضطراري . سيجد العزاء في العيش بديار الإسلام . بين إخوته الذين كانوا يهبون لنصرة الإسلام والمسلمين .كلما حاصرتهم جحافل الأعداء . انقلب الوضع واختل ميزان القوى . فلله الأمر من قبل ومن بعد . فالله يعز من يشاء ويذل من يشاء . ولا غالب إلا الله . حز في نفسه ان يكون شاهدا . على سقوط آخر معاقل الإسلام . ان يكون مسؤولا عن تسليم مفاتيح المدينة للعدو . الم يكن الأجدر به وبجنوده . القتال والاستشهاد حتى آخر رمق ؟ كان سيكون انتحارا غير ذي جدوى . كان هو واتباعه قلة قليلة . في مواجهة جيش جرار قدم من كل انحاء شبه الجزيرة . محاصرا امارة صغيرة . انهكها طول الحصار وشح الزاد والعتاد . فكر وقرر حقن الدماء والاستلام . لكن التاريخ لن يرحمه . أحس بذنب عظيم . ماذا سيقول عنه الأبناء والاحفاد ؟ سيلحق باسمه عار لن تمسحه الايام . وسيحاسبونه على التفريط في بلاده … ولا غالب إلا الله …
رحال امانوز