الرئيسيةإبداعقصة قصيرة: بائع القطط

قصة قصيرة: بائع القطط

فكان بائع القطط ماكرا.
وكانت النساء أمكر.
وكان القط الذكر بديلا أمثل.

إنها الآن هناك تجلس وحيدة، ومقهورة ، وكئيبة، ومهجورة، في أحد أركان شقتها، أخبرني حارس المبنى أنها لم تخرج منذ شهور من بيتها، وأنه الوحيد الذي كان يقوم باقتناء أشيائها، عادت ليلا قبل شهور إلى شقتها محملة بأشيائها الخاصة، ملابس وأحدية وشناطي ثقيلة، والدموع تملأ عينيها، ومشية بطيئة تميل إلى السقوط، عندما راها حارس المبنى ركض ليساعدها في حمل أشيائها إلى شقتها ومنذ ذلك الوقت وهي هناك.
لم يراها أحد.
إمرآة مطلقة في شقتها ووحيدة…
حياتها أضحت بطيئة، دون طعم ولا مجرى حياة يشبه جريان نهر السلسبيل، وبلا أي جاذبية سوى تلك العزلة القاسية المحكمة، الضاغطة على نفسيتها منذ طلاقها، ونحن نراها الآن جالسة في الركن، بعينين يملأهما الحزن، جعلتنا ننسى أنها كانت متزوجة ذات يوم وكانت سعيدة، وتتفاخر بصور زواجها على وسائل التواصل الاجتماعي
و صور شهر عسلها، ربما كانت لها لمسة حساسة بالهدوء الذي يسبق العاصفة، أو البرودة التي تسبق المطر.
انتهى مشهد الهوس بالجيمات، والجادورات بالطلاق.
فجأة اقتحم قط بني شقتها، فسمعنا صراخها لأول مرة، وعندما ركض حارس المبنى إلى شقتها وجدها هادئة، وتداعب القط، وتحاكيه، وكأنه لم يحدث شيئا.
كان صراخها يشبه صراخ ليلة الدخلة.
ليلة هادئة.
هذا كله وأشياء أخرى كثيرة في نفس السياق جحعلتنا ندرك بغض النظر عن حزنها الرهيب أنها كائن إنساني.
إنساني ؟
اتقصد مداعبة القط.
اااه وقد يكون القط بديلا لزواج فاشل، أو علاقة باردة، على كل حال يوجد من يملأ المكان، حيوان اليف، بعينين زرقاوي، ولون بني يميل إلى الأصفر، جميل الشكل وعلى قدر عجيب من اللطف، وقد أصبح هذا القط حيوانها المدلل وأنيسها المفضل.
ربما الطف من حيوان يخرج زوجته الحسناء في منتصف الليل وهي طالق.
رجال تعيش بين جبال الجليد
ونساء بين أشعة الشمس وبراكين الأرض
جعلت القط بديلا أفضل…
على كل حال لم يكن هذا القط تائها، أو عشوائيا، فقد كان قطا ذكيا يفر من صاحبه الذي يبيع القطط في محل قرب المبنى الذي تسكنه السيدة، وأن هذا القط كان يبحث عن أخوته في الجوار، فالمبنى كانت تسكنه سيدات جميلات ووحيدات ومعظمهم مطلقات وبعضهم فشلن في علاقات مع الرجال، وبعضهن لا ينظر إليهن الرجال.
فكان بائع القطط في الجوار أفضل صدفة في حياتهن، كان يبيع لهن القطط كنوع من التخفيف عن الوحدة والالم ومرارة العيش.
القط ليس إنسانا، القط بديلا.
بائع القطط هذا رجل أربعيني، يرتدي ملابس كلاسيكة إيطالية الطراز، قبعة، و وشاح، و معطف، وعصا يتكأ عليها، وكان لا يبيع لهؤلاء النساء إلا الذكور من القطط، وكان كلما ضاع له قطا يجده في شقة أحد النساء في المبنى المجاور، عندما سأله أحد المارة عن السبب، أخبره أن ولع النساء بالقطط غير مفهوم، وأنهن يفضلن الذكور منها أكثر من الإناث.
ومتى كانت الأنثى تطمئن للأنثى.
فكان بائع القطط ماكرا.
وكانت النساء أمكر.
وكان القط الذكر بديلا أمثل.

عبدالرحيم الشافعي 
عبدالرحيم الشافعي 
عبدالرحيم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *