الرئيسيةإبداعقصة قصيرة: الحسناء وكورونا والحرائق

قصة قصيرة: الحسناء وكورونا والحرائق

حضور وجهها الجميل أوقف الزمن، أما صدرها الممتد في غرور فكان صندوقا أسود يحمل أسرارا قد لا تعرف إلا بعد وقوع الكارثة، عيونها بندقية موجهة بعناية نحو صدري العاري مع سبق إصرار، و كيف لي أن أبصر الأنف و الأنف عنوان الجمال وملاحة الفم و صباحة الوجه، وقد لف تحت “ماصك” أزرق داكن؟ إنها لعنة الفيروس التاجي الذي أجبر الجميع على المسخ المتشح بكل ألوان الطيف.
في شارع عام أمام مصلحة إدارية أرقام ترتيب على سجل يرفع الرجل صوته المتهدج الذي يضيع في الصخب: 14 – 15 – 16- 25 – 33 – 46 – 50… الجميع خائف يترقب أشعة شمس حارقة و رياح كورونا تهب في كل منعطف و شارع، سيارات الإسعاف و الشرطة تشغل منبهاتها في أصوات غير متجانسة و أضواءها كذلك محدثة ضجيجا و رعبا. لما أعياها الجلوس قامت في اعتدال بهي زاد الوجع كبريتا، و كانت بين الفينة والأخرى تتعمد تشغيل هاتفها الخلوي في إغراء واضح بدت وقتها أنيقة للغاية في أبهى حلتها.
67 – 70 – 71 – 79 – 83 – 98… الإنتظار سيطول أكثر.. و بحثا عن ظل أو شبه ظل تحت سماء حارقة، تحركت و تحركت صحبتها و جلسنا القرفصاء “لم أستفد من الدعم غير مرة واحدة” هكذا قالت فتساءلت في ذات نفسي “أهي مطلقة؟ أرملة؟…” دعم تم اقتطاعه من أجور الموظفين، لكن للأسف لم يتم تدبير الملف بالشكل الصحيح، هناك من استفاد ثلاث مرات، و من استفاد مرة واحدة، و من لم يستفد مطلقا، بل الأذهى و الأمر من تحايل و هو من طبقة ميسورة الحال.. و مرد هذه الإختلالات هو غياب سجل اجتماعي رسمي…
101 – 107 – 127 – 135 – 142… ملني الإنتظار و الناس من حولي في حوار مفتوح… كانت الحسناء تجري مكالمات قصيرة أو تستمع إلى تسجيلات صوتية أو تمرر أصبعها الجميل على شاشة الهاتف، و تدرع المكان جيئة و ذهابا، و نظراتي معلقة بقوامها الرائع كل أسلحتها قد تؤجل القتل غير أن سعالها المفاجئ قد يهديني الطريق دون تأجيل إلى غرفة الإنعاش و التنفس الصناعي و الموت المحقق تحت أجهزة التخذير.. وعدت خطوات تضمن مسافة الآمان فتحسست كمامتي هل هي محكمة الإستعمال؟ و أنا أعالج كل مكان قد يكون منفذا للعدو المجهري، أخد يتردد صدى صراخ العضو في البرلمان الإيطالي: “أوقفوا هذه الأكاذيب فهذه الوفيات %96 منها حسب المعهد العالي للصحة: نوبات قلبية و سرطانات و غيرها من الأمراض… لماذا ترتادون الكمامة؟ لا نستمر في الكذب”، و استحضرت خروج ألاف الألمان بالعاصمة بشعارات إلغاء ارتداء الكمامة بل حتى تشكيك في الفيروس نفسه (STOP). مشهد تكرر في عواصم غربية عديدة: لندن و مدريد… كورونا مؤامرة تاريخية، نهاية الجائحة، يوم الحرية… شعارات رفعت في هذه التظاهرات. لكن بالمقابل عداد الأرقام يتزايد و معدل الوفيات يرتفع، و تشديد السلطات على ارتداء الكمامة و تطبيق أداء الغرامات فورا… فوضى خلاقة، فوضى في كل شيء.
جامعة أوكسفورد تبشر العالم بلقاح سيتحول إلى ملايين الجرعات، و منظمة الصحة العالمية تصيح باستحالة وجود علاج… اجتهدت في سد كل المنافذ، غير أن دخان مرفأ بيروت اخترق الكمامة، فبدأت أختنق وسط ركام هائل من الأسئلة: “إشعال نار مقصود؟ تماس كهربائي؟ حرارة شديدة؟ قنبلة موقوتة؟ قصف؟ إهمال؟ موساد؟ عمائم سوداء؟ العم سام؟ شحنة الموت؟ نترات الأمونيوم؟ صراعات سياسية؟ تهور؟… قدرنا أن لا يهدينا التحقيق – في كل فواجعنا – جوابا، بل أسئلة عصية. و نحن نتنفس تحت رحمة الجرح و الدم و الدموع و الرماد…

لحـسن بنـيعـيش
مكـناس / المغـرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *