الرئيسيةحواراتما قاله ملك إسبانيا خوان كارلوس عن الحسن الثاني والمسيرة الخضراء

ما قاله ملك إسبانيا خوان كارلوس عن الحسن الثاني والمسيرة الخضراء

ـ الحسن الثاني رجل فائق الذكاء، وسياسي كبير ودبلوماسي محنك..
ـ قضية الصحراء هي قضية تصفية استعمار

هناك العديد من الحقائق التاريخية المرتبطة بحدث المسيرة الخضراء ظلت قابعة في مصادرها الأجنبية، لم يطلع عليها القاريء المغربي، إما لكونه جاهل بلغة المصدر أو أن هذه المصادر لم تجد من ينقلها إلى اللغة العربية. من هذه الحقائق ما كشف عنها ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس الأول، في حوار طويل وشامل كان قد خص به الصحافي الإسباني الشهير “خوسي لويس دي فيلايونغا”؛ حول مجموعة من القضايا الشخصية والسياسية التي عاشها الملك منذ توليه عرش إسبانيا بعد وفاة فرانكو إلى تاريخ إجراء هذا الحوار.
والملفت في هذا الحوار، وهو حوار نشر بالإسبانية في كتاب من الحجم المتوسط سنة 1993 تحت عنوان “الملك”، الحديث الذي خص به الملك خوان كارلوس المغفور له الحسن الثاني والمسيرة الخضراء، وكذا الترتيبات التي سبقت انسحاب الجيش الإسباني من الصحراء المغربية، وكيف عبر خوان كارلوس عن هذا الانسحاب بكونه يتعلق بقضية “تصفية الاستعمار”؛ ليقول بأن الدور قد جاء على إسبانيا لتنال “نصيبها” هي الأخرى من موجة الحركات التحررية التي عرفتها العديد من بقاع العالم في تلك الفترة.
يتوزع الحديث على أربع صفحات من الكتاب(من ص 222 إلى 225)، حرصت على نقله كما جاء في الحوار، دون تعليق أو تصرف قد يسيء إلى مضمون النص، رغم أنه ورد في كلام خوان كارلوس ما يحتاج إلى التوضيح، خاصة عندما ربط قراره بانسحاب الجيش الإسباني من الصحراء المغربية بتفاديه ارتكاب مجزرة ضد الأطفال والنساء اللائي ـ كما قال ـ كن يحتلن الصفوف الأولى من المسيرة الخضراء.

فيما يلي نص الحوار:

سؤال: عندما قرر الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء، فهل كان على علم بمرض فرانكو
جواب: بدون شك، كان على علم بذلك. لكن لا أظن أنه كان يعلم بالوضع الصحي الحقيقي لفرانكو، الذي كان ساعتها يحتضر. أما القول بأن الحسن الثاني استغل فرصة مرض فرانكو لتنظيم المسيرة الخضراء، فهو قول أراه مجانبا للصواب؛لأن التوتر القائم بين الرباط ومدريد ليس وليد الساعة. فهو يأتي في سياق ظهور العديد من الحركات التحررية في العالم، التي كانت تطالب بالاستقلال. وقد جاء علينا الدور. فقد أصدرت المحكمة الدولية (لاهاي) حكمها في الموضوع، وأقرت للساكنة الصحراوية، تحت الحكم الإسباني، بمبدإ تقرير المصير. لكننا في مدريد لم نكن ساعتها نعرف ماذا يجب فعله حيال هذا الموضوع. فالحكومة كان يتقاسمها فريقان: فريق يرى ضرورة الإسراع بعقد اتفاق ثنائي مع المغرب، ومن ثمة سحب الجنود الإسبان من الصحراء. وفريق ثان مال إلى الطرح الجزائري، بضرورة النضال المسلح؛ وهو الطرح الذي تبنته فيما بعد البوليزاريو.

س: ماذا كنت تظن أن فرانكو كان فاعلا لو لم يكن مريضا؟
ج: من طبيعتي، أني لا أستطيب طرح فرضيات حول ما كان للآخر أن يفعله لو كان مكاني. ففرانكو، كما تعرف، كان “افريقيا”؛ فقد راكم جزءا كبيرا من رصيده التاريخي على الأرض الأفريقية. وهو يعرف أن المغاربة محاربون أشداء، وأنه هذه المرة لن يكون أمام أي عبد الكريم الخطابي، وإنما أما ملك فائق الذكاء، وسياسي كبير ودبلوماسي محنك. لست متأكدا، ولكن أعتقد أن فرانكو لو كان مكاني لتصرف بحزم أكبر، لكن ليس إلى درجة الدخول في حرب استعمارية أخرى، قد تجر علينا، كما حصل في الماضي، إدانة دولية.


س: كيف كانت نفسية الجيش الإسباني في إفريقيا ساعتها حيال هذا التوتر؟
ج: أخاف أن أكون مبالغا إذا قلت بأن الجندي يحتاج دائما إلى من يعطيه الأوامر، وهو الشيء الذي لم يكن متحققا في هذه الظرفية بالنسبة للجيش الإسباني. فالحكومة لم تتعود على غياب فرانكو على رأس الدولة، والجنرال (كومث سلاثار)، قائد الجيش الإسباني في الصحراء، وجد نفسه، في ظل هذا الفراغ الذي خلفه مرض فرنكو، يتصرف من منطلق اعتبارات شخصية محضة. لكنه استطاع في الأخير أن يتفهم بأن نهاية الاحتلال أصبحت مسألة حتمية. أقول هذا، لأن (سلاثار) ما كان ليغفر لأحد لو تعرض جنوده لأدنى اعتداء.
وهكذا قررت أن أتولى زمام الأمور بيدي، وأصبح للمرة الثانية رئيسا للدولة. لكن هذه المرة كانت الشروط مختلفة. وهكذا، وطيلة صيف 1974، لم أستطع أن أفعل أكثر مما كان يسميه الرئيس الفرنسي “دي غول” بـ “حفل تدشين الأقحوان”. لكن في شهر أكتوبر من سنة 1975 كان الوضع جد حرج، ويتطلب اتخاذ قرارات جد خطيرة. فمنذ أن سقط فرانكو مريضا حصل فراغ مهول في السلطة، ولم يكن هناك أحد يجرؤ على فعل شيء ما أو اتخاذ أبسط قرار في الموضوع. فاجتمعت في قصر الرئاسة، زيادة على رئيس الحكومة ووزير الشؤون الخارجية، بجميع المسؤولين الكبار في الدولة والجيش. وأخبرتهم بأني سآخذ الطائرة يوم غد وأنتقل إلى العيون، القرار الذي فاجأهم جميعا، ودفع بوزير الخارجية “بيدرو كورتينا” إلى محاولة ثنيي عن هذه الزيارة بالقول: ” لا يمكن أن تذهب إلى هناك”.. فقلت لهم: ” اسمعوني جميعا: فرانكو يوجد على بعد خطوة أو خطوتين من الموت، وأنا الوارث الشرعي للحكم. وعليه، فسأذهب إلى العيون لكي أشرح للجنرال “كوميث دي سلاثار” ورجاله ماذا يجب علينا فعله، وكيف نفعله؟ لننسحب من الصحراء، لكن بشرف ووفق شروط مقبولة. ليس لأننا كنا المنتصرون، ولكن لأني لا أريد للجيش الإسباني ان يتورط في إطلاق النار على حشود من النساء والأطفال العزل.

س: هل تعتقد فعلا أن الحسن الثاني كان يريد لهذه الحشود أن تتقدم لتجتاح مواقع الجيش الإسباني؟
ج: دون الحاجة إلى شواهد، فقد لوحظ انطلاقا من العيون أن هناك حشودا من الناس ترفع أعلاما خضراء، وتنتظر فقط الإذن للزحف نحو فوهات بنادقنا. وأؤكد لك، أنه كان واضحا للعيان أن الخط الأمامي للمسيرة كان يضم عددا من النساء والأطفال أكثر مما يضم من الرجال. و كنت متأكدا من أنه في حالة إذا لم ننسحب فستحصل مجزرة رهيبة.. ولهذا، حالما وصلت إلى العيون خطبت في الجيش ووضحت له أن الأمر لا يتعلق بتاتا بالتخلي عن مواقعنا، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن نطلق النار على عزل. وعليه، فسنتفاوض من أجل أن يتم انسحابنا من الصحراء في ظروف جيدة تليق بسمعة الدولة الإسبانية. وأذكر اني لاحظت نوعا من الانشراح باديا على وجوه الحاضرين. وكنت أعرف أن خطابي سيصل في الحين إلى الرباط. وعندما عدت إلى مدريد ترأست على وجه السرعة اجتماعا للوزراء. وقلت لـ (بيدرو كورتينا) :” خلال مدة زمنية قصيرة، سيهاتفني ملك المغرب ليخبرني أنه سيعلن وقف زحف المسيرة الخضراء”. وهو ما جعل وزير الشؤون الخارجية ينظر إلي باندهاش.

س: ألم يحصل سابقا أي اتصال بينك وبين الحسن الثاني؟
ج: أبدا.

س: إذن، كيف عرفت أنه سيتصل بك هاتفيا؟
ج: عرفت ذلك حتى وأنا لم أصل بعد إلى مدينة العيون. فأنا أعرف سكان شمال افريقيا؛ فهم يولون أهمية كبيرة “للمواقف”. والموقف الأكثر نبلا عندهم أن يضع القائد نفسه في مواجهة جنوده. وهكذا أجبت (بيدرو كورتينا): ” نعم، سيتصل بي ملك المغرب ليشكرني على هذا الموقف. يبقى فقط أيها السادة، موجها الكلام لباقي الوزراء، أن تشيروا علي بما سأقوله لملك المغرب. لأن هذا هو دوركم، وليس دوري”. وبينما الجميع منشغل في التفكير فيما يمكن قوله للحسن الثاني جاءني أحد المساعدين ليخبرني أن ملك المغرب يطلبني على الهاتف. وعندما أخذت السماعة سمعت الحسن الثاني يقول لي: “أشكرك على هذا الموقف. والآن يمكن أن نتحدث بكل جدية في الموضوع. بعدها مباشرة أعلن الحسن الثاني عن وقف المسيرة الخضراء بشكل نهائي. وقد سمعنا فيما بعد أن هناك من لامنا على ذلك، معتبرا انسحابنا من مدينة العيون كان سريعا وغير مرتب. وهو قول يجانب الصواب بشكل تام؛ فـ (كومث دي سلاثار) كان رجلا حذرا ودقيقا، يستهويه ترتيب الأمور بما يراه جيدا، وهو لذلك يحوز على احترام كبير من جنوده. أقول هذا، لأن في مثل هذه العمليات، والتي لا تملك لها وقتا كافيا للتفكير، غالبا ما تكون هناك أخطاء. بالنسبة لي، كان يهمني بالدرجة الأولى وقف زحف هذه المسيرة التي كانت تتكون من مئات الآلاف من الأشخاص المستعدين لكل شيء لاسترجاع أرض مستعمرة من قبل قوات أجنبية. ومن هنا، نعتبر أن ما جرى بالعيون كان عملا ناجحا بالمنظور العسكري. صحيح أنه، في منطق السياسة، كان يمكن فعل ما هو أحسن. لكن الذين يهتمون بالسياسة هم السياسيون وليس أنا.

 

ترجمه عن الإسبانية: أحمد بومقاصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *