فما الذي حدث لهذه المدينة التي كانت تُلهم الرسامين والكتاب؟ أين اختفى وجهها الجمالي؟ وهل لا تزال قادرة على استعادة ملامحها التي ضيّعتها بين فوضى التخطيط ورداءة الذوق العام؟
من مدينة الإلهام إلى مشهد بصري يفتقر إلى الروح
1. طنجة التي لا نراها…
طنجة ليست فقط مدينة، إنها حالة شعرية، ورائحة بحر، وضوء ينسكب على الجدران البيضاء. لكنها في السنوات الأخيرة أصبحت شيئًا آخر… مدينة يطاردها العمران السريع، ويطمر وجهها الحقيقي تحت عمارات متشابهة، بلا هوية، بلا أثر فني، وكأنها مدينة تحاول أن تصبح “حديثة” بسرعة، لكنها تنسى أن تكون “جميلة”.
2. تلوث بصري… كأننا نعيش في إعلان تجاري
هل تأملت يومًا واجهات محلات وسط المدينة؟ هل حاولت أن تقرأ رسائل اللوحات الإشهارية المتزاحمة في كل اتجاه؟ طنجة اليوم تتحدث بلغة إشهار رديء، وواجهات عشوائية، ولافتات تخنق الأبصار. كأنك تعيش في لوحة إعلانية عملاقة، لا في مدينة كانت يومًا ملهمة لماتيس وجان جنيه وبول بولز.
3. الفضاء العمومي… لمن؟
الفضاء العمومي هو مرآة لكرامة المواطن، لكن ماذا لو كانت هذه المرآة مكسورة؟ في طنجة، الأرصفة المحتلة، الحدائق المهملة، المقاعد المحطمة، والأشجار المخنوقة تحت الإسمنت والكثير من الإهمال. صور تحيل كلها إلى سؤال صادم: هل نحن فعلاً نعيش في فضاء عمومي، أم في مساحات مهجورة من أي بعد جمالي وإنساني؟
4. مبادرات فنية… لكنها تصرخ في صمت
نعم، هناك محاولات يتيمة هنا وهناك، مهرجانات للرسم في بعض الأزقة، عروض تائهة داخل حجرات باردة ومحاولات فردية للتجميل والتزيين… لكنها تظل أصواتًا معزولة وسط ضجيج الفوضى البصرية في الفضاء العام. الفن يحتاج إلى سياسة، إلى مشروع حضاري، لا إلى فتات مبادرات موسمية.
طنجة تستحق أكثر… فلنصغِ إلى الجمال وهو يئن.
ليس الجمال ترفًا في مدينة مثل طنجة، بل هو عمقها الحقيقي، ذاكرتها الحية، روحها التي ترفض أن تُختزل في أعمدة إسمنت وزجاج وكثير من الغبار.
ما تحتاجه طنجة اليوم هو ثورة جمالية، لا تهتم فقط بالطلاء والواجهات، بل تعيد الاعتبار للفن في المجال، للذوق في التخطيط، للثقافة في هندسة الفضاء العمومي.
ربما آن الأوان لنصغي إلى همسات الجمال، الذي لم يمت، لكنه مختبئ في زوايا المدينة… ينتظر من يعيد إليه الحياة. ولن تعود إلا إذا تكاتفت الجهود وتحول التدبير الثقافي والجمالي إلى مشروع مجتمعي يقود المدينة إلى غد أفضل.
منير بنرقي-المغرب
فنان تشكيلي وباحث في الجماليات