الرئيسيةأخبارمقالة: الميتا سرد في رواية “فندق دَماحة” لشرف الدين عكري

مقالة: الميتا سرد في رواية “فندق دَماحة” لشرف الدين عكري

الميتا سرد في رواية "فندق دمّاحة" لشرف الدين عكري بقلم : الدكتور محمد الدخيسي أبو أسامة

“تلك قصة فرغت منها، وهذه رواية جديدة عليَّ أن أتبع خيوطها، وربما أعود إلى مراكش، ومنها إلى واحات الجنوب الشرقي.”[1]

هل نقف عند تجنيس النص “رواية”؟ أم عند المفارقة الخفية التي تضع النص الأول في مقام “القصة”، والنص الأخير “قصة رشيد وحسن…” في منزلة الربط بين الحاضر والماضي: حاضر القصة، وماضي فندق الليمون/ دَمَّاحة؟؟

سؤال مشروع في ظل الهيمنة الكلية لفعل السرد بدل الحكي، سرد قصص متنوعة، تربط بينها وشائج قوة الشخصية/ البطل، بالمفهوم التقليدي “دماحة” والشخصيات المساهمة في فعل السرد: سيد العابد، مسيعيدة وغيرهما. ويضع الكاتب شرف الدين عكري القارئ في البداية مشدوها للنظر في علاقة القصص الثلاث: قصة شمهروش، وقصة دماحة، وقصة رشيد وحسن.. لكن النهاية تقلب الموازين، وتحرك دواليب الربط الحدثي، بين ماضي فندق دماحة الذي وهبه سيد العابد لدماحة، التي بدورها باعته لتهب دخْله لتحرير العبيد، وحاضر الفندق الذي ينزل فيه رشيد وحسن بفاس، بإيجار غرفة مقاما لهما لتعلم الحرفة..

يبدأ الكاتب الرواية بواقعة عجيبة، يأخذنا من خلالها إلى سرد داخل السرد، حيث يشير إلى تناول البطل مكراته ليقرأ ما خطته يده في الليلة السالفة، فكانت قصة شمهروش وبحث البطلة/ الساردة عن محكمة الجن بقرية إمليل قرب مراكش، لعلاج مشكل العقم.

وحين نبحث عن مشكل العقم نجده حاضرا في النصوص الثلاثة:

– القصة الأولى التي أشرنا إليها؛

– قصة عقم للاكنزة زوجة سيد العابد، الذي أنجب مولاي إدريس من دادة مسيعيدة، فكان هذا السر سبب انتقاهما (للاكنزة ومسيعيدة) من دماحة؛

– قصة عقم زوجة عم رشيد، مما جعل الأب يهبه ابنته ليلى: “وفي لمح البصر، تم تحوير النقاش من انتزاع أختي ليلى من حضن أمها، وأخذها للعيش مع عمي وزوجته العاقر، إلى التفكير في مصلحتها، وحقها في التعلم.”[2]

هذه الإشارة الضمنية، دليل على كون النص السردي مهووسا بعامل الربط بين الفكرة، والحدث والشخصية، والزمان؛ ليبقى الزمان متأصلا وموازيا للأحداث ذات الطابع الاجتماعي أو النفسي.

فالقضية الأساس كما هو ملاحظ، لا تراوح قضية النخاسة، أو بيع العبيد التي عرفها العالم في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين، وبخاصة مع الأندلس، وانتقال العبيد عبر رحلات بحرية وبرية. وتبعث هذه القضية برسائل عدة، منها:

– استسلام بعض العبيد والإماء، مما يجعل أبوتهم لحضن أسرهم أمرا غير مفكر فيه؛

– تحدي بعض الإماء، أو العبيد، مما يدفعهم أحيانا إلى التفكير في سبل الخلاص، وذلك حينما يتعلق الأمر باختطاف وبيع، كما في حالة دماحة.

لذلك، وجبت الإشارة إلى أن هذه القضية مصدر لتحريك الحدث العام في النص، إذ بها انتقلنا في الماضي إلى الحاضر، ومعها، تم التفكير في سبل قلب نظام النخاسة، والبحث عن أسباب التحرر بشتى الوسائل.

كما يقوم الفعل السردي في رواية “فندق دماحة” على التلاعب بتسلسل الأحداث، لذلك، يختار الكاتب أن يؤجل حينا، ويعجل حينا آخر. إذ أنهى قصة دماحة، دون الإشارة إلى ما آلت إليها الأحداث، إلا حينما استعرضها في القصة الأخيرة؛ إذ أنبأ حسن صديقة رشيد إلى كون فندق “دماحة” كان أصلا اسمه فندق الليمون، وأشار إلى حقيقة الرواية التي تقول:

“يروي الناس يا أخي أن سيدا اغتصب إحدى إمائه اغتصابا نتج عنه حملها، ويحكى أيضا أنه احتجزها في هذه الغرفة التي تأوينا الآن، وقد حصل ذلك قبل معرفته بحملها.

ولما علم بأنه زرع نطفته بداخل رحمها، سعى إلى تحريرها وطلب يدها للزواج، وقد ندم على فعلته، وكان الفندق مهرها…”[3]

هذا آخر ما جاء في رواية “فندق دماحة”، لكنه يندرج ضمن الفصل الأول المؤجل كما جاء على لسان الكاتب ذاته بقوله: “توضيح أيها القارئ(ة) العزيز(ة) لقد تم تأجيل “الفصل الأول” لاعتبارات تقنية”[4]

ولعل هذا التأجيل، منشأه كون السارد ركز على قصة ‘دماحة’، لذلك بدأ بها قبل أن ينتقل إلى سيرة رشيد وحسن. ومن الملاحظ أن الكاتب كان موفقا في اختيار سير الأحداث، كما استطاع أن يبني السيرورة الحدثية وفق تصور منهجي معد سبقا، وهو ما جعله يركز على سرد أحدث دماحة بتفاصيلها، وأن يرجئ الحديث عن الفندق في إشارة منفصلة سريعة في نهاية المطاف. وقد انتبهنا كيف أن دماحة أيضا كان لها الدور في اختيار الحدث المناسب، كونها ساردة في بداية حكي قصتها، وهي غير مدركة لعواقب الرعي بعيدا عن القبيلة، واسترسالها في الحديث مع الغريب الذي اختطفها، وباعها في سوق النخاسة.

وأخيرا، يمكن القول في نهاية هذه الكلمة المقتضبة حول رواية “فندق دماحة” أن الكاتب اختار الاشتغال على فعل السرد المتناوب حينا، والمنقطع حينا آخر، للتركيز على الحدث العام المرتبط بشخصية “دماحة”؛ غير أن الأوصاف التي بناها لتفتيت الأحداث جعلها ذات صلة بقصتين تربط الدلالة الحدثية بينها بكشل غير مصرح به. وقد استدعى الكاتب سلطة الفكر، وسلطة التذكر للربط بين الحالات المشتركة.

ومن القضايا التقنية التي يمكن أن تكون حافزا لقراءة النص، أن الانتقال من قصة إلى قصة أخرى، كان عن وعي، وبتصريح موجز منه. وهذا دليل على كون السارد/ البطل، المتنوع في الرواية، مرتبط بالقوى الفاعلة التي تمت بطريقة فجائية، أحدثها تقلب الأحداث، واختيار الوقت المناسب للتعبير عن نهايات غير متوقعة.

وخلاصة القول، رواية “فندق دماحة”، مبدؤها المكان؛ وهو فضاء إمليل للبحث عن سر العلاج الروحاني، ونهايتها المكان، وهو الفندق الذي يجمع الصديقين (رشيد وحسن)، وتعد قضية النخاسة إحدى القضايا التي تفتح بابا شاسعا أمام قراءات مختلفة ومتنوعة.

د. محمد دخيسي أبو أسامة

 

[1]– شرف الدين عكري، فندق دَمَّاحة، دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع، الخرطوم، السودان، ط. 1، 2025.

[2]– فندق دماحة، ص. 256.

[3]– فندق دماحة، ص. 262- 263.

[4]– فندق دماحة، ص. 39.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *