الصحافة المأجورة: آفة تهدد القيم والمجتمع
تعد الصحافة عمودًا أساسيًا لأي مجتمع ديمقراطي، فهي العين الساهرة التي تكشف الحقائق وتنير الطريق أمام المواطنين لفهم الأحداث واتخاذ القرارات الصائبة. الصحافة الحقيقية تلتزم بأخلاقيات المهنة وتسعى دائمًا لنقل الأخبار بصدق وموضوعية، ولكن في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم اليوم، بدأت بعض الصحف والصحافيين في التخلي عن هذا الدور النبيل لصالح مكاسب شخصية أو أجندات موجهة. هذه الظاهرة، التي تُعرف بـ”الصحافة المأجورة”، أصبحت تهدد قيم المجتمع وتفسد أركان العمل الصحفي.
مفهوم الصحافة المأجورة
الصحافة المأجورة هي ذلك النوع من الصحافة الذي يفتقد للحيادية والمصداقية، حيث يتحول الصحفي أو المؤسسة الإعلامية إلى أداة في يد جهات معينة تسعى لتحقيق مصالح خاصة على حساب الحقيقة. في هذه الحالة، يصبح الصحفي تاجرًا بالمعلومات بدلاً من أن يكون حارسًا لها، مما يؤدي إلى تقويض دور الإعلام كسلطة رابعة تعمل لصالح المجتمع.
أسباب انتشار الصحافة المأجورة
من هذه الأسباب نذكر :الأزمات الاقتصادية ،اذ تواجه العديد من المؤسسات الإعلامية تحديات مالية بسبب انخفاض عائدات الإعلانات والمنافسة الشرسة من وسائل الإعلام الرقمية. هذا الوضع دفع بعض الصحفيين والمؤسسات لقبول التمويل المشروط من جهات لها أجندات محددة.
وأيضا: الفساد السياسي والاقتصادي ،نجد في العديد من الدول، تستخدم النخب السياسية والاقتصادية الصحافة كوسيلة للترويج لأجنداتها أو لتصفية حساباتها مع الخصوم. الصحفي المأجور يصبح جزءًا من هذه اللعبة بدلًا من أن يكون مراقبًا محايدًا.
ثم ،غياب التشريعات الصارمة، لأن ضعف القوانين التي تحمي الصحافة الحرة وتمنع تضارب المصالح يساهم في انتشار هذه الظاهرة.
وافتقار بعض الصحفيين للأخلاقيات المهنية،يجعل مع تراجع الالتزام بقيم النزاهة والشفافية، البعض يرى في الصحافة وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية.
ولا ننس ضعف الوعي الجماهيري ماله وما عليه أيضا،فعندما يكون الجمهور غير واعٍ بأهمية الصحافة المستقلة، يصبح أكثر عرضة للتأثر بالمواد الموجهة.
اما تأثير الصحافة المأجورة على المجتمع فنتائجه وخيمة جدا ، أهمها كالتالي :
- انعدام الثقة:
عندما يُفضح تورط الصحفيين في عمليات ابتزاز أو تلقي رشاوى، يفقد الجمهور الثقة في وسائل الإعلام. وقد يكتشف المواطن أنه اعتمد على صحفي لا يستحق الثقة والأمانة التي أُوكلت إليه، عندما يجد أن هذا الصحفي ساوم بمعلومات حساسة أو وثائق فساد للحصول على مكاسب شخصية.
- تعزيز الفساد:
بدلاً من أن تكون الصحافة أداة لكشف الفساد، تتحول إلى شريك فيه، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب.
- قتل القيم المجتمعية:
الصحافة المأجورة تروج لثقافة الاستبداد واستغلال المناصب، مما يؤدي إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية داخل المجتمع.
- تشويه الوعي العام:
الصحافة المأجورة تخلق وعيًا زائفًا من خلال التلاعب بالمعلومات وتوجيه الرأي العام نحو قضايا سطحية أو مغلوطة.
- إضعاف الديمقراطية:
الصحافة المأجورة تعرقل النقاشات الحرة وتحد من فرص المواطن في الحصول على معلومات دقيقة وموضوعية تساعده على اتخاذ قرارات مستنيرة.
ومن الأمثلة الواقعية لآثار الصحافة المأجورة :
نجد في العديد من الدول، برزت أمثلة واضحة للصحافة المأجورة، حيث تم استخدام الإعلام لتشويه سمعة شخصيات معارضة أو للترويج لسياسات غير شعبية. أحد أبرز الأمثلة هو الحملات الإعلامية التي تمولها جهات مجهولة لتغيير اتجاهات الانتخابات ،أو لتبرير قرارات حكومية مثيرة للجدل. هذه الأمثلة تؤكد أن الصحافة المأجورة ليست مجرد مشكلة أخلاقية، انها تهديد مباشرلاستقرار المجتمع. بل وقد أصبح للصحافة المأجورة علامة بارزة تتميز بها وهي عبارة ً سنعود لاحقا ً في إشارة لتفصيل الكلام في موضوع معين تتم اثارته من باب تنبيه الجهة المعنية الى أن هناك بين يدينا ماندينكم به ؛ وفي تهديد واضح ًبالمساومة ً . ما يجعلنا نتساءل الم يعد لهذا النوع ــ المحسوب على الجسم الصحافي بالخطأ ــ ماء وجه يحفظونه أم تمت اراقته بالكامل؟!!
نصل في المقابل الى دور الصحافة الحقيقية في إنقاذ المجتمع:
الصحافة الحقيقية تشبه الطبيب الجراح الذي يزيل الورم السرطاني من جسد المريض. فهي تقوم بكشف الفساد وتقديم الحقائق للمجتمع بهدف تصحيح الأخطاء، وإصلاح المؤسسات. يمكن تلخيص دور الصحافة في النقاط التالية:
- محاربة الفساد:
الصحافة الاستقصائية تسلط الضوء على قضايا الفساد وتقدم الأدلة التي تمكن السلطات من اتخاذ الإجراءات اللازمة.
- تعزيز الشفافية:
من خلال نشر المعلومات الدقيقة، تساهم الصحافة في تعزيز ثقافة المساءلة.
- إعادة بناء الثقة:
الصحافة النزيهة قادرة على استعادة ثقة الجمهور في الإعلام من خلال التزامها بالمصداقية.
- التنوير المجتمعي:
من خلال تقديم محتوى تثقيفي وتحليلي، تسهم الصحافة في رفع مستوى وعي الجمهور بالقضايا المهمة.
- تقوية الروابط الاجتماعية:
الصحافة المستقلة تعزز الحوار بين مختلف الفئات وتساعد على بناء مجتمع متماسك يقوم على الحوار والتفاهم.
قد تكون لنا بعض الاقتراحات كحلول للحد من ظاهرة الصحافة المأجورة، نذكر منها :
- تعزيز التشريعات:
يجب وضع قوانين صارمة تحمي استقلالية الصحافة ،وتعاقب أي تلاعب أو فساد في المؤسسات الإعلامية. كما يجب أن تشمل هذه القوانين آليات لحماية الصحفيين من الضغوط.
- رفع مستوى الوعي المهني:
يجب على المؤسسات الصحفية تنظيم دورات تدريبية لتعزيز أخلاقيات العمل الصحفي. كما يجب إدراج موضوع أخلاقيات الصحافة في مناهج كليات الإعلام.
- دعم الصحافة المستقلة:
إنشاء صناديق دعم للصحافة المستقلة لتخفيف الاعتماد على التمويل المشروط. يمكن للمجتمع المدني والمواطنين المساهمة في هذه الصناديق لضمان استقلالية الإعلام. بدل دعم القنوات الفاسدة والمواقع الإباحية، لأن في موت الضمير المهني للصحافة ،يموت السلاح الناجع لمحاربة فساد الأمم. إن انجراف المواطنين نحو القنوات التافهة ،وإضعاف المواقع الجادة أو المؤسسات الإعلامية الجدية سبب قوي في تحول معظمها هي الأخرى لمتابعة التفاهة ،بدل الجدية لترضي ذوق الأغلبية الساحقة التي تلهث وراء كل ما هو تافه.
- المساءلة المجتمعية:
يجب على الجمهور أن يكون واعيًا بدوره في محاسبة وسائل الإعلام من خلال التفاعل الواعي مع الأخبار. يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لمراقبة أداء الصحافة.
- تشجيع الصحافة الاستقصائية:
وذلك عن طريق دعم المؤسسات التي تهتم بالصحافة الاستقصائية وتزويدها بالموارد اللازمة للقيام بعملها بشكل مستقل.
- إطلاق مبادرات توعوية:
حملات إعلامية تهدف إلى توعية المواطنين بأهمية الإعلام الحر والنزيه وتأثيره الإيجابي على المجتمع.
- الوعي الجماهيري:
خير دليل على هذه النقطة هواننا وقفنا بشكل تجريبي واقعي على أمثلة قنوات تكذب كل يوم ومتابعيها يزدادون كل يوم. تساءلنا للحظة: هل أصبح الناس يحبون من يكذب عليهم أم ماذا؟ هذا سبب من الأسباب التي ساهمت في إفساد الذوق العام وقتل الضمير المهني إلا من رحم ربي.
وفي الختام لابد ان ندق ناقوس الخطر ونحن نتحدث عن الصحافة المأجورة ، لأن الامرلا يتعلق بمجرد مشكلة مهنية؛ إنها أزمة أخلاقية واجتماعية تهدد أسس المجتمعات الحديثة. إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تضافر جهود الصحفيين الشرفاء، والجمهور الواعي، والمشرعين، لإعادة الصحافة إلى مسارها الصحيح كمنارة للحق وصوت للمجتمع. فلا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم ما لم تكن فيه الصحافة حرة ونزيهة تعمل على كشف الحقيقة وبناء الثقة.
الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي رسالة ومسؤولية. ومن هنا، يجب أن تظل الصحافة الحقيقية سلاحًا في يد الشعب، وسيفًا يقطع جذور الفساد، حتى يزدهر المجتمع وتبق القيم الإنسانية هي الأساس الذي يبنى عليه المستقبل.
الدكتورة نزهة الماموني