«1»
قد تحتاج في صباحٍ كهذا الصباح إلى كاسٍ من الشاي، ولكنك ستحتاج أيضاً إلى صوت ملائكي يضيء قلبك ويفتح عينيك صوت ينقلك إلى عالم آخر، عالم الحياة تبتسم فيها الكائنات عالم فيروز الذي يرسم صباحاتنا بحيوية ودفء أكثر وقد تصحو هذا الصباح على أصوات كثيرة ـ أصوات لا فائدة فيها ـ ولكنك لن تبتسم إلاَّ على صوت فيروز.
إن فيروز التي غنت لبيروت هي نفسها التي غنت لشمس هذا الصباح«طلعت يامحلى نورها شمس الشموسة» ما أحلاك يا فيروز الإنسانة/ الصوت ما أحلاك يا «يامايلة عالغصون عوجي سمرا ياحورية».
لم أكن أتخيل الصباحات والمساءات بدونك فيروز لذلك فأنا«بكتب اسمك.. عارمل الطريق» ولأَّن «معرفتي فيك أجت عازل… ماكانت طبيعية» سأظل أحبك في «الصيف» و«الشتاء» وإن «أطفأت مدينتي قنديلها وأصبحت في المساء وحدها».
فيروز لغة الصباح والمساء، لغة الأشياء الجميلة، الأشياء التي تسعى إلى رسم ملامح النور والضياء في قلوبنا المعتمة، قلوبنا المخمورة بحب فيروز إعذريني يا «بنت الشلبية» لاَّنَ «قلب الحلو ما أرتوى وطابت مواعيده».
قد أستمع لفيروز هذا الصباح في المنزل أو من مذياع الجيران أو في الشارع ولكن لايهم ذلك، المهم هو انني أستمع إليها وهي تغني بصوتها الملائكي «مشوار جينا عالدنا مشوار».
أو
«أعطني الناي أُغني فالغناء سرُّ الوجود
وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود»
«2»
«لوتعلمين» يافيروز عن «زهرة الجنوب» التي أصبحت بروائحها وجمالها تشبه «زهرة المدائن» كم هي جميلة تلك الزهرة الأنيقة التي أصبحت نموذجاً لزهرات «آخر أيام الصيفية» التي مازالت تقف بكبرياء النصر.
«فيكن تنسوا»أيها الأحبة كلَّ ما «قالوا العدا»
عن «ليالي الشمال الحزينة» وأجواء الشمال التي تحثنا دائماً على الصمود.
ولكن لايمكنكم أن تنسوا «هدير البوسطة»
أحياناً كثيرة أحس أن هنالك «شي عم بيصير» من حوالينا يافيروز ابتداء من «معرفتي فيك» التي كانت بظروف غير طبيعية مروراً بـ «أسامينا» الغريبة وأنتهاءً بـ «أغنية الوداع» الحزينة، لذلك لم أعد أتذكر في أي مساء «جاءت معذبتي» فكلُّ ما أذكره أنها «دقت على صدري» وهي تقول «وقف يا اسمر» «بعدك على بالي» وأعرف أن «زعلي طول أنا وياك» لكن هذا لايهم فأنا «راجعة» مهما «سألوني الناس عنك ياحبيبي».
حتى وإن أختلقوا الكثير من الأكاذيب وقالوا عنّا «كنا نتلاقى» «عدروب الهوى» أو «على جسر اللوزية» أو «فوق هاتيك الربى»
لم يعد للفراق مجال في قلوبنا ولا للحظات الحزن ولاحتى لدموع اليأس طريقاً في المآقي ولم يتبق إلا صورةٌ مختزلة من ذكريات صوت ملائكي يرسم لوحاتٍ باهرةٌ في الجمال لوحات تشبه «شال» «يارا»
«ياقمر أنا وياك» في هذا المساء الفيروزي «رح نبقى سوى» مثل اثنين «حبوا بعضن» المهم «بحبك ما بعرف» ليش و«قدِّيش».
«3»
إعذروني أيها القراء إنَّ «بروفا»المشهد المضيء لـ «البنت الشلبية» يأخذني إلى أبعد مما أنا فيه يأخذني إلى ما وراء ذلك «الجبل اللي بعيد» الجبل الذي يختفي خلفهُ الأحبة.
كل شيء يدعونا إلى العودة للطفولة الجميلة، الطفولة البريئة وكل شيء يجبرنا على الوقوع في دائرة الحب مع هذه الفيروزة.
كم هو الصباح وأضح وجلي، وكم هي زقزقات العصافير شجية لكنها لا تشبه صوتك فيروز.
وكم هي المسافة طويلةٌ إلى حلب مدينة الحب «يارايحين عاحلب حبي معاكم..» وكم أشعر انكم تحزمون أمتعتكم الآن للسفر صوب حلب
صوب فيروز المعنى/ فيروز الصوت «ياطير» أنت وحدك من تستطيع الوصول إلى بيروت وتلالها البعيدة، وتستطيع حمل رسائلنا إلى هناك «ياطير إحْكيُلُنْ عاللي وليفة موُمعه موجوع مابيقول عاللي بيوجعه»
إبتسمي يافيروز نحن نرتشف رنات صوتك العذب ننام على همسات أغانيك الرقيقة، ونصحو على إيقاع صوتك الذي ينساب في أذهاننا كالماء والذي يروينا بنبراته الندية والهادئة، يزرع فينا قيم الحب والحياة الجميلة.
هكذا نكبر دائماً مع صوت فيروز، شربنا صوتها في مرحلة الطفولة وكذلك نشربه الآن، نشربه كل صباح مع فناجين الشاي، ونشربه كل مساء قبل النوم فلايمكن أن نعيش دون أن نسمع فيروز.
«تك تك تك يامُّ «زياد» عرشك ثابت لايتحرك صوتك موزع في أرجاء لبنان، لقد توحّد صوتك بكل حبة رمل في لبنان، توحد بكل جسد حي فيها أنغرس في طرقات بيروت.
صوتك ينمو كل يوم، يحتل قلوبنا، يكتسح زوايا أحاسيسنا ويفيض فيها حنانا.
صوتك يُرضع أطفال «القدس العتيقة» يحدِّثهم كل يوم عن حال «شادي» الضائع وعن قصة لبنان الشمال ولبنان الجنوب
«تناثري» أيتها الفيروزة، إنغرسي في قلوبنا / قلوب ابنائنا، إنغرسي في تلالنا وودياننا
بوحي بأسرارك للقمر والطير والنحل، نريد أن يتكدس الليلك في الدروب وينكشف أمر «عاقد الحاجبين» حدثي الغروب عن أحزانك ومآسيك، وحدثيه عن «شجرة الأرز» «وقمح» بيروت «وحكاية الاسوارة» وحدثيه عن «بياع الخواتم» و«البواب».
«مساء الخير ياصبية» يبدو أن فيروز الصباح هي فيروز المساء،فيروز التي تهبط على الأرض من «بين النجوم» وكأنها السكينة التي تذيب أحزاننا، تغذينا بمساءٍ مزدهر بالحب تأخذنا «من عزّ النوم» إلى تلك الأيام التي «تنذكر ماتنعاد» تجعلنا نصرخ بصوتٍ واحد «إرجعي يا ألف ليلة»..
«لـ ِ «فيروز» من قلبي سلامُ لـِ «فيروز» وقبلٌ …»
هاني الفحَّام / اليمن