الرئيسيةمقالات و دراساتأي دور للتربية في العالم العربي؟

أي دور للتربية في العالم العربي؟

تعد المدرسة أحد أهم منابع التنمية الوطنية المباشرة، وذلك لما تقوم به من أدوار طلائعية في المجالات المرتبطة بالتربية، ومن ثمة تأطير النشء وتوجيهه بقصد المشاركة الفاعلة والبناءة في تدبير الشأن العام الوطني، سواء من داخل المؤسسات أو عبر منظمات المجتمع المدني باعتباره شريكا أساسيا لها في بلورة سياساتها التربوية الهادفة والرقي بمرتبة الدول إلى أحسن المراتب، ومن ثمة تحسين مستوى معيشة المواطنين وبالتالي ترقية درجة التي تتأسس على روح المواطنة.

لقد شكلت مؤسسات التربية والتكوين، انطلاقا من الأسرة وانتهاء بالمدارس والجامعات ومؤسسات التدرج والتكوين المهني والتكنولوجيا، بالإضافة إلى المعاهد العليا المتخصصة فهي النواة الأساسية التي عولت عليها مختلف دول العالم من أجل بناء صرح ديمقراطيتها التنموية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية الأمر الذي ثم الاعتماد فيه على برامج تكوينية وشكلت التربية على قيم المواطنة الحقة عصبها، مما تكلل باستحداث منهجية عمل ذات أبعد استراتيجية تتقاطع مع مختلف مناحي الحياة الإنسانية المرتبطة بانشغالات وآفاق المنظومة الدولية، فهي استراتيجيات مستوحاة من الثقافات والعادات والتقاليد المتجدرة في أوطانها، مما أفسح المجال أمامها إلى تنميط سياساتها التنموية مقارنة مع تطلعات مواطنيها، حيث أسفر عن ميلاد برامج كانت نتاجا حيا لمجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية المعبرة في كنهها عن اختبارات المواطن، والتي جعلت منه مشاركا وحكما في نفس الوقت فيما يتعلق بآليات تفعيل البرامج التكوينية الأصلح والأنجع بعيدا عن المزايدات السياسية الحزبية الضيقة.

إن البرامج تم وضعها في قالب يستجيب لمحددات التنمية الممكنة من موارد مالية بشرية ولم …….  الكفيلة بضمان حسن تطبيقها على أرض الواقع، وذلك في انسجام تام مع خصوصياتها الوطنية المرتبطة بشكل مستمر مع واقع المنظومة الدولية، ومن هذا المنطلق استطاعت مجموعة من دول العالم بعجلة تنميتها إلى أرقى المستويات، الأمر الذي يرجع الفضل فيه إلى التدبير المحكم لمناهجها التربوية التكوينية، ككندا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوربي، هذا بالإضافة إلى بعض الدول العربية التي كانت قد وصلت فيها نسب الأمية إلى صفر ولقد استطاعت مجالات التربية التمييز بين منظومتين دوليتين، واحدة متقدمة وأخرى متخلفة، الأمر الذي لطالما جعل هذه الأخيرة عبارة عن حقوق لتجارب أجنبية فاشلة تكللت بإصدار وتثبيت برامج معوجة البناء والمرامي لن ولن نفيد البلدان المستقبلية إلا في تسجيل تراكم خطير لنسبة الأمية التي لازالت تنخر جسمها التنموي إلى يومنا هذا، وبالتالي فالإشكالية المحورية لهذا المقال تتجلى بالأساس في ماهية الأسباب الكامنة وراء تعاظم ظاهرة ما هي البدائل الممكنة والكفيلة برد الاعتبار لها.

لقد عمد المغرب ومنذ حصوله على الاستقلال، على محاولة القيام بعملية إعادة الاعتبار لهيبة منظومته المؤسساتية، وذلك عبر استحداث مجموعة من البرامج التي جعلت من الوصول إلى تحقيق المغربة المؤسساتية غاية لها، ومن هذا المنطلق واكبت هذه العملية ميلاد عدة برامج تكوينية التي لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الطلائيعي الذي قامت به في تطعيم مسلسل التنمية المغربية لما بعد العصر الكولونيالي، إذ أفرزت لنا أطرا وكفاءات مغربية ضحت بالغالي والنفيس من أجل تثبيت نموذج دولة الحق والقانون على أرض الواقع من جهة، كما ساهمت في إعطاء بلادنا موقعا لا يستهان به في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية في علاقتها مع مثيلتها الدولية، إلا أنه وبالرغم من هذه المجهودات الخلاقة، فإن الواقع لازال يشهد تغلغل مجموعة من الشوائب التي لازالت تؤثر سلبا على مواصلة بناء الصرح التنموي المغربي، إذ أنه ومع موجة التطور المذهل للحياة الإنسانية اعتبارا من خضوعه المباشر لتحديات العولمة المفرطة المقرونة بسرعة الأداة وعقلنة التكلفة وجودة النتائج.

أصبح واقعنا التربوي يعيش حالة من التجاوز وعدم القدرة على المواكبة فليس هذا فحسب، بل إن مرحلة التجاوز قد طالته حتى على المستوى الوطني وذلك اعتبارا من أن مغرب العهد الجديد قد انخرط في دعم سياسة الأوراش التنموية الكبرى المفتوحة، الأمر الذي جعلنا محط اهتمام عدد هائل من المستثمرين الأجانب والشركات الدولية العملاقة، مما دفع بلادنا غير ما مرة إلى استيراد يد عاملة مؤهلة باهظة التكاليف أصبحت تنافس الأطر المغربية وذلك في غياب طاقات بشرية مغربية قادرة على مسايرة التطور التكنولوجي العالمي، وفي هذا الباب نذكر بأن بلادنا قد قامت عبر حكوماتها المتعاقبة بمحاولة تفعيل مجموعة من البرامج الهادفة إلى النهوض بمنظومة التربية التكوينية من “برنامج استعجالي، البرنامج الوطني لمحاربة الأمية والتربية غير النظامية، برامج التكوين والتدرج المهني… ” إلا أنه ومع الأسف فإن النتائج التي ثم التوصل إليها لم تتناسب مع الأهداف التي كان من المتوقع حصدها.

إن المغرب وبالرغم من موقعه الاستراتيجي المتميز المحادي لبوابة أوروبا من جهة، ولظفره بالوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، لازالت تعترض عجلته التنموية عدة عراقيل ترتبط مباشرة بضعف جودة المنتوج التربوي ومن بين هذه المعيقات نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

– برامج تربوية لم تخضع ولوقت طويل لعملية التنقيح والمراجعة، الأمر الذي جعلها عاجزة عن مسايرة مستوى تقدمها بالدول الأخرى.

– برامج تكوينية متهالكة لا يمكنها الاستجابة بتاتا لمتطلبات سوق الشغل التي أصبح رقمية مائة بالمئة.

– طوابير عريضة من حملة الشواهد النظرية.

– برامج تكوينية لا تخضع في معظمها لمناهج التدبير الاستراتيجي المبني على النتائج، والمشروط بضرورة إعمال آليات المراقبة، ومن ثمة التقييم القريب والمتوسط والطويل الأمد وحتى إن تم القيام بذلك، فإنه لطالما ظل حبرا على ورق.

جامعات منعزلة تماما عن أقطاب التدبير الاقتصادي في شقيه الصناعي والتجاري، هذا إذا ما علمنا بأن مجموعة من الدول قد قامت بفتح جامعاتها في وجه المستثمرين وكذا فعاليات القطاع من أطر وكفاءات، الأمر الذي مكنها من التوفر على بنك حي للموارد البشرية المتخصصة، وذلك لما تتوفر عليه من مؤهلات وكفاءات، يتم إخضاعها بشكل مستمر إلى الاختبار والتحيين حسب المتغيرات المستمرة لمتطلبات التنمية العالمية.

– ضعف الاعتماد على الآليات الإلكترونية في مسألة التربية والتكوين، مما ساهم في إفراز شريحة مجتمعية يمكن أن نلقبها بالأميين المعلوماتيين، هذا إذا ما علمنا بأن القوى الدولية العظمى قد أثبتت مكانتها عالميا بالبحث والتكوين المعلوماتي بشكل متطور.

– برامج تكوينية لطالما خضعت لمنطق المزايدات الحزبية والسياسية الضيقة، الشيء الذي أفرغها من محتواها، هذا الأمر الذي سبق وأن أوردته في مجموعة من المقالات السابقة، والقائلة بأن إشكالية تعاقب الوزراء لازالت ترخي بظلالها على ضعف ومن ثمة جودة نتائج برامجنا التنموية والمرتبطة بمجالات التربية والتكوين، ما مفاده بأن مجيء مسؤول سياسي جديد ينذر أوتوماتيكيا بطي صفحة سالفيه، وهذا هو عين الخطأ والامبالاة، هذا إذا ما علمنا بأن برامج الأسلاف قد استفادت من دعم المال العام، الأمر الذي لم يأخذ بتاتا بعين الاعتبار من قبل شريحة مسؤولينا السياسيين، ومن هذا المنطلق نقول لهم بأن الشأن العام ليس ضيعة للتجارب السياسية، بل هو إرث مشترك لجميع المواطنات والمواطنين، يراهنون عليه من أجل تحسين مستواهم المعيشي، مقارنة مع نظرائهم بالدول الأجنبية، ذلك أن العيش الكريم يعتبر من بين أهم مقومات الحياة الإنسانية المتوازنة.

– ضعف الميزانية المرصودة للبحث العلمي، وكأنه ميدان كمالي طغيان الاعتماد على النهج الأحادي في اتخاذ القرارات المرتبطة بمسألة التربية والتكوين، مما أدى إلى إقصاء شريحة عريضة من مجتمع، وذلك باعتبار لما راكمته من تجارب مهمة انطلاقا من كونها مجتمعات للقرب المواطن، وخاصة فئة الفاعلين الاجتماعيين والجمعويين وحتى القطاع الخاص.

– فعاليات وأطر تعليمية لا تخضع في معظمها لعملية التتبع المشروط بالتحيين المعرفي بشقيه النظري والتطبيقي وكأن الشهادات الأكاديمية التي حصلوها صالحة مدى الحياة، هذا إذا ما علمنا بأن الشواهد في مجموعة من الدول تتقادم إذا لم تخضع لامتحانات الكفاءة، الأمر الذي نحبذ تفعيله ببلادنا، الأمر الذي وإن ثم سيرفع من نسبة البحث العلمي المرتبط مباشرة بمسألة التنمية في شقيها المستدام والمعنى.

– لقد شكل الخطاب الملكي السامي بمناسبة ثورة الملك والشعب، خارطة طريق لإعادة الاعتبار لمسألة التنمية البشرية عبر إصلاح منظومة التربية والتكوين، الأمر الذي لا يمكننا تجاهله، إذا ما أردنا ضمان مواصلة استكمال بناء صرح دولة الحق والقانون عبر سياسة الأوراش التنموية الكبرى المفتوحة، والتي جعلت من المغرب استثناء يحتذى به من قبل مجموعة من الدول من ظل السنوات العجاف التي خلفتها الأزمة المالية العالمية والربيع الديمقراطي، ومن هذا المنطلق فالدعوة موجهة إلى كل المغاربة “مواطنون، أحزاب سياسية، مؤسسات عمومية، مجتمع مدني وقطاع خاص” من أجل الانخراط المكثف والغير مشروط في تثبيت معالم بريسترويكا خاصة بإعادة بناء معالم واضحة ومتطورة لمنظومة التربية والتكوين لمغرب التنمية الشعبية التشاركية المندمجة.

1– ما مفهوم التربية الحديثة؟

أهم ما يقال في التربية الحديثة أنها خلاصة أبحاث علمية. وليس هدفها إلغاء القيم والتقاليد كما هو سائد، فلا يوجد مبدأ في علم النفس الحديث يسمح للطفل القيام بأفعال سيئة دون معاقبته.  إنما التشديد يكون على الأسلوب وطريقة التربية وكيفية تعامل الأهل مع الأطفال ليس على مبدأ العنف والقمع. لأن المجتمع الذي فيه حدود بين المسموح والممنوع في القيم هو مجتمع منفلت في التربية الحديثة دون التأثير المتبادل بين الأهل وأبنائهم، فالأهل يتكيفون مع الطفل ويتعاملون معه وفق شخصيته وطبعه.

2– ما هي الأساليب التربية المتعارف عليها؟

تتنوع أساليب التربية، والمتعارف عليها بين الأهل ثلاثة أنواع:

الأسلوب المتسلط: وهو الأسلوب الخالي من النقاش والذي يفرض تنفيذ كلمة الأهل فقط.

الأسلوب الانسحابي: وهو الأسلوب الذي يجعل من الطفل شخصا فاسدا لا يأبى القوانين.

الأسلوب التفاهمي الديمقراطي: القائم على التواصل والنقاش بين الأهل والأبناء بوجود قانون ونظام حازم.

بدافع حبنا لأولادنا نسعى لاستنساخهم عنا وهذا أسلوب أناني وخاطئ لابد للأهل الاطلاع على أسس التربية الحديثة التي تفرض على الأبناك الالتزام بالوعود وتحملهم مسؤولية تنفيذها، إنها عملية ثقة بين الأهل والأبناء.

3– ما الهدف من التربية الحديثة؟

اليوم أصبح الهدف من اللعبة التربوية تحضير أولادنا إلى مواجهة المجتمع والنجاح قصد تخطي العواقب العديدة التي ستواجههم. خصوصا تربية الفتاة، فلم يعد من واجب الأهل تحضيرها لتكون زوجة وأم إنما أصبح من الضروري تسليحها بالعلم ومهنة تجعلها مستقلة. لأن الانتقال من المجتمع الريفي إلى المجتمع المدني سيتبعه الانفتاح على كل الحضارات والمجتمعات في التربية الحديثة ينبغي على الأهل الاتفاق على الأسلوب التربوي كي لا يستغل الطفل الخلاق في أسلوب التربية وبالتالي يخلق خلافا بين الأهل لصالحه.

4– ما دور العقاب في التربية الحديثة؟

كل الدراسات المبنية على التربية الحديثة ترفض كليا مبدأ العقاب بالضرب، لأن العنف يولد العنف.  ويبقى الهدف من العقاب في التربية الحديثة الحزم مع الطفل وعدم التساهل معه. والاحتفاظ بجوهر العادات والتقاليد مع الاحتفاظ بخصوصية الفرد ورأيه وخياراته الذي هو هدف أساسي من أهداف التربية الحديثة.

5– وظائف التربية الحديثة:

إن وظيفة التربية الحديثة تتمحور اليوم في عملية إنتاج ما يسمى اليوم رأس المال البشري أو ما يسمى ثورة المعلومات أو المعرفة، فمن أجل أن تحدث تحولا في المجتمع، يجب أن تحدثه في العقل والتفكير والوعي، وهنا يكمن فعل التربية وجوهر وظيفتها.

إن الإشكالية التاريخية لقضايا النهضة والحداثة تتمثل اليوم في إمكان بناء وعي جماهيري يخترق صفوف النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية، ليتحول إلى طاقة جماهيرية عامة، أي إلى قوة حقيقية فاعلة نقول إن الفعل الحضاري يجب أن يكون تربويا بالدرجة الأولى.

6– وظيفة التربية الحديثة ومدى قدرتها على بناء جيل صاعد:

تعتبر التربية منبع كل نهضة عرفها التاريخ، لا يمكن لأي واحد منا أن يقفز بالمجتمع في غمار تحولات جوهرية، دون الاستعانة بالفعل التربوي، فالتربية إذن هي صمام الدفع إلى الأمام نحو استشراف المستقبل. لقد باتت التربية تلعب الدور الأساس والمحور الدائم في صنع وتكوين ما يسمى اليوم بالرأس المال البشري أي ثروة المعلومات والمعرفة، إذن فتقدم المجتمع رهين بمدى قدرة العقل على التفكير والإبداع وهذا ما تتكلف التربية بإنجازه.

إذا كان الإنسان صانع الحضارات فالتربية هي صانعة الإنسان وحتى منذ فجر التاريخ وقبل أن يستقر الإنسان على قطعة من الأرض وحتى قبل أن يعرف الزراعة وحتى قبل أن يخترع الكتابة كانت هناك تربيته فالتربية مؤسسة تابعة للمجتمع، فهي تعكس خصائصه الرئيسية وتحقق أهدافه التي يسعى إليها.

فما هي علاقة التربية بالمجتمع؟ وما هي وظيفة الأسرة والمدرسة التربوية؟ أين تتجلى أهمية التربية للفرد؟ وما علاقتها بالتنمية؟

أولا– التربية والمجتمع:

1) وكلاء التربية في المجتمع المعاصر:

إن وكلاء التربية هم وسائط التربية والمقصود من وسائط التربية هي الوسائل أو المصادر التي تستقي منها التربية أو الطرائق ويتمرس الفرد بأساليب معايشته في الجماعة وقد تكون (وسائط تربوية متخصصة) في الأسرة والمدرسة وقد تكون (وسائط تربوية غير متخصصة) كالإذاعة والصحافة والمسرح والسينما والأندية والمعارض هذه وسائط تتفاعل فيما بينها ويكون الإنسان هو محور هذا التفاعل بحكم وجوده الاجتماعي والثقافي وبما يمارسه من أساليب العمل والتفكير وبما لديه من قدرة على التكيف مع ما يحيط به من الظروف ومقومات الحياة، ذلك أن فعل التربية بمضمونها الشامل لا تنفرد به مؤسسة واحدة من مؤسسات المجتمع، باعتبار أن عملية التطبيع الاجتماعي قرينة لعملية التربية وهي لا تقتصر على مؤسسة بعينها أو على موقف من مواقف الحياة بل إنها عملية موصولة حيث تشارك فيها جميع الدوائر الاجتماعية التي تتمثل في وسائط الثقافة، والأسرة، والمدرسة! وأماكن العبادة، وأماكن التثقيف المتنوعة ووسائله، إلى جانب التنظيمات السياسية والاقتصادية والمهنية وما يستحدثه أفراد المجتمع من وسائل اتصال وتجمع، مثل النقابات وجماعات الرفاق الزملاء…

2) وظيفة الأسرة:

إن الأسرة هي الجماعة الإنسانية الأولى التي يتفاعل معها الفرد، والتي يعيش فيها السنوات الشكلية الأولى من عمره، فالأسرة هي المسؤولة ولاسيما في سنوات العمر المبكرة، عن كثير مما يعطي للفرد مؤثرات فاعلة، وكلما كان العمر مبكرا ازداد أهميته إذ يصبح هو المجال الرئيسي لحياة الفرد، بل إن بعض علماء التربية يرون أن كفتها ترجع – إلى حد كبير – على كفة العوامل الأخرى المرتبط بالمجتمع.

إذن تتوقف آثار هذه العوامل جميعها، لكن بصلاح الأسرة وجهودها الرشيدة تصلح آثار العوامل الأخرى وبفسادها وانحراف أعمالها تنحرف كلها عن الغاية المرجوة ولهذا فلها تأثير في تكوين شخصية الفرد.

3) وظيفة الأسرة التربوية:

إن الفرد ينال في الأسرة أولى مقومات النمو الجسمي والصحي وذلك تبعا لما توفره له من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، فهي التي تعتني بتغذية أفرادها ورعايتهم، وتعتني بهم وتوفير كل أساليب الحياة الصحية، إذن لابد أن يكون أفرادها أقدر على مواجهة الحياة واكتساب خبراتها المختلفة في شتى الميادين والمجالات الشيء الذي يسمح للفرد يتعلم في الأسرة اللغة والتعبير وطريقة الكلام ولكل أسرة عاداتها ومقومات اللغوية الخاصة بها، فكلها عادات لغوية ومفردات مستعملة رقيقة ومهذبة حيث تتميز بالوضوح والدقة مما يؤدي إلى أن يكون الطفل أقدر على التعبير الصحيح والمهذب وأبعد عن المعاني والألفاظ النابية، فهو يستمد من الأسرة عاداته وأخلاقه، وطباعه، وذلك تبعا لما يسود الأسرة من مستويات اقتصادية وثقافية، واجتماعية، وهو يحاكي – عادة – الكبار من أفراد الأسرة بل ويتقمص شخصياتهم في كثير من الأحيان بأسلوب أو بآخر.

إن الفرد يتعلم في الأسرة معاني العطف والتعاون والتضحية والبذل والصدق وتحمل المسؤولية واحترام الآخرين كما أنه يشعر بالأمن والاطمئنان لوجوده في كنف الأسرة فإذا توفرت هذه جميعها نشأ الطفل خاليا من كثير من المشكلات النفسية والعاطفية والوجدانية، فهذه المهارات الحياتية، تجعله مرتبطا بأربع طرائق البعد المعرفي، والبعد الذاتي، والبعد العملي، وأخيرا البعد الاجتماعي هذا ما ينبغي أن تكون عليه حياتنا المدرسية والجامعية.

4) وظيفة المدرسة التربوية:

إن المدرسة هي الأداة التي تعمل مع الأسرة على تربية الفرد، وهي أداة صناعية، غير طبيعية، إذا ما قورنت بالأسرة، ولكنها أداة ناجحة مقصورة على تربية الناشئين والشباب، فالمدرسة مؤسسة أنشأها المجتمع عن قصد لتحقيق أغراض معينة لخدمته فهي نقطة التقاء لعدد كبير من العلاقات الاجتماعية الشاملة والمعقدة فهذه العلاقات هي المسالك التي يتخذها التفاعل الاجتماعي وسيلة لتحقيق آمال المجتمع وأهدافه.

ويمكن أن تكون المدرسة وسيلة متخصصة في التربية من خلال مجالات العمل فيها وذلك عن طريق أهمية التربية للفرد.

5) العلم لا ينتقل من جيل إلى جيل بالوراثة:

إن العلوم التي يكتسبها الآباء لا تنتقل إلى الأبناء بالوراثة البيولوجية كما هو الشأن في الصفات الفطرية غير المكتسبة فابن الجاهل وابن العالم يولدان متساويين من حيث خلو الذهن من المعرفة، وإنها العلم ميراث اجتماعي جاهد الجنس البشري في اكتسابه، وحافظ عليه آلاف السنين، ولا يمكن انتقاله من حيل إلى جيل إلا بالمشقة والتعب، ومادام الطفل يولد خاليا الذهن من العلوم التي حصلها أسلافه عبر الأجيال، فإنه محتاج إلى التربية احتياجا شديدا…،  ولقد قال أحد المربين إن التربية عملية ينتقل بها الإنسان من الهمجية إلى المدينة، وقال آخر: “إن السبب الذي من أجله نحتاج إلى التربية هو أن الأطفال لا يولدون بشرا بل يصيرون بشرا بفضل التربية”.

ومما لاشك فيه أن المدرسة هي من أقدر المؤسسات على القيام بهذا العمل، فهي خلقة الاتصال بين الأجيال الناشئة وبين حضارة الأجيال السابقة، بل هي أم الحضارة والقيمة عليها. فهي التي تؤسس الإنسان عبر الإنسان بواسطة الإنسان الذي هو المربي.

ثانيا– العلاقة بين التربية والتنمية:

لقد أصبحت الأساليب المناسبة لرفع مستوى المعيشة والقضاء على مظاهر التخلف هي القضية الأولى التي تواجه الحكومات والتي تعتبر القدرة على إيجاد الحلول لها معيارا للحكم على مدى نجاح هذه الحكومات فالتنمية الشاملة تحتاج إلى العديد من المقومات البشرية وغير البشرية إلا أنه يكاد يجمع المهتمون بقضية التنمية على أن العنصر البشري هو أهم هذه المقومات، حيث يعد العنصر الأساسي والركيزة التي تقوم عليها التنمية في أي بلد ولا سبيل إلى بناء هذا الإنسان إلا عن طريق التربية التي تقوم على تطوير الشخصية الإنسانية، وإعادة بنائها، كما تعمل أيضا التربية على إيجاد أنماط من السلوك الذي تناسب التنظيمات الاجتماعية الناشئة مع الأخذ بالأساليب العلمية والتكنولوجية، كما تعيد التربية بناء الآراء والمعتقدات لتواكب التغيرات الاجتماعية الناشئة عن عملية التنمية، ومن هنا يتضح أن الإنسان هو أساس التنمية وأدائها وهو أيضا غايتها، وهو في الوقت نفسه محور العملية التربوية، ولعل أهم خاصية من خصائص التنمية هي تأهيل القوى البشرية وإعدادها للعمل في القطاعات المختلفة على كل المستويات وذلك بتزويدها بالمعارف والمهارات، وكذلك تعزيز قيمة العمل والإنتاج ودعم الاستقلالية في التفكير وهذه من أهم أهداف التربية من هنا يمكن للتربية أن تقوم بدور بارز في تحقيق التنمية من خلال ما يلي:

1– إيجاد قاعدة اجتماعية عريضة متعلمة بضمان حد أدنى من التعليم حيث أن لكل مواطن يمكنه من العيش في مجتمع يعتمد على القراءة والكتابة وكذا وسائل الاتصال الجماهيري على مختلف أنواعه.

2– المساهمة في تعديل نظام القيم والاتجاهات بما يتناسب مع طموحات المجتمع التنموية وذلك عن طريق العوامل البيئية والاجتماعية أكثر من دور التعليم النظامي.

3– تأهيل القوى البشرية وإعدادها للعمل على كل المستويات وذلك بالآتي:

أ– التزود بالمهارات والمعارف والقيم اللازمة للعمل المستهدف.

ب– التهيئة للتعايش مع العصر التقني وتطوير وسائله وطنيا ودوليا.

ج– التوازن في تأهيل القوى العاملة حسب الاحتياجات المتغيرة والمتحولة.

ولقد ظهرت بعض النظريات المهمة مثل نظرية رأس المال البشري والتي تعتبر بمثابة الإطار النظري المسؤول عن التبني الكامل للعلاقة الجدلية بين التعليم وسياسات التنمية، وهو الإطار الذي أصبح التعليم بمقتضاه الحاسم الأول في النمو الاقتصادي للدول فهذه النظرية أدت إلى زيادة الإنفاق على التعليم عالميا وربط التعليم بقضية الإنتاج، فتضخمت الاستثمارات في قطاع التعليم وأجريت البحوث والدراسات حول إسهام التعليم في النواحي الاقتصادية وغيرها من نواحي التنمية الأخرى وأخيرا يمكننا القول بأن دور التنمية يتمثل في بناء قاعدة واسعة متعلمة تستطيع التعامل مع معطيات الحاضر وتتكيف مع متطلباته فتساهم فيه وتستفيد منه إضافة إلى إيجاد القوى العاملة المتخصصة بمختلف أنواعها ومستوياتها وتوفر لكافة الاحتياجات والتعرف على ما يطرأ عليها من تغيرات وتطوير الأنظمة التربوية والمناهج الدراسية من هنا يتضح أن للتربية دور فعال في التنمية شريطة توفر ظروف ملائمة، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن التربية إذا أحسن استخدامها وتوجيهها تساهم في تحقيق التنمية، وتحافظ على استمراريتها، كما يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن البيئة المحيطة بها وهو ما تعاني منه بلدان العالم الثالث التي استوردت أنظمة تعليمية من الدول المتقدمة دون تكيفها لبلادها وتعديل مناهجها، حيث علقت آمال على التربية لإحداث التنمية، ولكنها أهملت القيم والهويات الثقافية الذاتية الخاصة بها، مما أدى إلى حدوث تربية مشوهة ومعطوبة، حيث أن التربوي يعيد ما يراه في المقرر دون إبداع.

إذن تلعب التربية دورا واضحا في حل مشكلات المجتمع، وتهيئة الناس للتصدي لهذه المشكلات فهي مصدر إنتاج الثقافة وإعادة إنتاجها وبناء العقل والمعرفة وإعداد الإنسان.

فما معنى التربية؟ وما علاقة التربية بالعلوم الأخرى؟ ما هي وظائف التربية الحديثة؟

تعريف التربية:

بأن التربية هي عملية اكتساب لخبرات اجتماعية والبيئة والوسط الاجتماعي هما أهم عاملان مساعدان ومهيئان لذلك. فالطفل في حاجة ماسة إلى أن يتوافق أو يتكيف مع رفاقه وزملائه وذلك بهدف الاندماج معهم والانتماء لجماعة واحدة ومن الجماعة ينتقل الاندماج والانتماء إلى المجتمع والحياة بصفة عامة. وإذا قلنا أن التربية عملية تكيف وموائمة بين الفرد وبيئته الاجتماعية فإنه ينبغي الإشارة إلى أن هذه الموائمة وهذا التكيف سيستمران مدى حياة الفرد وذلك تبعا للمواقف الحياتية التي يتعرض لها.

فالتربية إذن عملية نقل للتراث الثقافي والحضاري وذلك لأنها تعمل على ربط جيلين من البشر ببعضهما عن طريق الثقافة السائدة في المجتمع، فجيل الصغار بحاجة إلى جيل الكبار والأبناء بحاجة إلى ثقافة الآباء والمتعلمون بحاجة إلى ثقافة معلميهم، بمعنى أن هذه التربية تعمل على نقل التراث الثقافي من أجيال سابقة إلى أجيال لاحقة في نفس البيئة مع فارق التوقيت والزمن وهذه الوظيفة تعد من أهم وظائف التربية المعاصرة، لأن لا يمكن أن يعيش الحاضر دون الماضي.

علاقة علم التربية بالعلوم الأخرى:

تعد التربية أحد العلوم الإنسانية حديثة النشأة من حيث كونها علما إلا أنه علم ليس قائما بذاته لأنه يستمد قوامه وقواعده من العلوم الأخرى التي سبقته في النشأة كالتاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والابستمولوجي.

فلم يعد التاريخ مجرد سرد للأحداث والوقائع الماضية بل تعدى تلك المرحلة إلى مرحلة التفسير والتحليل واستقراء النتائج واستنباط الحقائق والأدلة اعتمادا على الأسلوب العلمي والمنهج الموضوعي. وإذا كان الإنسان يعد محور دراسة التاريخ لكونه صانع للأحداث ولأنه الكائن الوحيد الذي يمكن أن تنقل ثقافته على مر العصور فإن التربية تتخذ الإنسان محورا لها وبذلك تشترك التربية مع التاريخ في أن محورها هو الإنسان.

والخلاصة أن التاريخ يعطي للتربية أفكارا عامة وأمثلة ودروسا مختلفة سبق تجربتها والإفادة من نتائجها منذ سنوات مضت.

تستمد التربية أصلها الاجتماعي من علم الاجتماع كأحد العلوم الإنسانية الذي يعرف بأنه العلم الذي يدرس المجتمع وظواهره ونظمه وما فيه من علاقات وأنماط اجتماعية، كما يدرس التأثيرات الاجتماعية التي تحكم النظام الاجتماعي ولذلك يعتمد علم الاجتماع على التربية للمساعدة في إيجاد حلول مناسبة لمشكلات هذا المجتمع، أما التربية فتحتاج إلى علم الاجتماع لفهم محورها الرئيسي (الفرد) بطريقة أكثر شمولا ليساعدها في عملية التنشئة الاجتماعية من خلال معرفة حاجاته وحاجات المجتمع والموائمة بينها قدر الإمكان.

خاتمة

بناء على ذلك يجب على المدرسة أن تحمل المسؤولية الكبيرة وتغذي حاجات جميع تلاميذها ولتقوم المدرسة بذلك يجب أن تكون لها برامج شاملة وقوية ومشجعة، فهي المكان الأمين والمريح والباعث على النشاط العلمي بمختلف ألوانه وفيها الهيئة التي أعدت تربويا والمفيدة والحكيمة في طرق معاملتها مع التلاميذ ليكونوا متوافقين شخصيا مثل هذه المدرسة ستحقق حسب أهدافها المنشودة أحسن نمو طبيعي للتلاميذ إذا كانت هناك تنشئة اجتماعية فالمدرسة لها جهازها الإداري الذي يتولى حسن التسيير وضمان تظافر سير الدراسة فيها بما يحقق الأهداف العديدة وكذلك اختيار المدرسين الذين يأخذون على عاتقهم إعداد التلاميذ الإعداد المتكامل من النواحي النفسية والتربوية والاجتماعية وفضلا عن ذلك، فالمربي هو المحور الرئيسي في العملية التربوية خاصة وعملية التنشئة الاجتماعية عامة.

ومن خلال عملية التفاعل الاجتماعي فالمدرسة أشبه ما تكون بسلاح ذو حدين:

فهي من جهة تكون أداة بناء ومن ناحية أخرى تعتبر أداة هدم فتكون الأولى إذا أدت المدرسة واجبها على أكمل وجه وكانت وسائلها التعليمية مناسبة تستطيع بفضلها أن تجدب التلاميذ إليها وترغبهم في الدراسة ليتخرجوا منها مواطنين صالحين. وتكون الثانية عندما يكون الجو المدرسي غير ملائم فتكون المدرسة هي وحدة اجتماعية تتكون من مدرسين وتلاميذ وعملية تربوية لا يقومون بالتعلم والتعليم بل ينشرون الصور السيئة عن المدرسة.

يقضي الأطفال والطلبة شطرا كبيرا من ساعات يقظتهم بالمدرسة يؤثر فيها المدرسون على التلاميذ من حيث:

1– طريقته في تقويم الأشياء وموقفه إزاء مختلف المعايير الاجتماعية.

2– معرفة الطريقة التي تحل بها المشكلات من كافة الأنواع.

3– اكتساب العادات الاجتماعية والثقافة الملائمة.

4– مساعدة التلميذ على إظهار قدراته.

5– توجيه التلاميذ إلى الطرق التي تؤدي بهم إلى المهن المختلفة.

ومهما يكن من أمر، فإن التربية هي الجوهر والأساس في كل تطور وتحديث، إذن ينبغي على الأستاذ أن يجدد أدواته المعرفية ومناهجه، وأن يساير تطور المعرفة العالمية وأن يقرأ باللغات العالمية، دون الاقتصار على اللغة الواحدة والوحيدة، وهذا ما ينتقل التلميذ من الأسرة إلى المدرسة ومعه حاجات أساسية يتوقع أن تقوم المدرسة بها، ويمكننا أن نحدد الحاجات الأساسية التي يأتي بها التلميذ والطالب إلى المدرسة والجامعة في التالي:

1) حاجات نفسية:

تتمثل في ضرورة شعور التلميذ بالأمن والطمأنينة والتقدير وحرية التعبير والاستطلاع.

2) حاجات اجتماعية:

وتظهر في رغبة التلميذ في الانتماء والمشاركة والتوافق الاجتماعي مع الجماعات التي يعيش فيها.

3) حاجات تعليمية:

ويقصد بها الحاجات الرقبة في المعرفة واكتساب المهارات والخبرات التعليمية.

4) حاجات صحية وغذائية:

بحيث توفر له الصحة البدنية وسلامة الجسم.

5) حاجات اقتصادية:

تساعد على السكن الصحي الملائم والملبس النظيف المناسب.

6) حاجات ترويحية:

7) حيث يستطيع أن يمارس أنشطة وهويات تقابل طاقاته وتكسبه مهارات ضرورية لحياته الاجتماعية والاقتصادية.

لكي تتحقق الوظائف الاجتماعية والنفسية والفكرية والإبداعية للمدرسة في ضوء تصوراتها الحديثة أصبح من الواجب أن تتشكل مقوماتها التعليمية كي تؤدي هذه الوظائف لتتكون كمقومات أساسية إذا تكاملت أمكنها أن تحقق العمليات التعليمية التعلمية، ويصبح هذا الفرد منتجا وليس مستهلكا، وصالح يعرف ما هو عليه، وما ينبغي فعله في واقعه، إذن نطالب بتشييد مهارات الحياتية في الأوساط التربوية والبحثية.

د. الغزيوي بوعلي / فاس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *