الرئيسيةالأولىفي مثل هذا اليوم: ولادة الفيلسوف العربي ابن حزم الأندلسي

في مثل هذا اليوم: ولادة الفيلسوف العربي ابن حزم الأندلسي

أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي القرطبي (30 رمضان 384 هـ / 7 نونبر 994م. قرطبة – 28 شعبان 456 هـ / 15 غشت 1064م ولبة)، يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري، وهو إمام حافظ. فقيه ظاهري، ومجدد القول به، بل محيي المذهب بعد زواله في الشرق. ومتكلم وأديب وشاعر ونسابة وعالم برجال الحديث وناقد محلل بل وصفه البعض بالفيلسوف كما عد من أوائل من قال بكروية الأرض، كما كان وزير سياسي لبني أمية، سلك طريق نبذ التقليد وتحرير الأتباع، قامت عليه جماعة من المالكية وشـُرد عن وطنه. توفي لاحقاً في منزله في أرض أبويه منت ليشم المعروفة بمونتيخار حالياً، وهي عزبة قريبة من ولبة.
أسرته ونشأته
عاش حياته الأولى في صحبة أخيه أبى بكر، الذي كان يكبره بخمس سنوات، في قصر أبيه أحد وزراء المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر من بعده. وكانت تربيته في تلك الفترة على أيدي جواري القصر الذي كان مقاما في الشارع الآخذ من النهر الصغير على الدرب المتصل بقصر الزاهرة، والملاصق لدار المنصور بن أبي عامر، ومن ذلك نعرف مدى المكانة التي كان يحظى بها والد ابن حزم لدى المنصور بن أبي عامر حتى جاوره في السكن.

كان ابن حزم قد خرج من وسط أسرة عرفت الإسلام منذ جده الأعلى “يزيد بن أبي سفيان”، وكان خلف أول من دخل الأندلس من أسرته في صحبة الأمير عبد الرحمن الداخل، وكان مقامه في لبلة، ومن ذلك نعرف أن مقر هذه الاسرة كانت الشام بعد مشاركة يزيد أصل هذه الاسرة في الفتوحات الإسلامية بها، ولما خرج عبد الرحمن إلى الأندلس خرج معه خلف بن معدان وهناك مصادر تؤكد انه من أصل أسباني.

وقد بدأت هذه الأسرة تحتل مكانها الرفيع كواحدة من كرائم العائلات بالأندلس في عهد الحكم المستنصر، ونجحت في امتلاك قرية بأسرها هي منت ليشم ، ولا يعلم هل خلف بن معدان هو الذي تملكها أم أبناؤه من بعده، ولعل ذلك يحيلنا إلى مدى ذكاء هذه الاسرة الذي انعكس بدوره على أحمد بن سعيد وولده ابن حزم من بعده.

يعتبر أحمد بن سعيد أحد مشاهير هذه الأسرة ومؤسس ملكها حتى قال عنه ابن حيان ” الوزير المعقل في زمانه الراجح في ميزانه … هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر برأس رابية وعمده بالخلال الفاضلة من الرجاحة والمعرفة والدهاء والرجولة ” ، وقد كان لهذه الصفات إلى جانب اتجاهه للحزب الأموي وعمق ولائه لأمرائه وخلفائه دور هام في استوزار المنصور له سنة 381 هـ/991 م، وبلغ من شدة ثقته به أنه كان يستخلفه على المملكة أوقات مغيبه عنها، وصير خاتمه في يده ،

وكان لأحمد بن سعيد مجلس يحضره العلماء والشعراء، أمثال: أبى عمر بن حبرون، وخلف بن رضا ، وكان له باع طويل في الشعر ومشاركة قوية في البلاغة والأدب حتى إنه ليتعجب ممن يلحن في مخاطبة أو يجيء بلفظة قلقة في مكاتبة ، (وقد كان لهذا أثره على ولده ابن حزم في تمكنه من اللغة والشعر واهتمامه بهما) حتى أن بلاغته كان لها من التأثير أنها تأخذ بمجامع القلوب وتنفذ إلى أعماق النفوس في أسلوب سهل ممتنع رقيق يخلو من الاستطرادات ويتسم بطول النفس وجمال النكته وخفة الروح.

كما كان أحمد بن سعيد من المشاركين في حركة الإفتاء بالأندلس من خلال مجالسه العلمية والمناظرات التي كانت تدور في قصره، حتى قال عنه ابن العماد “كان مفتيا لغويا متبحرا في علم اللسان”، وهذه العبارة توضح الأثر الذي تركه أحمد بن سعيد على ولده ابن حزم الذي اعتمد -في فتواه وتفسيره لنصوص القرآن والسنة- على ظاهر اللغة، ومن ثم يكون والده أحد الأسباب التي دفعته إلى المنهج الظاهري في الفتيا والتفسير، بالرغم من أنه كان مالكي المذهب.
ظل أحمد بن سعيد وزيرا -بعد المنصور- لابنه المظفر وأخيه عبد الرحمن شنجول، إلى أن أعفي من منصبه في عهد محمد المهدي. وترك “منية المغيرة” -حى كبار موظفى البلاط- وعاد لسكنه القديم في بلاط مغيث بعيدا عن صخب السياسة. وبعد اغتيال المهدي في ذي الحجة 400 هـ/1010 م ومبايعة هشام المؤيد ثانيةً بعد الزعم بموته، اصطدم أحمد بن سعيد بالقائد الصقلبى “واضح محسوب الخلافة” الذي لاحقه وسجنه وصادر أمواله، وظلت الفتن والنكبات تتوالى على بنى حزم حتى وفاة أحمد بن سعيد في ذي القعدة 402 هـ/1012 م، وقد كان لهذه النكبات أثرها السيئ على ابن حزم إذ أنها زادت من حزنه، وكانت أحد أسباب حدته التي تظهر جلية في مصنفاته.

أما عن أم ابن حزم، فقد صمتت عنها المصادر بأسرها. بل إن ابن حزم نفسه لم يطالعنا على أدنى إشارة تجاهها في أي من كتبه التي بين أيدينا. ومن ثم فالخلاف بين الباحثين حول أصلها لم يحسم بعد ولعل الحديث عن العلاقة بين بعض أقارب ابن حزم وأثرها على نفسيته وفكره ترتبط بهذا المقام. ونخص بالذكر “أبى المغيرة عبد الوهّاب” ابن عمه الذي كان يتبادل مع ابن حزم رسائل المودة في حداثة سنهما، ثم جرت بينهما جفوة سببها كتاب وصل أبا المغيرة عن ابن حزم، وصفه الأول بأنه مبني على الظلم والبهتان والمكابرة فكان لهذا أثره على ابن حزم في اعتزازه بنفسه وشدة حدته إذ وجد أن أحد أقربائه الذي كان يتودد إليه في الصغر، انقلب عليه هو الآخر، وانضم إلى خصومه ومعارضيه، ومن ثم فقد كل نصير يمكن أن يعتمد عليه سوى ذاته الانفرادية التي اعتز بها.

من المصنف الذي وضعه ابن حزم عن أسرته -والذي يدعى ” تواريخ أعمامه وأبيه وأخواته وبنيه وبناته مواليدهم وتاريخ من مات منهم في حياته ” يتضح أن أبناءه كانوا جمعا من البنين والبنات. ولكن لا نعرف عن بناته شيئا لفقدان هذا المصنف، فضلا عن عدم إشارة المصادر إليهن. ولو قدر لنا العثور على هذا المصنف، لكان مجالا خصبا في التعرف على أزواجهن وأُسرهن، وأثر هذه المصاهرة على فكر أبيهم وتراثه، هل دافعوا عنه وأذاعوا مصنفاته؟ أم هاجموه وانتقدوا فكره؟ مثلهم في ذلك مثل خصومه. أما عن أبنائه الذكور، فنعرف منهم أربعة وهم: أبو رافع الفضل، وأبو أسامة يعقوب، وأبو سليمان المصعب، وسعيد. وكانوا كلهم ظاهريي المذهب.

سكن ابن حزم وأبوه قرطبة ونالا فِيهَا جاهاً عريضاً. أصبح أبوه أحمد بن حزم من وزراء الحاجب المنصور بن أبي عامر من أعظم حكام الأندلس، فارتاح باله من كد العيش والسعي وراء الرزق، وتفرغ لتحصيل العلوم والفنون، فكتب طوق الحمامة في الخامسة والعشرين من عمره. وقد رزق ذكاءً مفرطًا وذهنًا سيالاً. وقد ورث عن أبيه مكتبة ذاخرة بالنفائس، اشتغل في شبابه بالوزارة في عهد «المظفر بن المنصور العامري» ثم ما لبث أن أعرض عن الرياسة وتفرغ للعلم وتحصيله.
 
مجتهد مطلق، وإمام حافظ، كان شافعي الفقه، فانتقل منه إلى الظاهرية، وافق العقيدة السلفية في بعض الأمور من توحيد الأسماء والصفات وخالفهم في أخرى وكل ذلك كان باجتهاده الخاص، وله ردود كثيرة على الشيعة واليهود والنصارى وعلى الصوفية والخوارج.

أصلَّ ابن حزم ما يعرف عادة بالمذهب الظاهري وهو مذهب يرفض القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي، وينادي بوجوب وجود دليل شرعي واضح من القرآن أو من السنة لتثبيت حكم ما، لكن هذه النظرة الاختزالية لا توفي ابن حزم حقه فالكثير من الباحثين يشيرون إلى أنه كان صاحب مشروع كامل لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي من فقه وأصول فقه.

كان الإمام ابن حزم ينادي بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ورفض ما عدا ذلك في دين الله، لا يقبل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة التي يعتبرها محض الظن. يمكن أن نقلّص من حدّة الخلاف بينه وبين الجمهور، حول مفهوم العلة وحجيتها، إذا علمنا أن كثيرًا من الخلاف قد يكون راجعا إلى أسباب لفظية أو اصطلاحية وهو ما أشار إليه ابن حزم بقوله:
أقواله
قال ابن حزم: إذا حضرتَ مجلسَ علمٍ فلا يكن حضورُكَ إلا حضور مُستزيد علمًا وأجرًا، لا حضور مُستغنٍ بما عندكَ، طالبًا عثرة تشيّعها أو غريبة تشنِّعها؛ فهذه أفعال الأرذال الذين لا يفلحون في العلمِ أبدا
وقال: ثقْ بالمُتديِّن وإن كان على غير دينك، ولا تثق بالمُستخفِّ وإن أظهر أنه على دينك
بابٌ عظيمٌ من أبواب العقل والرَّاحة؛ وهو اطِّراحُ المبالاة بكلام النَّاس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عزَّ وجلَّ بل هذا بابُ العقل كلِّه والرَّاحة كلِّها
من قدّر أنه يسلم من طعن الناس، وعيبهم فهو مجنون
لا آفة على العلوم وأهلها أضرُّ من الدُّخلاء فيها وهم مِن غير أهلها؛ فإنّهم يجهلون ويظنُّون أنهم يعلمون، ويُفسدون ويقدرون أنهم يصلحون
لا تحقر شيءًا مِن عمَل غدٍ أن تحقّقه بأنْ تعجله اليوم وإن قَلّ؛ فإنّ من قليل الأعمال يجتمع كثيرها وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل، ولا تحقر شيءًا مما ترجو به تثقيل ميزانكَ يوم البعث أن تعجله الآن وإن قَلّ؛ فإنه يحطُّ عنكَ كثيرًا لو اجتمع لقذف بكَ في النار
من ساوى بين عدوه وصديقه في التقريب والرفعة لم يزد على أن زهد الناس في مودته، وسهل عليهم عداوته، ولم يزد على استخفاف عدوه له، وتمكينه من مقاتله، وإفساد صديقه على نفسه، وإلحاقه بجمله أعدائه
“الحب ليس بمُنكَرٍ في الأديان ولا بمحظورٍ في الشريعة ؛ إذ القلوب بيد الله ”
مؤلفاته
هو أكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري، ألف ابن حزم في الأدب كتاب طوق الحمامة، وألف في الفقه وفي أصوله، وشرح منطق أرسطو وأعاد صياغة الكثير من المفاهيم الفلسفية، وربما يعتبر أول من قال بالمذهب الاسمي في الفلسفة الذي يلغي مقولة الكليات الأرسطية (الكليات هي أحد الأسباب الرئيسة للكثير من الجدالات بين المتكلمين والفلاسفة في الحضارة الإسلامية وهي أحد أسباب الشقاق حول طبيعة الخالق وصفاته). ذكر ابنه أبو رافع الفضل أن مبلغ تآليف أبي محمد هَذَا فِي الفقه والحديث والأصول والتاريخ والأدب وغير ذَلِكَ بلغ نحو أربع مئة مجلد تشتمل عَلَى قريب من ثمانين ألف ورقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *