الرئيسيةحواراتحوار مع الأديب محمود الريماوي: المشهد الثقافي والأدبي العربي الآن يختلط فيه الحابل بالنابل

حوار مع الأديب محمود الريماوي: المشهد الثقافي والأدبي العربي الآن يختلط فيه الحابل بالنابل

محمود الريماوي روائي وقاص فلسطيني – أردني، ولد في رام الله بفلسطين  صدرت له مجموعته القصصية الأولى “العري في صحراء  ليلية”  سنة 1972 لتصدر له بعد ذلك تسع مجموعات قصصية أخرى من بينها “كوكب تفاح وأملاح”، “عمَّ تبحث في مراكش”، “الوديعة”، وكانت آخرها مجموعة “عودة عرار” سنة 2013 ، وترجمت العديد من قصصه للغات أجنبية من بينها الإنجليزية والفرنسية، وأصدر روايته الأولى “من يؤنس السيدة” سنة 2009 والتي وصلت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية. وسبق له أن فاز بجائز فلسطين للقصة القصيرة سنة 1997 عن مجموعته القصصية “القطار”.
واشتغل الريماوي في العمل الصحفي بكل من مصر ولبنان والكويت قبل أن يستقر في الأردن، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين ونقابة الصحفيين الأردنيين واتحاد الصحفيين العرب.

كان لقاؤنا بمحمود الريماوي من تلك اللقاءات التي لاتحدث سوى في طنجة وليلها لكي نعقد معه موعدا في اليوم الموالي ونجري معه هذا الحوار الشيق الذي استمتعنا به قبل أن نعرضه على القارئ ونتقاسمه معه :

1- عملتَ بالصحافة وأشرفتَ على ملاحق ثقافية، انطلاقا من تجربتك هاته كيف ترى المزاوجة بين العمل الصحفي والإبداع الأدبي؟ وهل هنالك تأثير لأحدهما على الآخر؟ ثم كيف ترى الصحافة الأدبية في العالم العربي وهل تجدها مؤثرة وقائمة بدورها كما يجب؟

للصحافة الأدبية دور كبير في الحياة الأدبية العربية، منذ ثلاثينات أو أربعينات القرن الماضي، كثير من المواهب الأدبية ظهرت عبر الملاحق الثقافية ثم المجلات الثقافية ، أتكلم هنا عن النشر وبالنسبة لي فقد بدأت حياتي الأدبية بالكتابة في الصحف المقدسية وهذا ماجعل هنالك ارتباطا مابين الصحافة والأدب في مسيرتي المهنية والأدبية . أتكلم عن ستينات وسبعينات القرن الماضي حيث كان هنالك إخلاص كبير للعمل الثقافي في الصحافة وكان العاملون يعملون بأبسط الأجور  ويتمسكون بقيم جادة في رعاية الإبداع وفي نشر القيم الثقافية أو الوعي الأدبي الجديد ، وبالنسبة لي فقد شاءت الظروف أن تكون حياتي مرتبطة بحركة التجديد التي شهدها  العالم العربي، فقبل أن أصل سن العشرين كانت الحياة الثقافية تشهد حركة تجديد بزخم كبير  وبالتالي أصبحتُ جزءا من هذه الحركة (حركة الحداثة العربية) ، وفي الدول العربية كانت صحف آنذاك لها ملاحق ثقافية، فصحيفة الأهرام كان لها ملحق ثقافي مهم جدا وفي لبنان كان هنالك ملحق جريدة “النهار” الثقافي يرأس تحريره أنسي الحاج  وكنت قد كتبت فيه بعض المرات  وعندنا في الأردن كانت هنالك صحافة تصدر في القدس وكان من محرريها على ما أذكر أمين شنار وخليل سواحري ويحيى يخلف، ثم في السبعينات أصبحت هنالك ملحقات ثقافية خاصة بصحيفتي “الرأي” و”الدستور” الأردنيتين وظهرت فيهما مواهب كثيرة ، معظم الكتاب والأدباء عندنا في الأردن بدؤوا حياتهم في الملاحق الثقافية وهي التي قدمتهم إلى القراء  وهي أيضا التي سهلت لهم إصدار كتبهم الأولى ، عندنا في الشرق لافكاك بين الصحافة الثقافية والإبداع  ربما يختلف الوضع قليلا عندكم في المغرب، إذ أن في المغرب الجامعات والمؤسسات التعليمية هي التي كان لها دور كبير عندنا أقل . الآن تغير الوضع تغيرا كبيرا  مع وسائل التواصل الحديثة ، إذ أصبحت المواهب الجديدة تبحث عن أسهل وأقرب وأقصر الطرق  وهي وسائل التواصل الاجتماعي  فهنالك من يكتب في الفيس بوك والبعض الآخر لديهم مدونات لكن للأسف فهم يعيشون دون بيئة ثقافية متكاملة ، فنحن مثلا كان عندنا في البدايات أساتذة يكبروننا سنا يوجهون خطواتنا ويعطوننا ملاحظات،  الآن لايوجد شيء من هذا النوع  ولايوجد الناقد الأدبي الثقافي الإعلامي المتواجد في وسائل الإعلام  وبالتالي أصحاب المواهب اليوم يعيشون في نوع من الفراغ وفي نوع من الفوضى  وإن كانت هذه الفوضى تبدو على هيئة من الزخم أو الحيوية أو تفاعل فوري ولحظي لكنه لايترك أثرا كبيرا لأنه يختلط فيه الحابل بالنابل تختلط دواعي الصداقة بدواعي الفضول بدواعي التسلية…كل هذا يدخل في التعامل مع النص الأدبي الذي يظهر على وسائل التواصل، لكن لحسن الحظ أنه لازالت هنالك بعض المجلات الثقافية تقوم بدور مهم ومعظمها  الباقي منها صحافة خليجية  كمجلات “نزوى” و”الدوحة” و”العربي”  و”الإمارت الثقافية” لدينا في الأردن مجلة ثقافية إسمها “أفكار” شهرية قديمة تصدر منذ سنة 1966 ، إذ مازالت محافظة على وجودها منذ ذلك الحين، في العراق كانت هنالك مجلات ثقافية وتوقفت، في مصر لم تعد بذات القوة وفي لبنان أيضا لم تعد بنفس الزخم، نحن الآن في العصر الحديث العصر الرقمي والتواصل السريع لكن لايوجد حضور للنقاد وتختط أيضا الدواعي التجارية بالتصنيف الجدي أو تأتي هذه الدواعي على حساب التصنيف الثقافي الجدي.

2-وصلت بروايتك الأولى “من يؤنس السيدة” للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية ، علاقة بهذا الأمر كيف ترى مثل هذه الجوائز التي أصبحت تحدد الآن الأسماء و”أفضل” ما أنتج ، بغض النظرعن الجودة الأدبية،  …كيف ترى هذه الجوائز وهل الأعمال التي تنالها تستحقها وهل تراها منصفة؟

لاشك أن الجوائز تشكل تطورا جديدا وما يشبه الانعطافة في الحياة  الثقافية والأدبية العربية كما لو أن العالم العربي كان يشكو من نوع من فراغ  وجمود فجاءت الجوائز لتطلق دينامية جديدة في الحياة الأدبية العربية ابتداء من جائزة البوكر وقد أخذت ضجة كبيرة ومازالت تحظى بأهمية كبيرة، وكثير من المبدعين يتطلعون إليها ، لكن هنالك مشكلتان في الجوائز الأدبية المشكلة الأولى أن منح هذه الجوائز مُقترن بلجنة تحكيم تتغير من عام إلى آخر والجائزة ترتبط بالذائقة الخاصة لأعضاء لجنة التحكيم فإذا ما قام محكمون آخرون بالنظر  في الروايات المرشحة فقد تختلف النتائج بصورة كلية ، ومع احترامي لأعضاء لجن التحكيم ففي بعض الأحيان تجد أعضاء ليس لهم خبرة طويلة بالحياة الثقافية العربية ، هم أدباء زملاء نقدرهم  ونحترمهم لكن ليسوا دائما ممن لهم باع طويل في الحياة الثقافية أو تجربة طويلة أو إطلالة واسعة أو بانورامية على المشهد الأدبي والثقافي العربي، وبالتالي فالأمر فيه شيء من الحظ  أن تكون هنالك لجنة تحكيم تتوافق ذائقتها مع هذه الكتب، وأصحاب هذه الكتب يكونون محظوظين في تلك الدورة. المشكلة الأكبر بعد ذلك أن الجوائز أصبحت تحل مكان النقاد إذ أصبحت الجائزة هي التي تقرر مصير الكتاب فعوض أن يكون هنالك نقاد متمرسون ومتمكنون هم الذين يكتبون عن الكتب ويقيمونها بما يضيء الطريق أمام القارئ ، تراجع النقاد وتقدمت الجوائز وأصبح الكثير من النقاد يطمحون لأن يكونوا أعضاء في لجن التحكيم بدل أن يقوموا بأعمالهم بصورة مستقلة في متابعة الكتب أصبحوا يسعون ليصبحوا أعضاء في هذه اللجان يمارسوا أعمالهم من هناك دون أن يكتبوا عن الكتب وبالتالي أصبح هنالك نوع من الكسل في الحياة الثقافية العربية ، أيضا المحررون الثقافيون في الصحافة أصبحوا ينتظرون الجوائز لكي  يتابعوا الكتب الفائزة بدل أن يبحثوا في مجمل الإصدارات فهم يكتفون بالكتب فالفائزة بالدرجة الأولى وبالتالي أصبح هنالك نوع من الارتهان للجوائز ، في الماضي لم يظهر وينجح نجيب محفوظ نظرا لكونه فاز بجائزة أو غسان كنفاني أو إميل حبيبي أو محمد زفزاف بل إبداعهم هو الذي فرض نفسه إضافة لمواكبة النقاد لهم في المجلات الأدبية والصحافة الثقافية عموما ، ولم يكونوا ينتظرون أي جائزة ولم تقرر الجوائز مصريهم ، بالإضافة إلى أن هنالك كثيرا من المبدعين لايترشحون للجوائز وأنا أحترم ذلك، هذا الذي لايترشح ويكون لديه مستوى جيد ولديه نوع من الزهد هل هذا أهمله لأنه لم يترش لجائزة؟ وبالتالي فمن الخطإ أن نصنف الأدباء على أن هذا فاز بجائزة والآخر لم يفز بها  وهذا وصل إلى اللائحة وذلك لم يصل، لا المستوى الإبداعي يظل هو الفيصل بالدرجة الأولى ، هنالك الآن نوع من الهوس لا أعرف كيف الخروج منه ، أصبحت هنالك نوع من الدوامة أو نوع من اللعبة التي تفرض قوانينها وشروطها على الحياة الثقافية وهي الجوائز ، لكن يظل الأمل في أن تعود الجامعات ويعود النقاد إلى ممارسة دورهم بنزاهة وبوضوعية بعيدا عن منطق الجوائز وبالعودة إلى تقييم الأعمال الأدبية بشكل موضوعي  ومجرد والسعي إلى اكتشاف المواهب والتقاط معالم وخصائص الظواهر الأدبية هنا وهناك  وأن يتم التوقف عن حالة الكسل التي نعيش فيها وأن لا نبقى أسرى الجوائز.

3- في نفس السياق هنالك ملاحظة تفرض نفسها وهي أن هنالك نوع من البساطة والسهولة كي لانقول الاستسهال تطبع الروايات الفائزة بالجوائز وهذا ليس في العالم العربي فقط بل على الصعيد العالمي وقد لاحظنا هذا في الروايات الفائزة بجوائز ك”الغونكور” الفرنسية  على سبيل المثال مع أن فرنسا لها تاريخ في هذا السياق؟

نعم جائزة نوبل للآداب ذهبت مؤخرا لشاعر مغني هو بوب ديلان ليس لديه كتاب واحد مطبوع ..هنالك نوع من تغيير الذائقة وهنالك انفتاح على مستويات من التعبير مختلفة، وأظن أن هذا قد حدث بتأثير من الميديا ووسائل الإعلام، ولم تعد المقاييس الكلاسيكية هي الوحيدة التي يتم الاحتكام إليها، الآن ينظرون إلى ماهو مُنبثق من الحياة الاجتماعية  الحقيقية ، وانا لا ملك أن أعترض على هذه التحولات وإن كانت لاتنسجم كثيرا مع قناعاتي  لكن على العموم الجوائز فيها نوع من تكريم الفائز نوع من الحظ الذي يهبط على الفائز ولا تقرر مصيره ولا مصير غيره ، هناك نوع من القبول بأشكال بسيطة لأدب الشارع  وأدب الحياة اليومية، لكن هذا لم يصلنا وهو أمر جيد أنه لم يصلنا بعد  لأنه ربما تحت هذا العنوان العريض وهو الانفتاح على فنون الشارع  أو ماشابه ذلك قد نجد أن أعمالا ضعيفة قد تصل للجوائز وتفوز بها ، ورغم ملاحظاتنا على الجوائز العربية فإنه لايمكن لنا القول أن هنالك أعمالا رديئة فازت  لكن التحفظ أن هنالك أعمالا ليست بتلك الجودة العالية فالكتب التي تفوز لها مستوى لابأس به ولا تهبط عنه لكن هنالك من يرى ان هنالك ماهو جيد وما هو مختلف لايصل لهذه الجوائز وهذا كائن، وفي جميع الأحوال هي جوائز لجن التحكيم.

4- في نفس السياق وكي نظل في الرواية ألا تتفق مع الرأي القائل أننا الآن في زمن الرواية التي عوضت الشعر الذي كان ديوان العرب ولمدة طويلة ظل الشعر  في المقدمة ، والآن الرواية أصبحت في المقدمة وحتى الشعراء أصبحوا يكتبون الرواية؟ ثم وكسؤال يتعلق بمسارك الشخصي لماذا انتقلت  متأخرا من كتابة القصة لكتابة الرواية إذ كتب أول رواية لك سنة 2009؟

أبدأ بالجواب عن سؤالك الثاني ، حينما كتبت روايتي الأولى “من يؤنس السيدة” لم أشعر بانني انتقلت من حقل لآخر  فأنا بقيت في حقل السرد ، الرواية  في احد أشكالها في مجموعة من القصص القصيرة حكايات صغيرة، ورغم الاختلاف فهنالك أرضية مشتركة مابين القصة والرواية ، في تاريخ الأدباء نجد أن معظم الساردين كتبوا القصة والرواية  وجمعوا بينهما :  همينغواي كافكا …وفي العالم العربي نجيب محفوظ يوسف إدريس، إدوارد الخراط وغيرهم، قلة قليلة هم من انقطعوا إلى نوع أدبي واحد منهم زكريا تامر الذي أخلص للقصة القصيرة لكن الأكثرية جمعوا مابين هذين الفنين  ، بالإضافة إلى ان الرواية تعطي مجالا أكبر  للسارد  لكي يبلور رؤاه  ومخزونه الفكري ورؤيوي يظهر أكثر في الرواية  من القصة.

وأيضا الرواية تأتي أفضل في فترة النضج…

أوافق على هذا لكن لايجب أن يظهر بالمقابل أن كتابة القصة هي مجرد تمرين قبل كتابة الرواية ، لكن الرواية طبعا تقترن بنضج الكاتب واتساع خبراته الحياتية والفكرية، لأن الرواية تقدم نوعا من التحقيق الشامل وليست مثل القصة التي تقدم لمحات وإضاءات مركزة من هنا وهناك ، يجب أن يكون الروائي على خبرة واسعة بالحياة وحتى بالنسبة للنفس البشرية يجب أن يكون قادرا على التحليل ، وأنا وصلت إلى مرحلة من التجربة الأدبية والعمرية  بحيث أصبحت القصة تضيق عن حمل مالدي من رؤى  فنتقلت للرواية لكن لم اتوقف عن كتابة القصة كتبت روايتين فقط ثم عدت لكتابة القصة.

في الشق الآخر من السؤال بخصوص الرواية والشعر أوافق على ماورد في سؤالك، أتكلم عن نفسي فأنا لست كاتبا فقط بل قارئ أيضا وأنا أميل لقراءة الرواية  واعترف أن الرواية تشدني أكثر ، لماذا؟ أتصور لأننا في مرحلة من عدم اليقين  والاهتزاز في مجتمعاتنا، والرواية تُعبِّر عن هذا التشتت الذي نعيشه والرواية تساعدك وأنت تقرأها على أن تجمع شتات نفسك  وأن ترى الأمور بصورة أوضح،  تأخذ بيدك أكثر من الشعر وأكثر من القصة ، لأن الرواية هي مزيد من الدراسة والروبورطاج وتجمع مجموعة من الأجناس الأدبية وغير الأدبية وهي تعطي إشباعا أكبر لقارئها،  مع أن القصة القصيرة فن أصعب من الرواية لأن أي أخطاء فيها تظهر وتكسر القصة بينما قد تجد رواية جيدة لكن بها أشياء ضعيفة لكن الرواية “بتشيل” لأنها واسعة فالأخطاء بها لاتظهر ، لكن هنالك الآن إقبال على الرواية فيه نوع من الاستسهال بسبب الترويج في وسائل التواصل وسهولة النشر الإلكتروني أو يكتفي الكاتب بكسر بعض التابوهات ويريد أن يصبح كاتبا جريئا  لكن الجرأن يجب أن تقترن بامتلاك ناصية الفن الروائي قبل، لكني أرى أيضا أن هنالك نوعا من العودة للقصة القصيرة  وأن هنالك نوعا من الاعتراف بها إذ قبل سنتين أو ثلاثة فازت كاتبة كندية بجائزة نوبل للأداب واعتبر هذا بمثابة إعادة الاعتبار للقصة القصيرة، وفي العالم العربي هنالك جائزة مخصصة للقصة في الكويت إسمها “الملتقى” وفي مصر توجد مجلة خاصة بالقصة إسمها على ما أعتقد “القصة” ، والقصة الآن وبتفاعلها مع الرواية أصبحت أكثر واقعية وأصبح فيها شيء من الرواية نوعا ما  وذلك أمام التنافس وأمام تأثير الرواية  أو التأثير المتبادل بين القصة والرواية.

 

حاوره عبد الكريم واكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *