الرئيسيةأخبارفضائح أدبية تهز بريطانيا وتضع مستقبل كتب المذكرات على المحك

فضائح أدبية تهز بريطانيا وتضع مستقبل كتب المذكرات على المحك

مذكرات «طريق الملح»

شهد عام 2025 ذروة غير مسبوقة في حضور كتب المذكرات الشخصية داخل المشهد الثقافي البريطاني، حيث تصدرت هذه الأعمال قوائم المبيعات واحتلت مساحات واسعة من النقاش الإعلامي، قبل أن تتحول إلى محور جدل واسع بسبب سلسلة فضائح هزت ثقة القراء وطرحت تساؤلات عميقة حول مستقبل هذا النوع الأدبي.

وفي النصف الثاني من العام، اندلعت أزمة ثقافية كبيرة بعد توجيه اتهامات بالتضليل وتزييف الوقائع لمذكرات «طريق الملح» للكاتبة راينور وين، وذلك عقب تحقيق استقصائي نشرته صحيفة «ذا أوبزرفر» البريطانية، كشف أن الرواية التي سردت فيها الكاتبة قصة فقدان منزلها ومزرعتها في ويلز نتيجة خيانة صديق واستثمار فاشل، لم تكن دقيقة، بل ارتبطت بنزاعات مالية ومخالفات قانونية لم تذكر في الكتاب.

الكتاب، الذي بيع منه قرابة مليوني نسخة منذ صدوره عام 2018 وتصدر قوائم الأكثر مبيعًا عالميًا، بات اليوم محل تدقيق قانوني وأدبي غير مسبوق، خاصة مع تصاعد الشكوك حول أحد محاوره الأساسية، والمتعلق بالمرض العصبي الخطير الذي قيل إن زوج الكاتبة، موث، يعاني منه. إذ أشار التحقيق إلى أن حالته الصحية وقدرته على السير لمسافات طويلة بعد سنوات من التشخيص المزعوم، تثير تساؤلات طبية جدية حول صحة الرواية.

هذه الأزمة دفعت عددا من دور النشر في لندن إلى إعادة النظر في عقود كتب السيرة الذاتية، خصوصًا أن فضيحة «طريق الملح» لم تكن معزولة، بل جاءت ضمن موجة أوسع من القضايا التي طالت أعمالًا أدبية بارزة خلال 2025، من بينها كتاب «ظلال الصيف»، الذي تبين لاحقًا أن مؤلفه اقتبس فقرات كاملة من مذكرات جندي فرنسي سابق، وهو ما كشفته أدوات الذكاء الاصطناعي.

وامتدت تداعيات هذه القضايا إلى قطاع السينما، حيث تضررت مشاريع إنتاجية كبرى، أبرزها الفيلم المقتبس عن «طريق الملح»، الذي كان يعول عليه لتحقيق إيرادات ضخمة، ما دفع شركات الإنتاج إلى تشديد بنود عقود الاقتباس، وفرض شروط جزائية تحميها في حال ثبوت زيف القصص الأصلية أو تحريف الوقائع.

في المقابل، دافعت دار نشر راينور وين عن الكتاب، معتبرة أن المذكرات تمثل تجربة إنسانية إبداعية لا يمكن التعامل معها كوثيقة تاريخية صارمة، وأكدت أن وجود أخطاء في بعض التفاصيل لا يلغي القيمة المعنوية والروحية للتجربة، داعية إلى التمييز بين السرد الأدبي والتوثيق التاريخي.

غير أن نقادًا رأوا أن جوهر المشكلة يكمن في تعطش الجمهور لقصص «الانتصار والمعجزات»، وهو ما يدفع بعض الناشرين إلى تفضيل الروايات ذات النهايات المثالية حتى لو تطلب الأمر قدرا من التلاعب بالوقائع. واعتبرت الأكاديمية البريطانية سارة جين، المتخصصة في شؤون النشر، أن السوق الأدبية شجعت هذا التوجه لاعتبارات تجارية بحتة.

وأعادت أزمة «طريق الملح» إلى الواجهة سجلا طويلا من الفضائح التي زعزعت مصداقية أدب المذكرات، من بينها قضية كتاب «ميشا: مذكرات سنوات الهولوكوست»، الذي تبين لاحقًا أن قصته مختلقة بالكامل رغم تسويقه لسنوات باعتباره شهادة تاريخية.

ويرى التقرير أن عام 2025 يمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ النشر، في ظل تصاعد مطالب القراء بآليات تحقق مستقلة قبل نشر السير الذاتية، وبدء بعض المنصات الرقمية في وضع تنبيهات تحذيرية على الكتب المثيرة للجدل، وهو ما قد يعيد رسم ملامح هذا النوع الأدبي ويغير قواعده في المستقبل القريب.

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *