الرئيسيةأخباروداعًا محمد بكري… فنان حمل فلسطين إلى شاشات العالم

وداعًا محمد بكري… فنان حمل فلسطين إلى شاشات العالم

وفاة محمد بكري

فقدت الساحة الفنية الفلسطينية والعربية، أمس الأربعاء، أحد أبرز رموزها برحيل الممثل والمخرج محمد بكري عن عمر 72 عامًا، إثر أزمة صحية طالت القلب والرئتين، لتُطوى بذلك صفحة حافلة بالعطاء الإبداعي والنضال الثقافي، حمل خلالها الفن همّ الإنسان الفلسطيني إلى العالم.

تميّز محمد بكري بمسيرة استثنائية جعل فيها من السينما والمسرح مساحة للتعبير عن الواقع الفلسطيني، ولم يكن حضوره الفني منفصلًا عن موقفه الإنساني، إذ انحاز منذ بداياته لقضايا الحرية والعدالة، وكرّس أعماله لتجسيد تفاصيل الحياة اليومية تحت الاحتلال، سواء عبر التمثيل أو الإخراج أو الإنتاج، ليصبح واحدًا من أهم الأصوات الفنية المؤثرة في المشهد الثقافي العربي.

وعبّر عدد من الفنانين والمثقفين عن صدمتهم برحيله، حيث كتب المخرج والمنتج الفلسطيني رشيد مشهراوي أن الغياب لا يمحو الأثر، وأن الكبار يظلون أحياء بما يتركونه من محبة وإبداع، مستحضرًا عقودًا من الصداقة والعمل المشترك. من جهته، رأى المخرج المصري أحمد فوزي صالح أن بكري كان فنانًا منحازًا للإنسان قبل أي شيء، وجعل من فنه موقفًا أخلاقيًا يسعى إلى عالم أكثر إنصافًا. أما الكاتبة والمخرجة الفلسطينية ليالي بدر، فاستعادت لحظات الدعم التي قدمها الراحل لها، مؤكدة أن حضوره سيظل راسخًا في الذاكرة كما فلسطين.

وُلد محمد بكري في قرية البعنة بمنطقة الجليل، ودرس التمثيل والأدب، قبل أن ينطلق في مسيرة فنية تجاوزت أربعة عقود، شارك خلالها في أكثر من أربعين عملًا تنوعت بين المسرح والسينما والتلفزيون، داخل فلسطين وخارجها، لا سيما في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث عمل في هولندا وبلجيكا وكندا، جامعًا بين التمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج.

وشكّل فيلمه الوثائقي “جنين جنين” الذي أخرجه عام 2002 محطة فارقة في مسيرته، بعدما وثّق اجتياح مخيم جنين والمجزرة التي شهدها خلال عملية “الدرع الواقي”، وهو العمل الذي جرّ عليه ملاحقات قضائية من قبل سلطات الاحتلال، انتهت بمصادرة نسخ الفيلم وفرض غرامات مالية بحقه، في واحدة من أبرز قضايا استهداف الفن الفلسطيني.

وعلى الصعيد العالمي، ترك بكري بصمته من خلال مشاركته في أعمال سينمائية دولية، من بينها الفيلم الإيطالي “Private” الحائز على جائزة “أسد المستقبل” في مهرجان فينيسيا عام 2004، إلى جانب أفلام أخرى مثل “Giraffada” و“The Body” و“The Savior”، حيث قدّم أدوارًا إنسانية عميقة نقلت معاناة الفلسطيني إلى جمهور عالمي.

وكان آخر ظهور سينمائي له عام 2025 عبر الفيلم الفلسطيني البلغاري “كل ما تبقى منك”، الذي عاد من خلاله لمعالجة القضية الفلسطينية برؤية إنسانية سياسية، مستعرضًا تاريخ عائلة فلسطينية ارتبط مصيرها بالنضال والمقاومة. كما حظي بتكريم رسمي حين اختارته وزارة الثقافة الفلسطينية شخصية العام الثقافية سنة 2020، اعترافًا بدوره الريادي في خدمة الثقافة الوطنية.

وبرغم رحيله، سيظل محمد بكري حاضرًا بأفلامه ومواقفه، كأحد الفنانين الذين جعلوا من الإبداع سجلًا حيًا للذاكرة الفلسطينية، ومن السينما أداة لمقاومة النسيان.

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *