بمشهد احتفالي يخطف الأنظار ويؤكد مكانة المدينة الحمراء كواحدة من أهم العواصم السينمائية في العالم، افتتحت مدينة مراكش مساء الجمعة فعاليات الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الدولي للفيلم، في احتفال كبير نظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وقد توافد على البساط الأحمر نخبة من الفنانين والمخرجين والمهنيين وممثلي وسائل الإعلام من مختلف القارات، يتقدمهم وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد، في لحظة جمعت بين البذخ المغربي وحضور عالمي يعكس أهمية المهرجان باعتباره واجهة سينمائية دولية بارزة.
وعكست الأجواء الاحتفالية منذ اللحظة الأولى تميز هذه الدورة؛ فالبساط الأحمر غصّ بالنجوم المغاربة والعالميين الذين استقبلهم الجمهور بحفاوة كبيرة، بينما وثقت عدسات المصورين لحظات تعكس بريق السينما الذي يزين مراكش سنوياً. وقد شكل هذا الافتتاح انطلاقة قوية لدورة ممتدة إلى غاية السادس من دجنبر، تحمل برنامجاً غنياً يعِد بجذب عشاق الفن السابع من داخل المغرب وخارجه.
وتصدر رئيس لجنة التحكيم، المخرج الكوري العالمي بونغ جون-هو الحائز على الأوسكار والسعفة الذهبية، صفوف الضيوف إلى جانب أعضاء اللجنة: كريم عينوز، حكيم بلعباس، جوليا دوكورنو، بيمان معادي، جينا أورتيغا، سيلين سونغر، وأنيا تايلور-جوي. وقد عبّر بونغ جون-هو عن تقديره للطاقة الإبداعية التي يتميز بها مهرجان مراكش، مؤكداً أنه استطاع على مدى دوراته أن يثبت حضوره كمنصة تستقطب أعمالاً وتجارب سينمائية من مختلف الثقافات، وتوفر فضاءً رفيعاً للحوار وتبادل الرؤى.
وشهد الحفل لحظة إنسانية مؤثرة تمثلت في تكريم الممثل المصري الكبير حسين فهمي الذي نال النجمة الذهبية وسط تصفيق كبير. وقد ألقى الفنان المصري كلمة أعرب فيها عن امتنانه العميق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ولصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد رئيس مؤسسة المهرجان، مؤكداً أن التكريم في مراكش يحمل بالنسبة إليه قيمة خاصة، لكون المدينة ترتبط بذكريات تصوير أحد أفلامه المبكرة “دمي ودموعي وابتسامتي” في بداية السبعينيات. وأضاف أن المهرجان أصبح نموذجاً يحتذى به في العالم العربي بفضل تنظيمه المحترف وبرنامجه المتجدد.
أما الفنانة يسرا التي قدمت التكريم، فقد وصفت حسين فهمي بأنه رمز للأناقة والفن وواحد من أهم الوجوه التي أسهمت في فتح آفاق جديدة للسينما المصرية داخل العالم العربي وخارجه. واستحضرت مساره الطويل الذي شمل أعمالاً بارزة مثل “الإخوة الأعداء” و”الرصاصة لا تزال في جيبي” و”أميرة حبي أنا” و”انتبهوا أيها السادة” وغيرها من الأفلام التي رسخت مكانته كأيقونة سينمائية. كما أشارت إلى دوره القيادي كرئيس سابق لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو ما أضاف بعداً ثقافياً إلى مسيرته الفنية.
ويقدم المهرجان في هذه الدورة برمجة غنية تضم 81 فيلماً من 31 بلداً، تتوزع على عدة أقسام منها المسابقة الرسمية والعروض الاحتفالية وآفاق السينما والقارة الحادية عشرة وبانوراما السينما المغربية وبرنامج الأسرة والجمهور الناشئ. وقد افتُتحت العروض الاحتفالية بفيلم “سلك الرجل الميت” للمخرج الأميركي غوس فان سانت، في اختيار يؤكد رغبة المهرجان في الحفاظ على مستوى رفيع من الانتقاء السينمائي.
وتتميز دورة 2025 بعرض ثمانية أفلام في عرض عالمي أول، إضافة إلى تسعة أفلام طُورت داخل “ورشات الأطلس”، البرنامج الذي أصبح اليوم واحداً من أهم المنصات الداعمة لمشاريع السينمائيين في العالم العربي وإفريقيا. وقد نجحت الورشات في مرافقة عدد من الأعمال التي بلغت لاحقاً مهرجانات دولية كبرى، مما جعلها إحدى ركائز الصناعة السينمائية داخل المهرجان.
وتضم المسابقة الرسمية 13 فيلماً طويلاً تمثل الأعمال الأولى أو الثانية لمخرجيها، وهو ما يعكس التزام المهرجان المستمر بدعم المواهب الشابة وفتح فرص للتجارب الصاعدة في عالم السينما. وتتناول هذه الأفلام موضوعات اجتماعية وإنسانية وسياسية بروح مبتكرة تمنح مساحة واسعة للتجريب والجرأة الفنية. كما يُمثل 14 فيلماً من هذه الدورة بلدانها في سباق جوائز الأوسكار، وهو مؤشر إضافي على تطور مستوى المشاركات والانتقاء.
وفي تقليد راسخ يميز المهرجان، تُكرم دورة 2025 أسماء عالمية لامعة، من بينها الممثلة والمخرجة الأميركية جودي فوستر التي تُعد من أبرز وجوه السينما العالمية، والمخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو صاحب البصمة البصرية المتفردة، إلى جانب الممثلة المغربية راوية التي أثرت السينما الوطنية عبر عقود من الإبداع.
ولعل من أكثر محطات المهرجان شعبية فقرة “حوارات” التي تمنح الجمهور فرصة لقاء كبار المبدعين مباشرة. وتستضيف هذه الدورة أسماء بارزة مثل بونغ جون-هو وغييرمو ديل تورو وأندرو دومينيك ولورانس فيشبورن وجودي فوستر وكران جوهر وبيل كرامر ونادين لبكي وكليبر ميندونسا فيلهو وجعفر بناهي، إضافة إلى لقاءات ثنائية مميزة تجمع فيرجيني إيفيرا وكيارا ماستروياني، ثم أسماء المدير وكريمة السعيدي.
وتواصل “ورشات الأطلس” حضورها القوي في هذه الدورة من خلال تقديم 12 مشروعاً في مرحلة التطوير، و10 أفلام في مراحل التصوير أو المونتاج، إضافة إلى خمسة مشاريع مغربية ضمن برنامج “نظرات على الأطلس”، وفيلم مغربي في المرحلة النهائية ضمن عروض الأطلس. وتأتي هذه المشاريع من بلدان متعددة تشمل أنغولا وبوركينا فاسو ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وموزمبيق وتنزانيا وغيرها، مما يعكس البعد الدولي للمهرجان ودوره في تعزيز حضور السينما العربية والإفريقية.
وبين نجوم عالميين، وحضور جماهيري واسع، وبرنامج فني غني ومتعدد الأبعاد، تتحول مراكش مرة أخرى إلى مدينة تتنفس السينما بكل تفاصيلها. فالمدينة التي طالما كانت موقعاً لتصوير أهم الإنتاجات العالمية، تستعيد خلال هذا الحدث نبضها السينمائي، وتؤكد موقعها كجسر ثقافي يجمع بين الشرق والغرب، ومختبر فني يصنع مستقبلاً جديداً للسينما. وعلى مدار عشرة أيام من العروض والنقاشات والتكريمات، يواصل مهرجان مراكش الدولي للفيلم كتابة فصل جديد من فصول دوره الريادي في خدمة الفن السابع وإثراء الحوار الإبداعي بين صناع الأفلام والجمهور من مختلف أنحاء العالم.
طنجة الأدبية











