ودّعت الهند أحد أهم أعلام السينما في تاريخها برحيل الممثل الأسطوري دارمندرا، الذي فارق الحياة عن عمر 89 عامًا بعد فترة صحية صعبة قضاها متنقلًا بين المستشفى والمنزل في مومباي. وبرحيله، تُطوى صفحة نجم استثنائي ساهم على مدى ستة عقود في رسم ملامح بوليوود الحديثة وفي ترسيخ حضورها العالمي، ليظل اسمه مرتبطًا بأجيال من عشاق الفن الهندي.
وجاء الإعلان عن الوفاة بعد تأكيد من مسؤول أمني تحدث إلى الطبيب المشرف على الحالة، مبرزًا أن دارمندرا رحل متأثرًا بوعكة صحية لم تفلح الجهود الطبية في تجاوزها. وكان جمهور النجم يتابع وضعه الصحي خلال الأسابيع الأخيرة بقلق واضح، بعدما تكررت الأخبار حول خضوعه للعلاج ومراقبة الأطباء لحالته بشكل مستمر.
ردود الفعل على وفاته كانت واسعة، إذ عبّر رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن حزنه العميق في رسالة نُشرت على منصة “إكس”، مؤكدًا أن رحيل دارمندرا يمثل “نهاية عصر كامل في السينما الهندية”. ووصفه بأنه “أيقونة سينمائية وممثل مبدع منح أدواره بريقًا خاصًا”، مشيرًا إلى أن تنوع الشخصيات التي قدمها وتأثيره على الجمهور جعلاه واحدًا من أعظم نجوم الهند.
ولد دارمندرا في منتصف الثلاثينيات، وبدأ شق طريقه نحو السينما مطلع الستينيات، حيث لفت الأنظار بسرعة بفضل قدرته على التنقل بين الأدوار الرومانسية والدرامية والكوميدية، قبل أن يتحول إلى أحد أبرز نجوم أفلام الحركة في السبعينيات والثمانينيات. وقد استطاع بفضل حضوره الطاغي ولغته السينمائية الخاصة أن يحجز مكانته بين أبرز نجوم بوليوود على الإطلاق.
يُعد دوره في فيلم “شولاي” عام 1975 نقطة تحول حاسمة في مسيرته، إذ جسد إحدى الشخصيات الأكثر حضورًا في تاريخ السينما الهندية، وشكل ثنائيًا ذهبيًا مع أميتاب باتشان لا يزال الجمهور يتذكره حتى اليوم. وقد ساهم الفيلم في تعزيز مكانة دارمندرا كوجه رئيسي للسينما التجارية التي كانت تشهد ذروة ازدهارها آنذاك.
ولم تتوقف مسيرته عند “شولاي”، فقد منحته أفلام مثل “الزهرة والحجر” (1966)، و“سيتا وغيتا” (1972)، و“الأخوان دارام وفير” (1977)، و“موكب الذكريات” (1973) حضورًا متنوعًا مكّنه من الوصول إلى مختلف فئات الجمهور، مما جعله نجمًا يجمع بين الشعبية والجودة الفنية في آن واحد.
على المستوى السياسي، خاض دارمندرا تجربة استثنائية بدخوله البرلمان بين عامي 2004 و2009، في مرحلة مثّلت إضافة جديدة إلى مسيرته الحافلة، رغم تحفظ البعض على مشاركته السياسية. غير أن جمهوره رأى في ذلك امتدادًا طبيعيًا لشخصيته المؤثرة في المجتمع، واعترافًا بمكانته الرمزية في الثقافة الهندية.
ولم يكن التكريم الرسمي بعيدًا عنه، إذ حصل على وسام “بادما بوشان”، أحد أرفع الأوسمة المدنية في الهند، تقديرًا لإسهاماته الطويلة في الفن السينمائي ولحضوره الجماهيري الكبير الذي امتد عبر عقود.
كان دارمندرا أيضًا جزءًا من عائلة سينمائية معروفة، فهو والد النجمين ساني ديول وبوبي ديول، وقد شارك في إنتاج عدة أعمال دعمت مسيرتهما الفنية. كما حافظ حتى أيامه الأخيرة على علاقة وثيقة بالسينما، إذ كان ينتظر عرض فيلمه الجديد “إيكيس” الشهر المقبل، غير أنّ القدر لم يمهله رؤية العمل الأخير الذي كان يعوّل عليه في استعادة جزء من وهجه الفني القديم.
يمثل رحيل دارمندرا خسارة كبيرة لبوليوود ولعشاق السينما حول العالم، فهو من النجوم القلائل الذين تمكنوا من أن يكونوا جزءًا من الذاكرة الجماعية للجمهور. وسيظل أثره حيًا في كل فيلم صوره، وكل مشهد رسخ في ذاكرة محبيه، وكل جيل يكتشف أعماله لأول مرة. لقد غاب الجسد، لكن إرثه الفني لا يزال يقف شاهدًا على مسيرة نجم لن يتكرر بسهولة.
طنجة الأدبية

