الرئيسيةأخباررواية -اللص والكلاب- لنجيب محفوظ من الأعمال الأدبية الكبرى التي تُقرأ مرات ولا تفقد بريقها

رواية -اللص والكلاب- لنجيب محفوظ من الأعمال الأدبية الكبرى التي تُقرأ مرات ولا تفقد بريقها

رواية اللص والكلاب نجيب محفوظ

أن تعيد قراءة رواية -اللص والكلاب – للكبير نجيب محفوظ  للمرة الثالثة، معناه أنك لم تفرغ بعد من صدى الدهشة الأولى، وأن الرواية  لا يزال  نصها يحتفظ بسرّ صغير يخبئه لك بين الصفحات .  لنسلم جميعا بأن القراءة الأولى كانت جريا خلف الحكاية بهدف لملمة المواقف وتجميع الأحداث الدراماتورجية ، ولنتفق جزئيا أن القراءة الثانية  هي محاولة لفكّ ألغاز الرواية ورموزها،لكن عودتنا للمرة الثالثة فهي بالتأكيد عودة هادئة، أشبه بزيارة بيت تعرفه جيدا، لكنك في كل مرة تكتشف فيه غرفة لم تنتبه لوجودها من قبل. إنها لحظة اختبار لعمق الأثر الجمالي للنص، ولصدق علاقتك به، حيث يتحول من مجرد رواية إلى جزء من حياتك الداخلية، صديق قديم تستأنس به كلما عدت إليه.

حينما نعيد قراءة رواية للمرة الثالثة ، فنحن لا نكرر فعلا قرائيا سبق ممارسته فحسب ، وإنما نعمق فهمنا ،بعد أن أتاحت لنا  القراءة الأولى ملاحقة الأحداث والشخصيات، وفي الثانية، نكتشف الرموز والمعاني، أما في الثالثة فندخل إلى الطبقات الخفية للنص، نقرأ بين السطور، نلمح ما كان مستتراً. لقد أصبحت الرواية  جزء من وجداننا، مكانا نجد فيه الدفء والمعنى، أشبه بزيارة صديق قديم تتجدد معه المتعة كل مرة. إنه اختبار جمالي الاختبار الجمالي: الأعمال الكبرى تُقرأ مرات ولا تفقد بريقها، بل تكشف عن طاقتها الإبداعية كلما تعمق القارئ فيها. فإعادة القراءة شهادة ضمنية على قيمة النص.

رواية “اللص والكلاب” (1961) تعدّ من أبرز أعمال نجيب محفوظ في المرحلة الواقعية النفسية، وهي مستوحاة من واقعة حقيقية في خمسينيات القاهرة. تحكي الرواية قصة سعيد مهران، لص شريف على طريقته، خرج لتوّه من السجن بعد أربع سنوات قضاه. ا عقوبة لجريمة سرقة. ” مرة أخرى يتنفس الحرية ،ولكن في الجو غبار خانق وحر لا يطاق.وفي انتظاره وجد بذلته الزرقاء وحذاءه المطاط . وسواهما لم يجد في انتظاره أحدا.هاهي الدنيا تعود ،وهاهو باب السجن الأصم يبتعد منطويا على الأسرار اليائسة.ص7

كان يتوقع أن يجد عالمه القديم في انتظاره، لكنه يُصدم بخيانة أقرب الناس إليه. زوجته نبوية خانته وتزوجت من تلميذه السابق عليش سدرة الذي كان شريكه في الجريمة. صديقه المثقف رءوف علوان، الذي كان يلهمه بشعارات الثورة والعدالة الاجتماعية، أصبح صحفياً مشهوراً ومتواطئاً مع السلطة والواقع الجديد.ابنته الصغيرة لم تعد تعرفه، مما يزيد من شعوره بالاغتراب.

يقرر سعيد الانتقام من “الكلاب” التي خانته – زوجته، عليش، رءوف، والشرطة التي تلاحقه. لكنه يفشل في كل محاولة . يحاول قتل رءوف علوان، فيخطئ الهدف. يهاجم بيت عليش، لكنه لا يجده ويقتل الأبرياء بالخطأ. الشرطة تضيق عليه الخناق، والإعلام يصوره كقاتل مجرم. الوحيدة التي تعطف عليه هي نور، فتاة الليل التي تمنحه المأوى والحنان، لكنها لا تستطيع إنقاذه من مصيره. في النهاية، يجد سعيد نفسه مطاردا في المقابر، وحيدا ومحاصرا، فيختار المواجهة الأخيرة مع الشرطة في مشهد رمزي مكثف، وكأنه يذهب إلى قدره بوعي كامل.

ومن أهم القضايا والأعطاب الاجتماعية التي تفرزها الرواية الاغتراب والخيبة . عندما يخرج  سعيد  من السجن سيجد أن العالم تغيّر وخانه. والخيانة ذاتها لا تأخذ منحى معينا بل تتجلى في مستويات متعددة:  خيانة زوجية، خيانة الصديق، وخيانة المبادئ.صراع الفرد مع المجتمع. فعندما يرى سعيد  نفسه بطلاً، لكن المجتمع يراه مجرماً.  ومع أن كل رحلة يقوم بها سعيد  هي محاولة لاستعادة معنى العدل، فإن النتيجة دائما مأساوية  وللكلاب أبعاد رمزية في النص  فهي تمثل الخيانة، المجتمع المتربص، والسلطة التي تحاصره. وبإجماع النقاد اللص والكلاب من أوائل الروايات التي استخدمت تيار الوعي في الأدب العربي، ما جعل القارئ يعيش أفكار سعيد  مهران وانفعالاته مباشرة . ولعل الرواية هنا تحديدا تعكس  أزمة المثقف والإنسان البسيط بعد ثورة 1952، بين الأحلام الكبيرة والواقع المحبط.  فنرى البطل يسعى إلى إيجاد معنى لحياته ويموت واقفاً رافضاً الاستسلام.172  ص ولا أمل في الهروب من الظلام بالجري في الظلام . نجا الأوغاد  وحياتك عبث .واقتربت الضوضاء والنباح وقريبا تتردد أنفاس الحقد والتشفي على وجهك . وحرك مسدسه في غضب . والنباح يشتد ويقترب . وأذا بضوء ساطع باهر يغمر المنطقة في حركة دائرة .فأغمض عينيه وارتمى أسفل القبر وهتف صوت في ظفر : سلم لا فائدة في المقاومة .. وارتجت الأرض بوقع الأقدام الثقيلة المطوقة وانتشر الضوء كالشمس – سلم يا سعيد ..سلم.. وأعدك بأنك ستعامل بإنسانية .. كإنسانية رؤوف ونبوية وعليش والكلاب ..  انت محاصر من جميع الجهات القرافة كلها محاصرة ..فكر جيدا .. وسلم نفسك .

 

وعندما اطمأن إلى أن تناثر القبور يحول دون رؤيته . فلم يتحرك ،صمم على الموت  ..وخاطب نفسه ” ألا ترى أن لا فائدة من المقاومة ؟

وشعر باقتراب الصوت عما قبل فصاح مكرها ” الويل لمن يقترب ..فأجابه صوت من الطرف الآخر   ماذا تنوي ؟ اختر بين الموت وبين الوقوف أمام العدالة . ص172

 

 

نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا هو واحد من أعظم الأدباء في تاريخ مصر والعالم العربي. من مواليد  11 ديسمبر 1911. حي الجمالية، القاهرة، مصر. وتوفي في  30 غشت  2006. من أهم أعماله: الثلاثية الشهيرة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية- زقاق المدق، اللص والكلاب،أولاد حارتنا (عمل مثير للجدل)ثرثرة فوق النيل حصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1988، وهو أول أديب عربي يفوز بها.ويتميز أسلوب نجيب محفوظ بالتركيز على تصوير الحياة المصرية، وأبدع في رواياته الواقعية اللي ناقشت قضايا المجتمع والدين والسياسة والفقر  …

 

عزيز باكوش   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *