غيب الموت المخرج السينمائي العراقي قيس الزبيدي عن عمر يناهز 85 عاماً، تاركاً إرثاً فنياً وإنسانياً عميقاً في مجال السينما الوثائقية العربية، خاصة تلك التي حملت على عاتقها توثيق القضية الفلسطينية.
وُلد الزبيدي في بغداد عام 1939، وبدأ مسيرته السينمائية بالدراسة في معهد الفيلم العالي بمدينة بابلسبرغ بألمانيا، حيث حصل على دبلوم في المونتاج عام 1964، ثم شهادة في التصوير السينمائي عام 1969. كان شغفه بالسينما أداة لنقل معاناة الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، إلى الشاشة الفضية.
أخرج الزبيدي العديد من الأفلام الوثائقية التي رسخت مكانته كأحد أعمدة هذا النوع السينمائي في العالم العربي. من أبرز أعماله فيلم “بعيداً عن الوطن” (1969)، الذي يعد شهادة صادقة على معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وفيلم “اليازرلي” (1972)، الذي قدم من خلاله رؤية مبتكرة لتجسيد الواقع السياسي والاجتماعي العربي.
لم يتوقف دوره عند الإخراج، بل ساهم بشكل كبير في توثيق السينما الفلسطينية من خلال تأسيس “الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني”، بالتعاون مع الأرشيف الاتحادي في برلين.
كما أثرى الزبيدي المكتبة السينمائية العربية بعدد من المؤلفات القيمة التي تُعنى بالنقد والتحليل السينمائي، مثل “فلسطين في السينما” و”الفيلم التسجيلي: واقعية بلا ضفاف”، حيث سلط الضوء على أهمية السينما كوسيلة لطرح القضايا المجتمعية والسياسية الملحة.
امتدت مسيرة الزبيدي المهنية عبر عدة مدن عربية، حيث عمل في دمشق، القاهرة، بيروت، وتونس، وترك بصمة لا تُمحى في كل محطة من محطاته. نال المخرج الراحل العديد من الجوائز العربية والدولية، التي كرست اسمه كواحد من أبرز رواد السينما الوثائقية في العالم العربي.
برحيله، تفقد السينما العربية قامة فنية كبيرة، لكنها تظل مدينة له بما قدمه من أعمال خالدة وأفكار أثرت في أجيال من المخرجين والنقاد. إرث قيس الزبيدي سيبقى منارة تلهم صناع الأفلام، وتذكرهم بأن السينما ليست مجرد فن، بل أداة للتغيير والنضال من أجل قضايا الشعوب.