سيكولوجيا الإنسان المرقمن: التنشئة الخوارزمية وبناء الهوية في عصر الثورة الرقمية
للباحث المغربي الدكتور المصطفى شكدالي، بحضور نخبة من الأساتذة والباحثين والمهتمين بالتحولات الرقمية المعاصرة.
نُظّم اللقاء من قبل مركز رؤى للأبحاث والدراسات والتكوينات في التربية والتنمية، بشراكة مع المديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل بمراكش، في إطار دينامية ثقافية تتجه نحو فهم أثر الرقمنة على الوعي والهوية وأسئلة الوجود الإنساني في عصر الذكاء الاصطناعي.
سالمة الراجي… إدارة راقية منحت الجلسة عمقها وإيقاعها
افتتحت اللقاء الدكتورة سالمة الراجي التي أدارت الجلسة باحترافية واضحة، إذ أحسنت بناء خارطة النقاش، وربطت بين الفني والتقني والإنساني، ما أضفى على الأمسية انسجامًا فكريًا ساهم في توجيه الحاضرين نحو جوهر الإشكاليات التي يعالجها الكتاب.

قراءة تقنية من هشام فرجي… حين تتحدث الخوارزمية بلغتها الأصلية
قدّم الباحث هشام فرجي (متصرف تربوي، مدير مؤسسة تعليمية وباحث بسلك الدكتوراه في الاقتصاد الذكاء الاصطناعي) قراءة تقنية أثارت اهتمامًا واسعًا، إذ تناول فيها البنية الخوارزمية التي يعالجها الكتاب من منظور علم البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
سلّط فرجي الضوء على:
• التنشئة الخوارزمية وكيف تصنع المنصات الرقمية ميول الإنسان وسلوكه
• أثر خوارزميات الدوبامين الرقمي في تشكيل العادات والاهتمامات
• التحولات الإدراكية لدى جيل الألفا
• مخاطر فقدان التفكير النقدي داخل أنظمة التعليم الذكية
مداخلته قدّمت للقراء الجانب العلمي الذي يقوم عليه الكتاب، وأبرزت الترابط العميق بين التحليل السيبراني والتحول النفسي.
الفلسفة تعود إلى الواجهة… مداخلة د. حسن الوفا
من جهته، تناول الدكتور حسن الوفا، الباحث في الفلسفة المعاصرة، الكتاب من زاوية وجودية، معتبرًا أن الثورة الرقمية أعادت صياغة مفهوم الذات والحرية، وأن الإنسان أصبح يعيش بين صورتين:
• صورة واقعية محدودة
• وصورة رقمية مُفلترة تُصنع وفق منطق المنصات
وهي حالة هجينة يرى الوفا أنها تشكّل “تحولًا جذريًا في سؤال الوجود الإنساني”.
بين الاجتماع والرقمنة… قراءة الأستاذ المنصوري
أما الأستاذ عبد العزيز المنصوري، المختص في علم الاجتماع، فسلّط الضوء على الأثر البنيوي للخوارزميات على المجتمع، مشيرًا إلى بروز:
• فقاعات معرفية تُعيد تشكيل الرأي العام
• أنماط جديدة من الانتماء والهويات الرقمية
• تحولات في العلاقات الأسرية
• وتراجع التفاعل الإنساني المباشر
وهو ما يجعل الرقمنة ، حسب المنصوري، فاعلًا اجتماعيًا يغيّر البنية من الداخل.
شكدالي… قراءة في السياق والدوافع
اختُتم اللقاء بكلمة مطولة قدّمها المؤلف الدكتور المصطفى شكدالي، تطرق فيها إلى:
• ظروف كتابة الكتاب
• الأسئلة النفسية التي رافقت تجربته البحثية
• الحاجة إلى تأسيس علم نفس سيبراني عربي
• مسؤولية الباحثين في مواجهة هيمنة الخوارزميات على الوعي والسلوك
وشدد شكدالي على أن الكتاب محاولة لفهم الإنسان قبل التكنولوجيا، وأن الرقمنة معركة من أجل صون الهوية وحماية الوعي.
تفاعل غني… وأسئلة مفتوحة للمستقبل
شهد اللقاء تفاعلًا واسعًا من الحاضرين، الذين طرحوا أسئلة حول:
• الإدمان الرقمي
• أثر الفلاتر على صورة الجسد
• مصير التعليم في زمن الذكاء الاصطناعي
• وسبل بناء وعي رقمي يحمي الإنسان من الاستلاب
وقد أجمع المتدخلون على أن الكتاب فتح نافذة جديدة لفهم الظواهر الرقمية بعمق علمي وإنساني.
ختام
بهذا اللقاء، قدّمت مراكش مشهدًا ثقافيًا راقيًا، جمع بين الفلسفة والاجتماع والذكاء الاصطناعي وعلم النفس، في لحظة تعكس الحاجة الملحّة لبناء وعي رقمي عربي يُعيد الإنسان إلى مركز التكنولوجيا، بدل أن يبقى تابعًا لها.
كتاب سيكولوجيا الإنسان المرقمن يبدو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نصًا تأسيسيًا لفهم الإنسان في زمن الخوارزمية.

