الرئيسيةأخبارإصدارات: سليمان برادة يصدر روايته “السبّاح”  Le Baigneur

إصدارات: سليمان برادة يصدر روايته “السبّاح”  Le Baigneur

أصدر الكاتب الشاب سليمان برادة أول رواية له بعنوان “السبّاح”  Le Baigneur  عن دار النشر Le Soupirail.

ولد سليمان برادة في 26 فبراير 2001 بمدينة طنجة. حاصل على إجازة في الأدب الفرنسي. في سن السادسة عشرة، كانت له أول تجربة مسرحية مع فرقة “كوميديا طنجة”، وهي فرقة مسرحية فرنسية مغربية أسسها فيليب لوران. في عام 2022، عُيّن من طرف فرانسواز ودانيال أرون ككاتب عام لمؤسسة التصوير الفوتوغرافي بطنجة. “السبّاح”  Le Baigneur هو أول عمل روائي له. Le baigneur هو أحد أسماء بعض لوحات المستشرقين من بينهم Jean Léon Gérôme التي اقتبس منها سليمان عنوانه.

في أبريل 2025، كان سليمان برادة أصغر أعضاء الوفد المغربي المدعو لتقديم روايته في مهرجان الكتاب بباريس.

«هذا الانتهاك المزدوج للخصوصية كان يُرضي فضولي ورغبتي»

هناك أماكن لا تكفّ عن إثارة الخيال والأحلام…

في قلب مدينة فاس، وفي هذه المرحلة المفصلية بين الطفولة والمراهقة، يأخذنا الراوي إلى عالم مغلق: عالم الحمّام، مكان اليقظة والاكتشاف. حضور الماء، والحركة، والروائح، وألعاب الضوء، وانسيابية الأجساد، والهمسات، كلّها تسحره وتغمره في استحضار متع إيروتيكية، تُعيده إلى المخيال الاستشراقي في الأدب والرسم. في هذا الفضاء المنعزل، الخارج عن المجتمع، يكتشف جسده، ويمنح لنفسه الحق في الاضطراب والانفعال الذي تثيره رؤية الشاب إسماعيل، متسائلًا عن ذلك الحدّ الدقيق، غير المرئي، بين القواعد وقوة الرغبة.

المقدمة 

من خلال هذه الرواية القصيرة التي تأخذ أحياناً شكل تأمل شعري حول مشاعر الطفولة، يقودنا سليمان برادة إلى مكان مغلق ومفعم بالغموض، ألهم العديد من الكُتّاب والفنانين: الحمّام.

منذ البدء، مكّنت المياه على الأرض الحياة من الازدهار: النباتات الأولى، التي نشأت في البيئات المائية، ثم الكائنات الحية، وتكاثر الأنواع. وعندما انتشرت الحيوانات الأولى ثم أسلاف البشر على سطح الأرض، كان الماء، باعتباره عنصراً أساسياً للحياة، يرافقهم. وغالباً ما ازدهرت الحضارات الأولى على ضفاف الأنهار. وإذا كان شرب الماء ضرورياً، فإن الاستحمام أصبح بسرعة حاجة، سواء للتطهّر من الغبار، أو للعلاج حينما تحتوي المياه على عناصر كيميائية مفيدة، أو للتبريد في الحر، أو للتدفئة في البرد.

وهكذا، ارتبطت المياه سريعاً بالاستحمام، وبلغت هذه الفكرة أوجها في العالم الروماني، الذي ترك لنا العديد من الشهادات حولها. وكان للحمّامات العامة، تحديداً، انتشار واسع في ذلك العصر. ومع استمرار الحمّامات الرومانية في العصور الوسطى، فقد غيّر المسيحية الذهنية العامة: لم تكن الحمّامات العامة، بما تنطوي عليه من تعرّي الأجساد وتوليد اللذة من الحرارة الرطبة، تتناسب مع هذه التقاليد. وكان لا بد من مرور قرون حتى تستعيد النظافة الجسدية حضورها وتعيد للحمّام جاذبيته. حتى الحمّامات العلاجية في المدن الأوروبية ذات الينابيع المائية خلقت شغفاً بالاستحمام، قبل أن تُعيد موضة “الاستحمام البحري” الصلة بين الإنسان والماء. ولكن في الشرق العربي والإسلامي، ازدهر الحمّام منذ البداية.

فمن تعاليم الدين أن يتطهر المؤمن قبل الصلاة، فيغسل وجهه ويديه وقدميه. ويحافظ الحمّام العام على نظافة الجسد. ويوجد في كل المدن الكبرى في العالم العربي حمّامات، بعضها يعود إلى قرون طويلة. وقد انتقلت هذه العادة إلى الإسلام المغاربي وإلى الأندلس الإسلامية.

وقد أثار موضوع الحمّام العام، الذي كثيراً ما زُيِّن بالفسيفساء أو الرخام، خيال بعض الرحّالة الغربيين، وخصوصاً الرسامين والفنانين الذين سعوا إلى تصوير مشاهد من داخل الحمّام تظهر فيها نساء شبه عاريات أو كلياً. ومن بين آلاف اللوحات التي تناولت هذا الموضوع، يمكننا أن نذكر “الحمّام التركي” الشهير لإنغر في متحف اللوفر، لما له من تأثير في الخيال الجمعي. ويزخر ما يُعرف بـ “الاستشراق الفني” بهذه المواضيع. وإذا كانت النساء غالباً ما يُصوّرن، فإن هناك أيضاً رجالاً، يتمتعون بأجسام رياضية، يُستخدمون كعارضين بدرجات متفاوتة من الغموض. فقد ظلت الفجوة بين الذكر والأنثى قوية في التصوير الفني. وما لم يُعرض، ولكن يُرجّح وجوده، هو أن الحمّامات المختلطة قد وُجدت منذ العصور القديمة. أماكن للخلاعة، مرفوضة ولكن أحياناً مقبولة، شأنها شأن محظورات أخرى. في باريس في العصور الوسطى، حيث كانت الهيمنة الدينية طاغية على الذهنيات، وُجدت على ضفاف نهر السين ما يُسمّى “المشاتي”، وهي نوع من الحمّامات البخارية التي كانت تُمارَس فيها الدعارة علناً، ما تؤكده الأوامر الملكية التي كانت تحظر هذه الممارسات.

على تخوم الطفولة والمراهقة، يجد الراوي نفسه مفتوناً بالأجساد التي يراها، النسائية أولاً، ثم الذكورية, يُسافر بنا بين أماكن مختلفة، مكرّماً العائلة والحب، ومُعيداً، بصدق كبير، تقديم الروائح والنكهات والألوان التي تمرّ به. ثمّ تتركّز نظرته فجأة على شاب أكبر منه بقليل، تبدأ معه علاقة تبدو أكثر حميمية. في حرارة دهاليز الحمّام، يحلم به، ويخاف أن يُفصل عنه، أن يُنادى عليه من قِبل والده.

 

 

لم ينتهِ الحمّام العام من إلهام أحلامنا.

الحسيّة و الحنان البالغ في بعض المقاطع التي يصفها سليمان برادة بدقّة، وإبداع أسلوبه، يجعلان القارئ يتماهى معه. هذا الأسلوب التصويري، الغنائي، الحسي، والأهمية التي يعطيها للروائح والأنوار في مدينة فاس، التي كانت في قلب مفاوضات استقلال المغرب، يدل على شخصية أدبية متفردة. وقبل كل شيء، فإنه يمتلك الجرأة في الحديث عن الرغبة، وفي عرض جمال الأجساد بشكل مباشر، دون خوف من الابتذال، في أبهى تقاليد الأدب الإيروتيكي. ومن خلف هذا “العاشق السابح”، تتجلّى أيضاً تأملات رفيعة حول “النوع الاجتماعي”، ما يكشف عن نضج فكري كبير.

 

غابرييل أندريو

مقدّم الرواية

بقلم ياسين بناني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *