الرئيسيةالأولىسلسلة شذرات رمضانية 20 : العشر الأواخر.. آخر الفرص وأعظم النفحات

سلسلة شذرات رمضانية 20 : العشر الأواخر.. آخر الفرص وأعظم النفحات

رمضان
“إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ” (القدر: 1-2)
كلما أقبلت العشر الأواخر من رمضان، تحرّكت الأرواح نحو أبواب السماء، وأشرقت القلوب بأنوار ذكر ربها، وتهيأت النفوس لاستقبال ليلةٍ خيرٌ من ألف شهر. إنها الأيام التي يزداد فيها المؤمن شوقًا، وتشتدّ فيها العبادة، فتغدو الدموع لغة المحبين، والسجود ملجأ التائبين، والدعاء حبلًا ممتدًا بين الأرض والسماء.
فرمضان كالقمر، يبدأ هلالًا، ثم يكتمل، وحين تقترب أيامه الأخيرة ويستعد للرحيل، يهدي لنا أعظم أيامه وأكرم لياليه، وكأنه يقول: ها قد مرت أيام الصبر، فاجتهدوا في ليالي الوصال، فمن كان مقصرًا فليلتحق، ومن كان مجتهدًا فليزداد.
في هذه الأيام المباركة، كان النبي ﷺ يشدّ مئزره، ويوقظ أهله، ويُحيي الليل كله، كأنه يستشعر عظمة الختام، ويعلّمنا ألا نفرّط في هاته النفحات، وأن الفائز هو من يطرق باب الله حتى يُفتح له.
هي ليلةٌ واحدة، لكنها بألف شهر! لحظةٌ ربانية قد تغيّر مسار حياتك بأكمله، قد يكون دعاءٌ فيها سببًا في رفع البلاء، أو تحقيق الرجاء، أو مغفرةٍ تُنجيك يوم اللقاء.
فمن أدرك ليلة القدر، فكأنما عمّر عمرًا مديدًا في الطاعة، ومن غفل عنها، فقد فاته كنزٌ لا يُعوض. ولذا، كان النبي ﷺ يجتهد في العشر كلها، يُقيم الليالي كلها، لأنه من أحياها جميعها فقد أدركها.
يا صائمًا في العشر زد يقينك
يا صائمًا والعشرُ تجري مسرعًا
هي فرصَةٌ للروحِ لا تتوانى

شدَّ الركابَ إلى السماءِ مخبتًا
فالنورُ يُهدي السائرَ الظمآنا
يا صائمًا، قمْ في الدجى متبتلًا واجعلْ دعاءَ القلبِ عطرَ لسانا

فاللهُ يُنزلُ في الأواخرِ رحمةً
للصائمينَ تُفَتَّحُ الأبْوَانَا

فكيف نعيش العشر الأواخر؟
1. إحياء الليل: لا تدع ليالي العشر الأواخر يمضي دون أن تملأه بالصلاة، والذكر، والتلاوة، والدعاء.
2. إيقاظ الأهل: لا تكن وحدك في هذا الخير، بل كن سببًا في صحوة قلوب من تحب.
3. الاعتكاف: فرصةٌ للانقطاع عن الدنيا، والخلوة مع الله عز وجل، ولو لساعات.
4. الاجتهاد في الدعاء: لا تدع ليلة تمرّ دون أن تسأل الله من خيرَي الدنيا والآخرة وأن يمنحك أفضل هدية وجزاء آخر رمضان وهي المغفرة والعتق من النار.
5. الصدقة: اجعل لك سهمًا في هذه الأيام المباركة، فكم من صدقة رفعت بلاءً، وجلبت رحمة.
سيرحل رمضان كما رحل من قبل، لكن الأهم: ماذا سيبقى لك منه؟ هل ستتركه يمرّ كزائرٍ عابر، أم ستخرج منه بروحٍ جديدة، وقلبٍ أكثر قربًا من الله؟ فاللهم اجعلنا ممن أدركوا ليلة القدر، فغفرت لهم، وكتبت لهم الخير فيما بقي من أعمارهم.

هشام فرجي
هشام فرجي

هشام فرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *