الرئيسيةالأولىسلسلة شذرات رمضانية : رمضان والإخلاص.. بين العباد ولرب العباد

سلسلة شذرات رمضانية : رمضان والإخلاص.. بين العباد ولرب العباد

رمضان
ليس الإخلاص أن تظهر أعمالك للناس، بل أن تُخفيها قدر الإمكان، وليس أن يُسمع صوتك، بل أن يسمع الله نبض قلبك.
وما الصيام إلا عبادةٌ بين العبد وربه، لا يراها أحد، ولا يعلم حقيقتها إلا الله. ففيه تُغلق الأبواب، وتُخفى الأعمال، ولا يُراقب الإنسان إلا ضميره وتقواه. “الصوم لي وأنا أجزي به”، هكذا قالها الحق جل وعلا، كأنما أراد أن يجعل من رمضان ميدانًا لاختبار الصدق في العبادة، حيث لا مجال للرياء، ولا حاجة للتظاهر، بل صفاء وإخلاص بين العبد وربه.
فكم من صلاةٍ نؤديها، فتُرى، وكم من صدقةٍ نُخرجها، فيحكى عنها، أما الصيام، فلا يطّلع عليه إلا الله، فهو عبادة القلب قبل الجسد، عبادةٌ يتجلى فيها الإخلاص بأبهى صوره، بعيدًا عن أعين الناس.
فما أشد حاجتنا في هذا الزمن إلى الإخلاص، إلى أن تكون أعمالنا لوجه الله، لا لثناء الناس، ولا لمدح العباد. كم من يدٍ تصدّقت لا لوجه الله، بل ليُقال عنها “كريمة”، وكم من صلاةٍ أُديت ليقال “عابد”، وكم من علمٍ طُلب ليقال “عالم”! لكن، أي قيمةٍ لعبادةٍ لم تصعد إلى السماء؟ وأي ثوابٍ لعملٍ لم يُرفع إلى الله؟ إنما القبول حيث يكون القلب سليما، والنية صادقة، فلا نزيِّن ظاهرنا نحن غافلين عن باطننا، فإن الله ينظر إلى قلوبنا قبل أفعالنا. ورمضان فرصةٌ عظيمة لإعادة تصفية النوايا، لتجديد العهد مع الله، بأن نعبده وحده، لا طمعًا في مدح، ولا خوفًا من لائمة، بل حبًا وطاعةً وخضوعًا. فلنخلص في صيامنا لكيلا يكون جوعا وعطشا، بل ليكون طهارةً لقلوبنا، وتدريبًا على مراقبتنا لأعمالنا.
يا إخلاص القلوب..
كم أبحث عنك بين زوايا نفسي، وأتساءل: هل أخلص في صلاتي أم أنني مرائي؟ هل وجهت لله دعائي ، أم في اللحن بالغت لأعجب الناس بغبائي؟ هل طُهر يدي في عطائها، أم رغبة شكر الناس في رجائها؟
يا سرّ العابدين، ويا زاد الصادقين، كن رفيقي في رمضان، وفي كل حين، فأنا لا أريد عملًا يُقال عنه حسن، بل مقبول وعند الله موطن.
ختاما فلتجعل قلبك محراب الإخلاص، فرمضان هو فرصةٌ لتنقية العبادة من شوائب الدنيا، وهو موسمٌ لمن أراد أن يعبد الله كما يحب، لا كما يحب الناس. فطهر قلبك، وأخلص نيتك، فكل ما هو لغير الله، يذهب أدراج الرياح، أما ما وُضع في ميزان الإخلاص، فهو الباقي. فاللهم اجعل أعمالنا خالصةً لوجهك، لا نبتغي بها إلا رضاك، ولا نطلب فيها إلا القبول عندك.

هشام فرجي
هشام فرجي

هشام فرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *