الرئيسيةالأولىسلسلة : شذرات رمضانية 5. الجوع في رمضان.. حين يجوع الجسد لتشبع الروح

سلسلة : شذرات رمضانية 5. الجوع في رمضان.. حين يجوع الجسد لتشبع الروح

رمضان

يا نفس، أما آن لك أن تذوقي الجوع طواعية، قبل أن تجوعك الدنيا كرها؟ أما آن لك أن تفهمي أن الحرية ليست في الامتلاء والشهوات، بل في القناعة والتخلي؟

ها هو رمضان يطرق الأبواب، فنترك الشهوات، ويهدأ الضجيج، وينكشف للروح عالم لم تكن تراه وسط زحام الامتلاء. الجوع ليس موتًا، بل ميلادٌ جديد. ليس ضعفًا، بل قوة. ليس حرمانًا، بل بوابةٌ إلى إدراك ما لم يكن يدركه القلب حين كان ممتلئًا.

قد يتساءل البعض: لماذا فرض الله علينا الجوع؟ أليس بالإمكان تحقيق العبادة دون هذا العناء؟ لكن المتأمل في حكمة الصيام، يدرك أن الجوع ليس هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لتزكية النفس، وتهذيبها، وإيقاظها من سباتها.
قال النبي ﷺ: “إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع”. فالصيام يُضعف نوازع النفس، ويجعل الروح أكثر شفافية، وأكثر استعدادًا لاستقبال أنوار الحق.

فيا قلب، لا تخف من الجوع، بل خف من أن تكون ممتلئًا بالدنيا فارغًا من المعنى!.

ففي زحمة الحياة، نعيش لنأكل، ونأكل لنعيش، حتى أصبح الطعام متعة تُلهي، وشهوة تستعبد. لكن رمضان يقلب المعادلة، فيجعل الجوع وسيلة للتحرر من سجن الجسد، والانتصار على الشهوات. فقد كان الصحابة يربطون بطونهم بالحجارة من شدة الجوع، لكنهم كانوا أغنياء الأرواح، أغنياء القلوب، يملكون الدنيا في أيديهم، ولا تملكهم هي.

إن جوع رمضان يُعيد ترتيب الأولويات، ويُذكِّر الإنسان بأن الحياة ليست طعاما وشرابا فقط، بل هي روح تبحث عن معناها، وقلب يفتش عن سكينته.لذا يأتي رمضان ليعلمنا الكثير:
1. الجوع يعلمنا الصبر: فهو مدرسة الاحتمال، ودليل على أن الإنسان أقوى مما يظن، وأن شهواته لا يجب أن تتحكم به.
2. الجوع يوقظ فينا الإحساس بالآخر: كيف نشعر بمعاناة الفقراء، ونحن لم نجرب الجوع يومًا؟ رمضان يجعلنا نعيش لحظة من حياتهم، ونتذوق مرارة الحرمان التي يعانونها طيلة العام.
3. الجوع يكشف ضعف الإنسان: فمع كل آذان مغرب، يدرك الصائم أنه كان عاجزا عن تناول قطعة خبز، أو جرعة ماء امتتالا لأوامر لله، رغم قوته وماله وجاهه. إنها رسالة تواضع، تذكره بأنه عبد ضعيف أمام قدرة الله.

فحين يجوع الجسد، تصحو الروح، وحين تصحو الروح، يعرف الإنسان حقيقته. فيا أيها الجائع في رمضان، لا تأس على جوعك، ولا تتحسر على مائدتك المؤجلة، بل انظر في مرآة روحك، واسألها: هل شبعت بعدما جاع الجسد؟

هشام فرجي
هشام فرجي

هشام فرجي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *