الرئيسيةالأولىحلقات رمضان وكتاب: – الحلقة 5 الفلسفة النسوية

حلقات رمضان وكتاب: – الحلقة 5 الفلسفة النسوية

الفلسفة النسوية
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
من تأليف :د عزيز الهلالي
إن غاية الفلسفة النسوية، هو إعادة قراءة تاريخ الفلسفة للوقوف عند هول الإقصاء الذي يمارسه الخطاب الفلسفي الذكوري. لعله خطاب يضفي على ذاته صور الألوهية ويقذف بالآخر نحو مراتب العبيد والأطفال والمجانين. يستعيد الخطاب الفلسفي التقسيم الأفلاطوني: المقدس في مقابل المدنس، المعقولات في مقابل المحسوسات…والمدنس ليس شيئا آخر، سوى جسد المرأة يتعقبه الكون والفساد.أما المقدس، فإنه يمثل جوهرية الروح الذكورية الخالدة.
تتكثف، في ظل هذه التقسيمات، صور الاحتقار والتبسيط والاختزال. فدور المرأة في الجمهورية الأفلاطونية هو دور الحراسة، حيث تمارسها المرأة تحت أيقونة الـعُرْي والمشاعة. يقول أفلاطون بلسان سقراط إن”نساء محاربينا يجب أن يكن مشاعا للجميع. فليس لواحدة منهن أن تقيم تحت سقف واحد مع رجل بعينيه منهم. وليكن الأطفال أيضا مشاعا، بحيث لا يعرف الأب ابنه ولا الابن أباه”. وبهذا المنطق لا نترقب بالمدينة، بعد التدمير الذي لحق بجسد المرأة وممارسة الإجهاز على الوحدة الأسرية، سوى كائنات ذكورية قوية.
تبدأ مشكلة الوجود عند اختزال الذات في صور مفارقة ومتعالية. أما وأن المشكلة تأخذ أبعادا متدرجة في التعقيد، فإن وجود الآخر رهين بسياسة نبذ كائن غير مرغوب في تعبيراته ومشاعره وأفعاله. فهذه المفارقة الانطلوجية، جعلت من المرأة كائن مسترجل يقوم بحراسة الدولة بجسد عاري، للدلالة على التماهي وغياب الفوارق بين جسد المرأة وجسد الرجل.
تمتد معالجة هذه المفارقة لدى أرسطو حينما ينعت المرأة بكونها “ذكر غير شرعي”. فقد قامت فلسفة أرسطو على علاقة تراتبية بين المادة والصورة. ويمكن تصور هذه العلاقة اللامتوازنة بين المادة والصورة، بمثابة الإطار التصوري للميتافزيقا والسياسة والبيولوجيا الأرسطية. ففي كتابه (Generation of Animals) يميز أرسطو بين “مبادئ الذكورة والأنوثة من خلال التناقض القائم بين الصورة والمادة”. فهذا التمييز يعكس نقصا للخاصيات العقلية للمرأة (المادة) في مقابل الاكتمال والقوة الذهنية التي يمتلكها الرجل (الصورة).ومن ثمة، فإن المادة تتشوق وتتوق إلى الصورة. إن “المفاهيم الفلسفية الأرسطية عن الحركة والمتحرك، أو الوجود بالقوة أو الوجود بالفعل، مثلها مثل فكرة الهيولة والصورة ، وفكرة الوظيفة التي استخدمها أرسطو كلها في التمييز بين الذكر والأنثى، ونظريته في الاختلاف بين الجنسين معزولة بطريقة تجعلها متسقة مع نسيج فلسفته، وليس من اليسير فصلها عن بقية المذهب”.
هذه الصورة التي تنم عن كراهية المرأة، تتسلل عبر الموروث الأرسطي والأفلاطوني إلى ثنايا الفلسفة الغربية.وهناك يتماهى الجانب الفلسفي مع التأويلات الدينية ليضفيا على الفضاء الخاص كل أشكال الاحتقار والإبعاد، حيث يمتلئ مفهوم الأنوثة بكل الدلالات الإيديولوجية والميتافيزيقيا التي تقوم على نسق من القواعد والأدوار الاجتماعية. وهذا ما تؤكده العقيدة الارثذوكسية المسيحية عندما تنطلق من تأويلات توما الإكويني، فإنها تضع المرأة في المراتب السفلى اجتماعيا وطبقيا وذهنيا.ويستقي هذا الاصطفاف شرعيته من وحي إلهي، ذلك أن “الله خلقها من أجل حفظ النوع”. ينزع توما الإكويني عن المرأة كل ما يتصل بحقها في التربية والتعليم والمساواة وتدبير الشؤون السياسية…فالمرأة كائن لإنتاج النوع الطبيعي.وبما أنها اقترفت الخطيئة الأصلية فإن “وجودها في ذاته يعد مشكلة”. فالسؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو: هل يمكن القبض على تأويل نص ديني بمعزل عن روحه الميتافيزيقية ؟

أمينة بنونة
أمينة بنونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *