الرئيسيةالأولىمقالة: هل المخزن شخصية روائية؟

مقالة: هل المخزن شخصية روائية؟

صورة رمزية تجسد المخزن المغربي داخل قصر ملكي فاخر، حيث يقف ظل غامض في المقدمة، محاطًا بأعمدة وزخارف عربية، بينما تتلاشى شخصيات تاريخية في الخلفية، مما يرمز إلى تعقيد السلطة والصراع السياسي.
على هامش اللقاء الثقافي الذي نظمته مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد حول رواتي: الباشادور لحسن أوريد و عشت ثلاثمائة سنة لمحمد حبيدة ،أسجل هنا مجموعة من الملاحظات،إليكم أهمها:
*عنوان الندوة “المخزن كشخصية  روائية”:
كما هو معروف في الأدبيات النقدية الحديثة،الغربية منها خصوصا(الفرنسية،الانجليزية، الروسية والألمانية )فإن مفهوم الشخصية personnage مفهوم سردي حكائي تجسده شخصية personne بشرية(انسان)تقوم بدور سردي داخل النص القصصي أو الروائي أو الحكائي عموما.وهذا الدور يتفاوت حسب المدارس النقدية،فيسمى(الفعل) أو القيام بالحدث، ويصنف دورا عابرا أو ثانويا أو رئيسا حسب أهميته داخل المنظومة السردية فتكون الشخصية أيضا عابرة أو ثانوية أو رئيسة أو حتى بطلة ان هيمنت على الأحداث وحضرت بقوة فيها.
ومن اهم أدوار الشخصية السردية أن تقوم بوظيفتين: وظيفة الفعل،أي القيام بالأحداث، وهي وظيفتها الأساس،وكل الشخصيات وبمختلف انواعها تقوم بذلك.
ووظيفة السرد اي تقوم بدور السارد أو الراوي للأحداث من منظور الرؤية مع(الرؤية المصاحبة).
وعندما يكون القائم بالحدث أو المحرك له ليس عنصرا بشريا(ليس رجلا أو امرأة أو طفلا….)، ويكون عبارة عن فكرة أو قيمة أو عنصر طبيعة أو حيوانا أو شيئا ماديا أو معنويا، فإنه لا يسمى شخصية وإنما(قوة فاعلة). وهكذا أصبحنا نتحدث عن مفهوم شامل هو القوى الفاعلة داخل السرد: قوى بشرية(الشخصيات)،وقوى غير بشرية(باقي العناصر التي اشرنا إليها ).
ولتوضيح هذا التصور نتوقف عند نموذج لمجموعة قصصية مغربية رائدة لمبدع رائد هو عبد المجيد بنجلون،إنها “وادي الدماء” التي وظفت انواعا من القوى الفاعلة البشرية(جند المستعمر/عائشة/….) وغير البشرية مثل البركة التي كانت تغتال المحتلين،فالبركة هنا تقوم بفعل أو حدث هو قتل المحتلين(ورمزيته هنا واضحة) وهو ما كانت تقوم به عائشة أيضا (بواقعية ).
انطلاقا من هذا النقاش المبسط أسجل بان اختيار العنوان(المخزن كشخصية روائية) التبس عليه الفرق بين الشخصية والقوة غير البشرية.فكيف يمكن أن نبين ذلك؟
الأمر بسيط وذلك بالعودة إلى معنى(المخزن)؟هل هو شخصية ام شخصيات؟ هل هو قوة غير بشرية أو قوى غير بشرية؟ ما مظاهر ذلك؟
*مفهوم المخزن:
المخزن هو مصطلح تاريخي وسياسي وإداري يستعمل في المغرب لوصف المؤسسة الحاكمة للدولة، حسب بعض الدراسات بدأ مع السعديين. ويحيل المصطلح إلى مجموعة من المؤسسات والشخصيات التي كانت تمارس السلطة باسم السلطان أو الملك.
أصل الكلمة ومعناها:
كلمة “المخزن” مشتقة من الفعل “خزن” بمعنى جمع وحفظ، وتشير في الأصل إلى المكان الذي كانت تُجمع فيه الأموال والضرائب. ومع مرور الوقت، اتسع استخدام المصطلح ليشمل المؤسسة الحاكمة بأكملها، باعتبارها المسؤولة عن جمع وتدبير موارد الدولة.
و يمكن فهم المخزن على أنه نظام حكم هرمي، يترأسه السلطان أو الملك، ويضم مجموعة من الشخصيات والمؤسسات التي تمارس السلطة باسمه. وقد شملت هذه المؤسسات، على سبيل المثال، الصدر الأعظم، والوزراء، وكتاب الدولة، وقادة الجيش، وشيوخ القبائل.وكما قال “باحماد”: المخزن مثل الخيمة لابد له من حمار(بتشديد الميم)/عمود فقري  تقوم عليه واوتاد تشدها إلى الارض”
انطلاقا من هذا التعريف المختصر يظهر أن “المخزن” مفهوم يدل على نظام حكم ارتبط بالسلاطين المغاربة منذ عهد الدولة السعدية، فهو يرمز لقيمة سياسية تقوم على تجسيد السلطة بشكل هرمي،و تتمثل هذه السلطة في مجموعة من الطقوس والمراسيم والإجراءات والشخصيات المخزنية التي تقوم بادوار إدارية وعسكرية و ديوانية واجتماعية-قبلية….منظومة من العلاقات الاخطوبوطية التي تمكن الحاكم من نسج علاقاته السياسية والتحكم فيها أو عدم التحكم كما وقع في الكثير من الظروف التاريخية المضطربة داخل المخزن المغربي.
من هذا المنطلق نتأكد بأن المخزن المغربي أكبر من شخصية لأنه قوى بشرية وغير بشرية متعددة ومختلفة وهو لا يمثل طرفا واحدا بل يتجسد في الشخصيات المخزنية وعلى رأسها السلطان، وقواد جيشه وأعيان القبائل التابعة والموالية له؛ وكتاب دواوينه ومستشاروه…بالاضافة لهذا فالمخزن سلطة وحكم وقيم سياسية تقليدية و فكر- بغض النظر عن قيمته- وصراع درامي على الحكم(قد يصل إلى مستوى التصفية والاغتيال….)،ومؤامرة ومناورةوتدين وتهتك… كل هذا يجعل من حضور المخزن في روايات،مثل روايات أوريد أو غيره، شبكة من القوى الفاعلة التي تقوم بالأحداث وتتحرك داخل الفضاء عبر لغة تتنفس عبق التاريخ(الإعتماد على يوميات الباشادور ومحاكاة لغة عصره).
ورغم إنكار اوريد لأهمية المخزن كشخصية،فإن الحقيقة غير ذلك. فإن ابتعدنا قليلا عن مفهوم المخزن وعوضناه بحاشية البلاط فاننا سنجد شخصيات من البلاط أو تابعة له حاضرة في “الباشادور “وفي “ربيع قرطبة” بحيث يصبح المكان السلطاني(والمخزني ايضا)هو البطل في الروايتين. فالقصر وما يقع داخله من أحداث وأفعال تقوم بها شخصيات تتنفس السلطة وتاكلها وتشربها وتسكن دمها وقد تودي بها إلى التهلكة. وهنا أيضا يمكن أن يصبح المكان بطلا/قوة فاعلة غير بشرية.
فما سر الحضور المتكرر للمكان السلطاني /السلطوي(المخزني) في روايات حسن اوريد؟وما علاقته بالتجربة الشخصية للكاتب؟
صرح اوريد في أكثر من مناسبة بأنه خريج المدرسة المولوية وأنه درس بها وتلقى تربية خاصة(تربية رسمية يتلقاها الأمراء والأميرات في جناح من القصر الملكي هو المدرسة المولوية). هذه التربية تجعل متلقيها ضمن نخبة ملكية أو مخزنية من خريجي هذه المؤسسة التي كانت تجمع بين التعليم التقليدي والعصري وخصوصا اللغات(العربية والفرنسية واللتان تفوق فيهما الكاتب).
ونعلم أن نخبة المدرسة المولوية من جيل الكاتب -معظمهم على الأقل-قد حصلوا على مناصب عليا في الدولة ومكانة رفيعة في المخزن الجديد، ومنهم ذ.اوريد الذي اعتبر مثقفا مخزنيا تقلب في مناصب عدة منها:دبلوماسية، وادارية(والي) وسياسية (مؤرخ القصر والناطق الرسمي باسم القصر الملكي). وبذلك فأوريد هو جزء من بنية المخزن الجديد، ويعرف جزءا مهما من بنيته لأنه عاش داخلها،إلا أنه لم يكن من النافذين المقربين،ويظهر ذلك من خلال بعض الوقائع التي حكاها على لسانه(ما وقع له مع بنعيسى- اعفاؤه من مهام داخل القصر وابعاده إلى مكناس ثم اعفاؤه من الولاية و معاناته لمدة طويلة إلى أن أختار طريقه الجديد كما ورد في رواء مكة).
بعد خروج أو طرد(لا نعرف بالضبط ماذا وقع على وجه التحديد!) أوريد من عالم المخزن اختار طريقا جديدا: البحث الاكاديمي،التدريس الجامعي والتحليل السياسي وأخيرا الكتابة الابداعية الروائية دون ان ننسى انه يكتب الشعر ايضا.وهنا ستحدث المفارقة: الأستاذ الباحث الذي يتموقع في معسكر الحداثة والفكر النقدي ستطارده صورة المثقف المخزني الذي خدم سنوات في ظل مؤسسات رسمية. واصبح هذا يضر بقيمة تحليلاته ويعرضه لهجوم بعض الاطراف التي استصغرت أن يتحول من ممثل للمخزن إلى متمرد عليه.
وظل الرجل يدافع عن موقعه الجديد وفرض نفسه كباحث في العلوم السياسية من خلال كتاباته الفكرية: الإسلام والغرب والعولمة، تلك الاحداث؛مرآة الغرب المنكسرة؛ الإسلام في الميزان السياسي حالة المغرب ،الشعبوية…بالاضافة بناء صورته كروائي باصداره لعدة روايات (حوالي عشر  روايات).
و ظل  الهاجس هو نقد “المخزن”تصريحا أو تلميحا”،بل يشير البعض إلى وجود “تصفية حساب “بين اوريد وباقي نخبة المدرسة المولوية لأسباب منها:
– تسرب على لسانه ولسان غيره أنه كان متفوقا في دراسته داخل المدرسة المولوية(متفوقا عن من؟).
– هذا التفوق لم يضمن له مكانة أفضل من الذين كان يتفوق عليهم!
– الذين كانوا معه نالوا مكانة أرقى وأفضل في هرمية المخزن وظل هو في الصف الثاني أو الثالث.
– المهام التي أسندت إليه كانت مفرغة من أية قيمة وبدون سلطة أو مكانة.
– تجنبه دائما ذكر زملائه في المدرسة المولوية خاصة النافذين لاحقا في الدولة.
– التوظيف الرمزي في الكثير من  رواياته للشخصية المظلومة رغم امتلاكها للثقافة في مقابل شخصيات انتهازية سطحية.
– انتقاده الواضح لبنية الحكم السلطاني والكشف عن تناقضاته الداخلية(ربيع قرطبة والباشادور ).
– الصراع بين المثقف المخزني والمثقف العضوي يجسد مفارقة فكرية في كتاباته الإبداعية والفكرية.
فمتى يتخلص حسن اوريد من صورته القديمة ويتمكن من عيش تجربته الجديدة في استقلال عن ماضيه المخزني ؟
بلا شك حين يبحث عن مواضبع جديدة بعيدة عن تاريخ المخزن مثل ما فعل في “الموتشو”.لا بد من قتل الأنا المخزني الذي يولد عقدة الانتقام والثار ليولد الأنا الجديد كعنقاء تنبعث من رمادها البارد. ذلك هو التحدي الذي ينتظر الذاكرة المشروخة!

عبده السمكاني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *