تابعت بالمركز الثقافي للمدينة، منذ اليوم الأول للدورة 12 لمهرجان زاكورة الدولي العربي الإفريقي للفيلم الوثائقي (18- 21 نونبر 2024)، كل عروض المسابقة الرسمية، التي شاركت فيها أفلام بلغ عددها 27، وهي قادمة من النرويج ونجيريا والسويد وغينيا والمغرب وكندا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسلاندا والعراق/سويسرا وسلطنة عمان والمملكة المتحدة والبحرين وزامبيا وفينيزويلا.
وقد أعجبت بمجموعة من الأفلام أكثر من غيرها من بينها أساسا الفيلم النرويجي “ليف أولمان.. طريق أقل حركة” (102 د)، للمخرج الهندي المقيم بلندن دهيراج أكولكار، والفيلم الأمريكي “أوركيسترا هارفارد- كليف.. اللعب بعقول مذهلة” (26 د) لروث ستريتر.
يسلط الفيلم الأول الكثير من الأضواء على أعمال الممثلة الكبيرة ليف أولمان ومواقفها الإنسانية النبيلة عبر تتبع لمراحل من حياتها ومسيرتها الفنية من خلال استجوابها وعرض مقاطع من أفلامها وتقديم شهادات في حقها وما يتخلل ذلك من صور ثابتة ومتحركة (من الأرشيف) تصاحبها مقاطع موسيقية منتقاة بعناية، كل ذلك في تناغم وانسجام بين مختلف عناصر بناء السرد الفيلمي بشكل ممتع لا يبعث على الملل رغم تجاوز مدة الفيلم ساعة ونصف.
وقد توج هذا الفيلم في حفل الإختتام، مساء الخميس 21 نونبر 24، بجائزتين: الجائزة الكبرى وجائزة الجمهور.
أما الفيلم الثاني، فرغم قصره، نجح طاقمه في إمتاعنا بمقاطع موسيقية من عزف أركسترا جامعة هارفارد الأمريكية الشهيرة المكونة من طلبة من مختلف التخصصات العلمية بقيادة المايسترو فيديريكو كورطيس، الذي حضر إلى زاكورة ليمثل فريق الفيلم، وقد تضمن هذا الفيلم الجميل رسالة مفادها أن الموسيقى ضرورية بالموازاة مع التكوين الأكاديمي لأنها تهذب الروح وتدعو إلى التسامح والتقارب بين البشر بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والدينية والثقافية وغيرها.
وقد استحق هذا الفيلم عن جدارة جائزة لجنة التحكيم الخاصة، التي منحتها إياه لجنة ثلاثية الأعضاء ترأسها الممثل والمخرج المغربي إدريس الروخ وشاركت في عضويتها الباحثة الأنتروبولوجية كريستينا ساسيانيس والمخرج الإسلاندي انجو ارناسون.
باقي الجوائز، التي أعلنت عنها لجنة التحكيم الرسمية المشار إليها أعلاه، جاءت على الشكل التالي:
جائزة المونطاج: حصل عليها الفيلم الإسلاندي “مطاردة الزمن” (39 د) لسارة كيو وجيف أورلوفسكيانج.
جائزة الشباب: كانت من نصيب الفيلم المغربي “اغتيال” (52 د) لياسين أيت فقير.
جائزة خاصة: نالها الفيلم الأنجليزي “نهر مندنهال الجليدي” (9 د) لكيفن فيليبس وصوفي هيل.
أما جائزة المغرب، وهي من اختيار ضيوف شرف المهرجان، فقد منحت للفيلم المغربي “بيت الشعر” (27 د) لمليكة ماء العينيين.
تجدر الإشارة إلى أن برنامج هذه الدورة الجديدة للمهرجان قد شمل، إلى جانب عروض المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة والطويلة والمتوسطة، معرضا لعينة من اللوحات التشكيلية للفنان محمد بنور ولقاء مفتوحا مع الممثل القدير سعيد باي وتوقيعا لنسخ من سلسلة الكتب التوثيقية “وجوه من المغرب السينمائي” وعرضا في حفل الإفتتاح للفيلم الإيطالي “لافيلينيت” مسبوقا بكلمة تقديمية لمخرجته فرانشيسكا فابري فيلليني، إبنة أخت المخرج الكبير فيديريكو فيلليني (1920- 1993)، كنوع من التكريم لروحه ولذكراها معه منذ كان عمرها حوالي ست سنوات، وزيارات سياحية لنواحي زاكورة للتعرف على بعض معالمها وفضاءاتها الصحراوية الجميلة، وعروض في الهواء الطلق وسهرات موسيقية ووصلات من الفولكلور المحلي (فرقة الكدرة نموذجا)، وتكريمات حفل الإفتتاح (سفير النرويج، العداء أحنصال، المخرج إدريس الروخ، المدير الإقليمي لقطاع الثقافة، الممثل سعيد باي) وورشة تكوينية لفائدة مجموعة من التلاميذ من تأطير السينمائيتين زينب الشفشاوني وصفاء المهوس، وغير ذلك.
وما أعجبني أكثر هو مواضبة الضيوف الأجانب على مشاهدة الأفلام والتزام إدارة المهرجان بتنفيذ البرنامج المسطر وتألق المنشط حاتم عبد الغفور في الترجمة بعفوية وسلاسة ملحوظتين من الأنجليزية إلى العربية ومن العربية إلى الأنجليزية أثناء تقديمه للأفلام والسهرات وتنشيط حفلي الإفتتاح والإختتام.
وإذا أضفنا إلى كل ما سبق حفاوة استقبال وكرم أهل زاكورة وعلى رأسهم أطر الجمعية المنظمة (جمعية الفيلم الوثائقي بزاكورة) برئاسة الشاب هشام باحفيظ (رئيس المهرجان) وإلى جانبه المديرة الفنية للمهرجان، الإيطالية دوميتيلا روفو دي كالابريا، ودعم المجالس المنتخبة والسلطات المحلية وبعض المستشهرين وغيرهم، يمكن القول أن دورة هذه السنة كانت ناجحة بدرجة كبيرة، رغم عدم استفادة منظميها من الغلاف المالي المخصص لدعم تنظيم المهرجانات السينمائية بالمغرب.
أحمد سيجلماسي