يتناول المخرج ياسين فنان في فيلمه السينمائي الروائي الطويل الثاني “التدريب الأخير”، الذي عرض مساء أمس ضمن المسابقة الرسمية للدورة 24 من المهرجان الوطني للفيلم المغربي، مسألة الإبداع في المسرح والمشاكل التي يتعرض لها أعضاء فرقة مسرحية قبل زمن قصير من انطلاق العرض الأول والخاص لمسرحيتهم المقتبسة عن عمل جون جوني “الخادمات”، والذي سيكون بحضور عيِّنَة من الجمهور وبعض من دَاعِمِي المسرحية.
أخرج ياسين فنان فيلمه هذا انطلاقا من سيناريو كتبه نبيل المنصوري الذي يؤدي أيضا دور مخرج المسرحية، الشخصية الرئيسية بالفيلم العصبية والهستيرية، الذي يعيش صراعات نفسية داخلية طيلة لحظات الفيلم تجعله متوترا باستمرار وخالقا مشاكل مع الآخرين خصوصا الممثلتين الرئيسيتين بالمسرحية، وحتى باقي أعضاء الفرقة الذين لم يعودوا قادرين على استحمال عصبيته الزائدة والتي تفسد أجواء العمل. فيما مُساعد المخرج الكهل المُتَعقِّل يَخلق التوازن في مقابل شطط المخرج الشاب، ويحاول احتواءه بحكمة إنسان خَبرَ الحياة ومشاكلها، مُستطيعا أن يجعل المسرحية تُعرض في توقيتها المضبوط رغم كل المعوقات.
نص جيد
اعتمادا على نص مكتوب بشكل جيد وشخوص مُرَكَّبَة ومبنية بحرفية درامية وذات مرجعيات مسرحية، استطاع ياسين فنان أن يضبط إيقاع فيلمه الذي تتراكم فيه الأحداث ويتأزم فيه الصراع بين الشخوص بالتدريج حتى يحدث الإنفجار الذي يسبق لحظة العرض المسرحي، الذي كنا قد شاهدنا التدريب على مشهد منه في بداية الفيلم، من خلال لقطة ثابتة وكأننا في عرض مسرحي نشاهد المسرحية من داخل قاعة المسرح. فيما سنُشاهد نفس المشهد مرة أخرى بشكل مختلف يَسْتخْدِم فيه المخرج المونطاج بشكل مكثف للتركيز على تعابير وجْهَيْ الممثل والممثلة في لقطات مقربة، بعد أن تُقَرِّرَ الممثلة الرئيسية مغادرة الفرقة ليضطر المخرج العودة للتمثيل الذي تركه من أجل الإخراج، ليُؤَدِّيَ دور السيدة في المسرحية بحرفية نالت تصفيق الجمهور النوعي الحاضر في قاعة المسرح، حيث دارت كل أحداث الفيلم في فضاء مغلق. هذا المشهد الأخير الذي يذكرنا بفيلم “فينوس في الفراء” (2013) لرومان بولانسكي، الذي تدور أيضا كل أحداثه داخل قاعة المسرح، وحيث كما في فيلم ياسين فنان نصل للحظة تختلط فيها أحاسيس الممثلين بأحاسيس الشخصيات فلا نعود ندري هل ما نشاهده هي الشخصية أم الشخص الذي يؤديها، لينتهي الفيلم على لقطة لا تحتمل تأويلا واحدا ووحيدا فقط، إذ لا ندري هل مانراه تمثيلا أم حقيقة وهل مات الممثل/المخرج، أم أنه وصل فقط لدرجة التماهي والتقمص القصوى على خشبة المسرح.
فيلم ممثلين
يمكن القول أن “التدريب الأخير” فيلم ممثلين، بحيث حَمَلَ الممثلون والممثلات، الآتون بدورهم من المسرح الفيلم على أكتافهم واستطاعوا بإدارة جيدة من المخرج التوقيع على فيلم يُكَرِّم المسرح ويُعِيدُ الاعتبار لفنانيه، من خلال التركيز على معاناتهم الإبداعية وهم يحاولون صناعة فن جيد لم يَعُد له جمهور كبير بالمغرب كما كان في الماضي.
فكل الممثلين كانوا جَيِّدين ابتداء من نبيل المنصوري في دور المخرج ثم حسناء طمطاوي وجميلة الهوني في دَوْرَيْ الممثلتين المسرحيتين، واللتين تجاوزتا نَفْسَيْهِمَا بالتَّلوُّنِ بين الأداء المسرحي وهُنَّ فوق خشبة المسرح، ثم وهن تتقمَّصْن شخصيتي الممثلتين في حياتهما خارج التمثيل، إضافة لعبد الإله عاجل وبثينة اليعقوبي والآخرين.
التخلص من الشوائب
في هذا الفيلم انتقل ياسين فنان لمستوى آخر في الإخراج، بِمَشَاهِدَ مأخوذة بكاميرا محمولة وبحركات عصبية تُطارد وتُحاكي عصبية الشخصية الرئيسية في لحظات تَوتُّرها، بموازاة مع لقطات ثابته حين يتعلق الأمر بالشخصيات الأخرى الهادئة كشخصية مساعد المخرج.
المَشَاهِدُ التي يتخيل فيها المخرج نفسه وهو يحاور طفلا، كانت تعبيرا عما تَبَقَّى من براءة داخله، وُظِّفَتْ للغوص في أعماق نفسية الشخصية وصراعها الداخلي، للموازنة بين براءتها وما يفرضه عليها الواقع الضاغط والبئيس والصعب.
في هذا الفيلم استطاع ياسين فنان أن يتخلص أخيرا من شوائب الإشتغال لسنوات طويلة في الدراما التلفزيونية، بإخراجه لمسلسلات نالت المُتابعة الجماهيرية، ليكون فيلم “التدريب الأخير” ثاني تجربة إخراجية له في السينما بعد فيلمه الروائي الطويل الأول “كاريان بوليود” (2014)، من خلال إنجاز فيلم لايَحْضُر فيه هَمُّ الإنتشار الجماهيري بقدر ما تُطالِعُنا أثناء مشاهدته الرغبة في إنجاز عمل سينمائي مُتَميِّز به رؤية مختلفة، ساهم فيه ثلة من الفنانين كتابة وتمثيلا وإخراجا، يَمْتَحُ من المسرح ويُكَرِّم نساءه ورجاله ونضالهم الفني.
أخرج ياسين فنان فيلمه هذا انطلاقا من سيناريو كتبه نبيل المنصوري الذي يؤدي أيضا دور مخرج المسرحية، الشخصية الرئيسية بالفيلم العصبية والهستيرية، الذي يعيش صراعات نفسية داخلية طيلة لحظات الفيلم تجعله متوترا باستمرار وخالقا مشاكل مع الآخرين خصوصا الممثلتين الرئيسيتين بالمسرحية، وحتى باقي أعضاء الفرقة الذين لم يعودوا قادرين على استحمال عصبيته الزائدة والتي تفسد أجواء العمل. فيما مُساعد المخرج الكهل المُتَعقِّل يَخلق التوازن في مقابل شطط المخرج الشاب، ويحاول احتواءه بحكمة إنسان خَبرَ الحياة ومشاكلها، مُستطيعا أن يجعل المسرحية تُعرض في توقيتها المضبوط رغم كل المعوقات.
نص جيد
اعتمادا على نص مكتوب بشكل جيد وشخوص مُرَكَّبَة ومبنية بحرفية درامية وذات مرجعيات مسرحية، استطاع ياسين فنان أن يضبط إيقاع فيلمه الذي تتراكم فيه الأحداث ويتأزم فيه الصراع بين الشخوص بالتدريج حتى يحدث الإنفجار الذي يسبق لحظة العرض المسرحي، الذي كنا قد شاهدنا التدريب على مشهد منه في بداية الفيلم، من خلال لقطة ثابتة وكأننا في عرض مسرحي نشاهد المسرحية من داخل قاعة المسرح. فيما سنُشاهد نفس المشهد مرة أخرى بشكل مختلف يَسْتخْدِم فيه المخرج المونطاج بشكل مكثف للتركيز على تعابير وجْهَيْ الممثل والممثلة في لقطات مقربة، بعد أن تُقَرِّرَ الممثلة الرئيسية مغادرة الفرقة ليضطر المخرج العودة للتمثيل الذي تركه من أجل الإخراج، ليُؤَدِّيَ دور السيدة في المسرحية بحرفية نالت تصفيق الجمهور النوعي الحاضر في قاعة المسرح، حيث دارت كل أحداث الفيلم في فضاء مغلق. هذا المشهد الأخير الذي يذكرنا بفيلم “فينوس في الفراء” (2013) لرومان بولانسكي، الذي تدور أيضا كل أحداثه داخل قاعة المسرح، وحيث كما في فيلم ياسين فنان نصل للحظة تختلط فيها أحاسيس الممثلين بأحاسيس الشخصيات فلا نعود ندري هل ما نشاهده هي الشخصية أم الشخص الذي يؤديها، لينتهي الفيلم على لقطة لا تحتمل تأويلا واحدا ووحيدا فقط، إذ لا ندري هل مانراه تمثيلا أم حقيقة وهل مات الممثل/المخرج، أم أنه وصل فقط لدرجة التماهي والتقمص القصوى على خشبة المسرح.
فيلم ممثلين
يمكن القول أن “التدريب الأخير” فيلم ممثلين، بحيث حَمَلَ الممثلون والممثلات، الآتون بدورهم من المسرح الفيلم على أكتافهم واستطاعوا بإدارة جيدة من المخرج التوقيع على فيلم يُكَرِّم المسرح ويُعِيدُ الاعتبار لفنانيه، من خلال التركيز على معاناتهم الإبداعية وهم يحاولون صناعة فن جيد لم يَعُد له جمهور كبير بالمغرب كما كان في الماضي.
فكل الممثلين كانوا جَيِّدين ابتداء من نبيل المنصوري في دور المخرج ثم حسناء طمطاوي وجميلة الهوني في دَوْرَيْ الممثلتين المسرحيتين، واللتين تجاوزتا نَفْسَيْهِمَا بالتَّلوُّنِ بين الأداء المسرحي وهُنَّ فوق خشبة المسرح، ثم وهن تتقمَّصْن شخصيتي الممثلتين في حياتهما خارج التمثيل، إضافة لعبد الإله عاجل وبثينة اليعقوبي والآخرين.
التخلص من الشوائب
في هذا الفيلم انتقل ياسين فنان لمستوى آخر في الإخراج، بِمَشَاهِدَ مأخوذة بكاميرا محمولة وبحركات عصبية تُطارد وتُحاكي عصبية الشخصية الرئيسية في لحظات تَوتُّرها، بموازاة مع لقطات ثابته حين يتعلق الأمر بالشخصيات الأخرى الهادئة كشخصية مساعد المخرج.
المَشَاهِدُ التي يتخيل فيها المخرج نفسه وهو يحاور طفلا، كانت تعبيرا عما تَبَقَّى من براءة داخله، وُظِّفَتْ للغوص في أعماق نفسية الشخصية وصراعها الداخلي، للموازنة بين براءتها وما يفرضه عليها الواقع الضاغط والبئيس والصعب.
في هذا الفيلم استطاع ياسين فنان أن يتخلص أخيرا من شوائب الإشتغال لسنوات طويلة في الدراما التلفزيونية، بإخراجه لمسلسلات نالت المُتابعة الجماهيرية، ليكون فيلم “التدريب الأخير” ثاني تجربة إخراجية له في السينما بعد فيلمه الروائي الطويل الأول “كاريان بوليود” (2014)، من خلال إنجاز فيلم لايَحْضُر فيه هَمُّ الإنتشار الجماهيري بقدر ما تُطالِعُنا أثناء مشاهدته الرغبة في إنجاز عمل سينمائي مُتَميِّز به رؤية مختلفة، ساهم فيه ثلة من الفنانين كتابة وتمثيلا وإخراجا، يَمْتَحُ من المسرح ويُكَرِّم نساءه ورجاله ونضالهم الفني.
عبد الكريم واكريم