تشهد الساحة السينمائية في السنوات الأخيرة ظاهرة غريبة ومثيرة للجدل، حيث يتفاخر العديد من المخرجين والمنتجين بالمشاركة في مهرجانات سينمائية وهمية تمنح الجوائز الكبرى للجميع دون استثناء. هذه المهرجانات، التي تنحصر مقراتها في فضاء الإنترنت، تهدف إلى الربح المادي الصرف، حيث يكمن الشرط الوحيد للمشاركة والفوز في دفع رسوم التسجيل.
مع ظهور منصات رقمية متخصصة مثل “FilmFreeway” وغيرها، بات من السهل على المخرجين ومنتجي الأفلام إنشاء حسابات، وتحميل أعمالهم، وتقديمها للمهرجانات السينمائية في جميع أنحاء العالم. هذه المنصات جاءت لتسهل المهمة التي كانت في الماضي تعتمد على طرق تقليدية، مثل التواصل المباشر مع منظمي المهرجانات أو إرسال نسخ الأفلام بالبريد. وبفضل هذه المنصات، يمكن لصناع الأفلام الوصول إلى قاعدة جماهيرية أوسع والحصول على فرص أكبر لعرض أعمالهم.
ولكن مع التسهيلات التي جلبتها هذه المنصات، ظهرت في المقابل مجموعة من المهرجانات الوهمية التي لا تسعى إلا لاستغلال طموحات صناع الأفلام. يستغل القائمون على هذه المهرجانات الهواة والمتعثرين، ويطلبون رسوما بسيطة مقابل وعد بمنح الجائزة الكبرى، بغض النظر عن جودة الفيلم أو مستواه الفني.
في الواقع، هذه المهرجانات لا تتطلب سوى دفع الرسوم، وتقدم بدورها لكل مشارك جائزة كبرى. يكفي أن يتلقى المخرج رسالة بالبريد الإلكتروني تُعلمه بفوزه بالجائزة ليبدأ بنشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف، مُدّعياً النجاح. ومن المؤسف أن هذا الأمر لا يقتصر على المخرجين المبتدئين فقط، بل حتى بعض المحترفين يلجأون إلى هذه الحيلة لتعزيز حضورهم الإعلامي أو الضغط على الجهات الداعمة في بلدانهم للحصول على تمويل لمشاريعهم المستقبلية.
في المغرب، أصبح هذا الأمر يشكل تحديا كبيرا للمركز السينمائي المغربي، حيث يقوم بعض المخرجين الذين حصلوا على جوائز من هذه المهرجانات الوهمية بتقديم طلبات للحصول على دعم مالي، بحجة أنهم فازوا بجوائز عالمية. في حين أن الجوائز في هذه الحالة لا تعكس بالضرورة قيمة فنية حقيقية، بل هي نتيجة لعملية تجارية هدفها الوحيد هو الربح السريع.
وهكذا، تنمو حول بعض المخرجين هالة من النجاح الوهمي، تضلل المتابعين والمختصين على حد سواء. وبالرغم من أن البعض قد يظن أن الأمر بسيط أو غير مؤذٍ، إلا أن هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على مصداقية الساحة السينمائية وتضعف من قيمة التنافس الحقيقي.
يجب على المخرجين وصناع السينما التمسك بالمبادئ الأساسية للشفافية والمصداقية في العمل السينمائي. فمن الضروري أن تعكس الجوائز التي يحصلون عليها جودة أعمالهم الفنية وإسهاماتهم الحقيقية في صناعة السينما، وليس مجرد مشاركة شكلية في مهرجانات تسعى للربح المادي.
وفي هذا السياق، يجب أن يتخذ المركز السينمائي المغربي والمؤسسات الداعمة للفن إجراءات صارمة للتحقق من مصداقية الجوائز والمهرجانات التي يشارك فيها المخرجون، لضمان أن الدعم المالي يذهب لمن يستحقه فعلًا، بناءً على إنجازات حقيقية تساهم في تطور الفن السينمائي المغربي وتعزز مكانته على الصعيد الدولي.
في النهاية، لا شك أن العصر الرقمي يوفر فرصًا واسعة للانتشار والتواصل، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام الخداع والاستغلال.
حسين حنين