توقفت ذات مرة أمام بائع خضار متجول وكان مهمومًا حزينًا، رغبت بالتفريج عنه وسألته عن حاله، فقال: أنتم أحسن منا حالًا، تخرجتم في المدرسة، ونجحتم وتجيدون القراءة. فقلت له مواسيًا: وما هو الفرق؟ أجاب: أنا لا أعرف القراءة، لو كنت أعرف القراءة لقرأت القرآن.
هذه القصة أعيدها كل عام على طلابي، ليعرفوا قيمة القراءة، فما الفرق بين من يقرأ، ومن لا يجيد القراءة؟ هل نحتاج لإرجاع الزمن للوراء حتى نعرف قيمة الكتاب؟
يحكى أن طفلًا سأل أباه: هل بساط الريح حقيقة؟ وهل نستطيع الحصول عليه؟ أجابه والده: إنّ لدينا ما هو خير من بساط الريح، ثم غاب عنه لحظة وعاد فمدّ إليه الكتاب، وقال لابنه: هذا يا ولدي يطير بك في الماضي والحاضر والمستقبل، دون أن تتحرّك من مكانك!
رغم قصر هذه الحكاية فإن مضمونها صحيح، الكتاب يختزل لنا العوالم والأزمان والحيوات، فإذا لم يتسع وقتك للقراءة فأجبر وقتك على القراءة.. اقرأ في وسائل النقل العام، اقرأ عند الإشارة الحمراء إذا كنت سائقًا، اقرأ في أوقات الانتظار، اقرأ في أثناء تناول وجبة الطعام، اقرأ قبل النوم، ابتكر لك وقتًا وكن قارئًا. هناك كتاب لذيذ كأنه حلم جميل في انتظارك فابحث عنه، هناك كتاب رائع بمذاق السكاكر الخرافية سيدهشك فتوصل إليه، هناك كنز ما في كتاب ما، فابدأ رحلة كنزك لتصل إلى صندوق سعادتك.
هل تتعجب لو منحك الكتاب نقودًا؟ حكاية وقعت لصاحبي وشاهدتها بأمّ العين.. استعار أحد الأصدقاء من صاحبه كتابًا، وبعد يوم مدّ إليه مبلغ 500 ريال، وقال له: وجدتها بين طيات الكتاب! ربما نسي هذا الصديق أنه وضع مبلغًا في الكتاب.. ربما.. ربما، ولكن الحقيقة أنّ الكتاب يمنحك أكثر، ربّ ثروة حصلت عليها من سطر في كتاب، فلماذا لا تفتّش عن ذلك السطر؟
بعض الناس يفضل اقتلاع سن من أسنانه على أن يقرأ كتابًا واحدًا، لدرجة أنّ أحد الأصدقاء يستخدم الكتاب حصالة نقود يحتفظ فيها بالمال، ويبتسم لي وهو يقول: هنا لن يصل إلى المال أحد!. إنه لمن المؤسف أن نهجر الكتاب إلى هذا الحدّ. أتساءل: ماذا لو تحولت القيم المعرفية في الكتب إلى مبالغ مالية؟ هل سنعزف عن القراءة؟ المعارف قيم معنوية مجردة لا تدرك بالحواس، ولكنها موجودة في العقول؛ فكل كتاب يمتلك روحًا تغذيك، كل كتاب يمتلك جواهر لا تثمّن.
بلغني سؤال: كيف نجعل من لا يقرأ يقرأ؟ ابتسمت على الفور، لكون الفكرة تحمل في طياتها أسلوب الهيمنة والجبر مع من لا يريد أن يقرأ، والقرآن يقول: “لا إكراه”.. أتذكر المروية التي فيها “عجبتُ لأقوامٍ يُقادونَ إلى الجنةِ في السلاسلِ وهم كارهونَ”! لنحاول الإجابة عن السؤال، في البداية علينا معرفة السبب ليبطل العجب، فكيف سيقرأ الضحية المستهدف كتابًا مملًا، أو كتابًا بترجمة رديئة غير مشوقة!
العيب في الكاتب والمترجم لا في القارئ، فكم من كتاب ذائع الصيت والشهرة، حرم الناس من القراءة وخلق لديهم العزوف والإحباط! بعض دور النشر تبالغ في أهمية إصداراتها لتربح الصفقات، فيقع القارئ فريسة كتاب أقل مما تصور، إنّه الغبن الذي يولد العزوف، فكم من قارئ توقف بسبب كتاب! الحقيقة تقول: ربحنا قيمة كتاب، وخسرنا قارئًا سيشتري العديد من الكتب لو أنصفناه، فلا تجبر أحدًا.. فقط رغّب الآخرين.
هل سمعتم بسلوى، عاشقة الكتب التي قررت المبيت في المكتبة؟ إنها بطلة رواية دودة الكتب، التي ترغب في جعل من لا يقرأ يقرأ، فماذا فعلت؟، فقط أطرح سؤالًا فإنّ لطرحه أثرًا. بالأمس طالعت كتابًا لمؤلف باعث تأليفه إجابة عن سؤال طرحته عليه ابنة أخيه، اقرأ كتاب “كيف تقنع الآخرين؟” لتصدق، وهذا المقال أصلًا إجابة عن سؤال بلغني عن مقال يتحدث عن القراءة، نصه: كيف نصل إلى من لا يقرأ؟ بمعنى: هل يصح أن نعالج العزوف عن القراءة بوسائل قرائية؟ باختصار.. الرسالة لن تصل، هذا هو المتوقع والمتبادر، لهذا لزم التفتيش عن قناة جديدة، نشجع بها على مزاولة القراءة. فما هي تلك القناة؟
إننا نحتاج لاستخدام قنوات مختلفة، فالبعض يفضل القناة المسموعة، والبعض الآخر يفضل المشاهدة على القراءة، هل الحل في إيجاد الكتاب المسموع؟ هل الحل في حملات التبشير للقراءة؟ بحمد الله قلّت نسبة الأمية، والناس تجيد التهجئة ولكنها تعزف عن مزاولتها، فما الحل؟ بلا شك، لن نستطيع إجبار الناس على التمسك بالكتاب، بيد أنّ معرفة الأسباب بداية الحل.
في المقام الأوّل ينبغي التأثير على من تصله الحروف، بمعنى المحافظة على القرّاء من التسريح، وهذا أضعف الإيمان، لو أن كل شخص قارئ أقنع 10 أفراد ستتضاعف نسبة القراء، هل سمعتم قصة مربع القراءة؟!
يحكى أن في إحدى القرى النائية أربع صديقات يعشقن القراءة، ولفرط محبتهن للقراءة، عقدن ناديًا للقراءة خاصًّا بهنّ، أطلقن عليه اسم “مربع القراءة”، يبدأ هذا النادي جلساته كل يوم بعد العودة من المدرسة، وليس فيه إلا الصديقات الأربع، وهنَّ ليلى وسلمى وعفاف وياقوت.. القصة طويلة مفادها، أنّ عادة القراءة أثّرت في مستقبل هذا الرباعي المدهش، فليلى أصبحت معلمة تقرأ لطالباتها وتحثهن على القراءة، وسلمى التحقت بالعمل بإحدى الصحف، فكانت كاتبة تستلهم فِكَرها من الكتب، وعفاف شقت طريق الترجمة وعشقت تعريب الروايات الأدبية، أما ياقوت فأصبحت بائعة كتب تقرأ ما تيسر وتبيع للزبائن.. من هذه القصة نلاحظ أنّ هناك خيطًا مشتركًا تأثيره السحري هو الكتاب، فهل تؤثر القراءة فينا؟
سنضع بعض المقترحات لجذب الجمهور للقراءة؟
* انتخاب العنوان الجيد للكتاب.
* العناية بالمحتوى والتشويق.
* اقتباس سطور جميلة ومؤثرة تشوق للبحث عن المقال وقراءته.
* التعريف بالكاتب وذكر نقاط مشرقة عنه وعن أبرز إنتاجاته وكتبه.
* خلق أندية قراءة تسوق لعادة القراءة.
* نشر تصاميم حكمية تروّج لعادة القراءة، وتعرّف ببعض الكتب الجيدة.
* إجراء مسابقات كتابية للاستقاء من الكتب، فلا تأليف بلا قراءة.
* إقامة تحديات القراءة، والترويج لمسابقات القراءة العامة.
* نشر تقييم الكتب، والتحدث عن الكتب الجيدة التي تستحق القراءة.
* تحويل الروايات التي تتحدث عن القراءة إلى فيلم أو كتاب صوتي درامي.
* التركيز على أهمية القراءة لشريحة الأمهات، لتخريج جيل قارئ.
* العناية بمضمون الكتب الممنتجة، والاهتمام بإخراجها وطباعتها في أغلفة جاذبة.
* طباعة الكتب بخطوط مريحة للعين، لتشجع من لديه مشاكل صحيّة على القراءة.
* عمل معارض كتاب بأسعار مخفضة.
* اغتنام المناسبات القرائية كيوم اللغة العربية، واليوم العالمي للكتاب.
* إتاحة بعض الكتب للقراءة المجانية في صالات الانتظار، وعمل أكشاك كتب مجانية.
* تطوير فكرة المكتبة المتنقلة، وهي عبارة عن سيارة تتيح إعارة الكتب لطلاب المدارس.
* إقامة حفلات إشهار وتوقيع للكتب الجديدة التي صدرت مؤخرًا.
* التبرع بالكتب شرط قراءتها، أو إحلال فعالية شراء الكتاب بقراءته.
* إقامة معارض تبادل الكتاب، وشراء الكتاب المستخدم.
* تدشين رحلات إلى معارض الكتاب بأسعار زهيدة، مع تقديم فعاليات تحث على القراءة.
* تفعيل دور المكتبات العامة والأندية الأدبية، والقيام بزيارات شهرية وسنوية مرافقة.
* إتاحة الكتاب الإلكتروني المجاني، أو حتى الورقي إن أمكن.
* تحويل الكتب التي تعنى بالقراءة صوتيًا وإلكترونيًا.
* استضافة المثقفين المهتمين بالقراءة، من أجل الحديث عن أهميتها.
* مدّ جسور التعاون مع المؤسسات المهتمة بالقراءة.
* خلق وتشكيل كوادر فاعلة تهتم بالقراءة وتروّج لها عمليًا.
في الختام نقول لمن تعنيه مسؤولية القراءة، لا تستهِن بقدراتك، فقط عليك أن تحرّض، فرُبّ سؤال أنتج مقالًا، ورُبّ تشويق خلق قارئًا.