أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الشباب اليومية. من فيسبوك وتويتر إلى إنستغرام وتيك توك، يجد الشباب أنفسهم محاطين بعالم رقمي يقدم لهم الكثير من الفرص ولكنه يحمل أيضًا العديد من المخاطر. فما هي تأثيرات هذه الوسائل على الشباب؟ وكيف يمكن التوازن بين الإيجابيات والسلبيات؟
هذه الأسئلة وغيرها، هي محور كتاب “الإعلام الجديد والشباب” الذي يبحث في التأثير الثقافي والمعرفي للإعلام الإلكتروني، ألفه الدكتور الزبير مهداد، وصدر عن دار فاصلة للنشر بطنجة، بدعم من وزارة الثقافة.
رتب المؤلف مباحث الكتاب في فصلين اثنين:
الفصل الأول يضم قسما أولا يعرف بالإعلام الإلكتروني الجديد، ومسار تطوره، والنظريات والمناهج التي تفسره وتبحث فيه، إلى جانب عرض موجز لبعض الدراسات العربية التي أنجزها باحثون في هذا المضمار.
يستعرض المؤلف في مدخل الكتاب الجهود الهامة التي بذلها الإنسان خلال تاريخه العريق، لأجل تطوير قنوات الاتصال ووسائله وأدواته وطرقه، فعرف النشاط الاتصالي تطورا مذهلا، بدءا من الاتصال المباشر بالرموز ثم اللغة، ومرورا بالاتصال غير المباشر بالكتابة، ثم الطباعة، ووصولا اليوم إلى الاتصال التفاعلي المعتمد على الصوت والصورة والكتابة وغيرها، في إطار ما يسمى بالإعلام الجديد أو الإلكتروني لمواكبة التطور الإعلامي. فبرزت منذ القرن التاسع عشر مدارس ونظريات تبحث في الحقل، وأفرزت عددا من البحوث والدراسات والكتب القيمة، تكشف عن التأثيرات الهامة والأضرار الجسيمة والمنافع الهائلة الناتجة عن الطفرة الإعلامية الحديثة.
ثم يعرج على الإعلام الإلكتروني الجديد، معرفا به، وبنظريات ومناهج الدراسات في هذا الحقل، ويستعرض أهم الدراسات العربية فيه. وفي القسم الثاني يتناول تأثيرات الإعلام الجديد، بعد تحديد نوع وطبيعة علاقة الأطفال والشباب بالإعلام الجديد، ثم سرد الآثار الإيجابية والسلبية لهذا الإعلام على المستويين المعرفي والثقافي، تم محاولة فهم طريقة تأثير الإعلام الجديد في عقول الناشئة ببناء صور ذهنية ونمطية مؤثرة في سلوكهم وشخصياتهم.
وتطرق المؤلف إلى العناصر الثلاثة للعملية الإعلامية التقليدية، وهي المؤثر والمتأثر ووسيلة التأثير، وبين أثر الإعلام الجديد في تغيير الوضع، حيث حصل تحول مذهل في وسائل الاتصال خلال العقد الأخير. الأمر الذي أعاد صياغة المعادلة السابقة حيث أصبح المتأثر مؤثرا بدوره، من خلال ردوده السريعة وتعقيباته التي يراها الجمهور بعد نشر مقال الجريدة أو المجلة.
كما شرح الكتاب خصائص الإعلام الإلكتروني الجديد، المتمثلة في التفاعلية، والمشاركة والانتشار، والعالمية، والحركة المرنة، واندماج الوسائط.
والقسم الثاني من الفصل الأول، يشرح تأثر الإعلام الجديد الثقافي والمعرفي في الشباب، بعد تعريف مختصر بالمفاهيم، وشرح لمحددات علاقة الأطفال والشباب بالإعلام الجديد، وتأثيرات هذا الإعلام الثقافية والمعرفية الإيجابية والسلبية فيهم، وتداعياتها على القيم والأخلاق الاجتماعية، ثم حديث عن كيفية تأثر الإعلام، كمدخل للوقاية من مخاطره والتخفيف من آثاره.
وأكد المؤلف أن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح للشباب فرصة التواصل مع أصدقائهم وأفراد عائلاتهم وأساتذتهم، حتى لو كانوا في أماكن بعيدة. هذا يعزز العلاقات الاجتماعية ويساعد في الحفاظ على الروابط الاسرية والإنسانية. كما يتيح لهم فرصا مهمة للوصول إلى كم هائل من المعلومات والأخبار العالمية، بسرعة فائقة وبالمجان، ما يعزز وعيهم الثقافي والإنساني، ويسهم في تكوين جيل أكثر اطلاعا على ما يحدث حوله، إلى جانب ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي من فرص عمل وتدريب، وتواصل مع خبراء في مجالاتهم المفضلة، والمشاركة في دورات تعليمية عبر الانترنيت. وغير ذلك من الفوائد العديدة التي لا يمكن حصرها في صفحات أو فصول.
كما عدد المؤلف السلبيات المرتبطة بهذا الإعلام، ومنها، مخاطر الإدمان على الانترنيت، ما يؤثر سلبا في حياة الشباب الدراسية والاجتماعية، ويهدد سلامته العقلية والسلوكية. وقد يعرضه لشبكات الاتجار في البشر، والاستغلال الجنسي، وللتنمر الإلكتروني، وغير ذلك من أشكال العنف والاعتداء.
أما بخصوص المعلومات المتاحة، فإن الكثير منها أيضا مضلل وزائف، وقد يجد الشباب صعوبة في التمييز بينها، وقد تؤدي بهم إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة.
كما أصبح الإعلام الجديد ووسيلة هامة في منظومة القيم، فأمسى له تأثير في مجرى تطور البشر. ويختلف التأثير والتأثر بحسب الوسيلة الإعلامية ووظيفتها، وطريقة استخدامها، والظروف الاجتماعية والثقافية للأفراد والمجتمعات.
فارتباط الناس بالتكنولوجيا الرقمية التي سيطرت على الجو العائلي، صرفهم عن الانتباه إلى أضرارها المادية والمعنوية وتهديدها لكيان الأسرة وقطع أواصر العلاقات الاجتماعية، وكما يقول الإعلامي فهد الشميمري: “إن الرسالة الإعلامية، سواء كانت في شكل خبر أو فكاهة أو برنامج وثائقي، فإنها تستطيع أن تعمل على إزالة قيمة من القيم وتثبيت أخرى محلها، أو ترسيخ شيء قائم والتصدي لآخر قادم، وهذا بالضبط هو مفهوم التنشئة الاجتماعية في أبسط صورها”.
فالإعلام الجديد له تأثير مباشر في الجانب الأخلاقي والسلوكي، فهو يعزز لدى الشباب الممارسات غير الأخلاقية من خلال ما يشاهدونه عبر القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، الأمر الذي يؤدي إلى التمرد على القيم الدينية والعادات الاجتماعية السائدة. كما أن استعمال الأطفال حاسة البصر أكثر من استعمالهم للحواس الأخرى، يؤدي إلى عدم التوافق والتوازن في القدرة التحليلية أثناء التفكير.
أما الفصل الثاني فقد خصصه المؤلف للحديث عن مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر الذي تمحورت جلساته حول مناقشة وبحث موضوع الإعلام الجديد والشباب المسلم، كما رتب في هذا الفصل أيضا، عددا من الوثائق والمقالات أخرى تستعرض مضامين كتب جديدة حول الإعلام الجديد وتأثيراته في حياتنا المعاصرة، منها كتاب “ديمقراطية السذج”، وكتاب “تجار الكراهية”، وكتاب “الهويات الافتراضية في المجتمعات العربية، وعددا من الملاحق الأخرى.
وختم الكتاب بعرض عدد من التوصيات التربوية والقانونية لضمان استفادة الشباب القصوى من التطور التكنولوجي والرخاء المعرفي التي تمثله شبكة الانترنيت، وحمايته أيضا من التأثيرات الضارة للشبكة ومكوناتها.
سعيد منصوري