نظم مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل على مدى يومين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله مؤتمرا دوليا في موضوع: «الترافع عن مغربية الصحراء في ظل التحوّلات الإقليمية والدولية الرّاهنة»، احتضن أشغاله مركز الاصطياف التابع لقطاع الاتصال في إيموزار كندر ومركز الابتكار برئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. المؤتمر نُظم بشراكة مع جمعية الأعمال الاجتماعية لوزارة الاتصال وجماعة فاس، شارك فيه دكاترة وأساتذة جامعيون وباحثون في قضية الصحراء المغربية من داخل المغرب وخارجه. انصبّوا فيه على مناقشة الجوانب المرتبطة بأشكال الترافع وأهميّتها في الدفاع عن الوحدة الترابية ومغربية الصحراء، في ظل ما يعرفه العالم والمحيط الإقليمي والدولي من تحوّلات راهنة.
وقد تميّز افتتاح المؤتمر بمقاربة مفهوم «التّرافع» من كل جوانبه الاجتماعية والقانونية والسياسية، وتمّ عرض شريط وثائقي، يظهر المنجزات التنموية التي قامت بها المملكة المغربية في الأقاليم الجنوبية. علاوة على ذلك، تمّ تقديم مؤلف جماعي بعنوان: «الترافع عن مغربية الصحراء في ظل التحوّلات الدولية والإقليمية الرّاهنة»، ساهم في إعداده مجموعة من الأساتذة الجامعيين الباحثين المشاركين في المؤتمر، ولهم اهتمام وإلمام حقوقي وقانوني بملف الصحراء المغربية، سواء من داخل المغرب أو خارجه. يندرج هذا المؤتمر في إطار الجهود الأكاديمية الرّامية إلى تسليط الضوء على أخر المستجدات الدولية والإقليمية والعربية المرتبطة بالنزاع المُفتعل حول الصحراء المغربية، التي يعتبرها مغاربة الداخل والخرج قضيتهم الوطنية الأولى.
رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله الدكتور مصطفى إجاعلي أشار في مداخلته إلى «ضرورة تكوين أكاديميين في هذا المجال، والانخراط المسؤول للجامعة المغربية في المجهود الديبلوماسي بالموازاة مع ما تبذله الديبلوماسية المغربية من ترافع جاد ومسؤول في المحافل الدولية، وتقديم مجموعة من البحوث والدراسات والندوات في هذا الجانب». وأضاف بأنّ «الجامعة المغربية تُدرك، من جهتها، أهمية التّعبئة الموازية للترافع عن مغربية الصحراء، بالموازاة مع ما يُبذل من جهود ديبلوماسية على مستوى الدولة والمجتمع المدني». وأضاف السيد إجاعلي أن «هذه الندوة تندرج ضمن سلسلة من الندوات التي سبق لجامعة سيدي محمد بن عبد الله أن نظمتها في مناسبات متفرقة». وتبقى قضية الصحراء المغربية مسألة وطنية أولى، وهي مقياس التعامل مع الشركاء الاقتصاديين والسياسيين في محيطنا الإقليمي والدولي، كما جاء في كثير من خطابات وتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله. ويبقى «الرّد العلمي والأكاديمي أحد أفضل هذه الوسائل لتكذيب التضليل الإعلامي الذي تقوم به الدول المناوئة لوحدتنا الترابية وما تروّج له من إشاعات وأطروحات كاذبة، وهو أحسن الدلائل والبراهين في الترافع عن وحدتنا الوطنية»، موردا أن «جامعة سيدي محمد بن عبد الله لا تدّخر جهدا في ذلك، ومنخرطة عن وعي وبجدية في هذا المشروع الوطني».
عميد كلية الآداب سايس- فاس بالنيابة الدكتور سمير بوزويتة هنّأ رئيس الجامعة على ما حققته جامعة سيدي محمد بن عبد الله من نتائج إيجابية، وهي تحتل المركز الأول وطنيا للسنة الخامسة على التوالي في مجالات التأطير الأكاديمي والبحث العلمي، مؤكدا على أن «تاريخ هذه الجامعة العريقة يشهد على أنها كانت رائدة منذ إنشائها، وصانعة للنُّخب المغربية منذ الاستقلال»، مضيفا في الوقت نفسه أن «المغرب استطاع لمّ الشمل مع جنوبه من خلال المسيرة الخضراء»، وبذلك التحم المواطنون بناء على رغبتهم في الالتحاق بالوطن الأم، ومدّ جسور التواصل مع إخوانهم في أقاليمنا الجنوبية. ومنذ ذلك الحين، بدأت تظهر الملامح الكبرى لأوراش مهمة، ولم تتوقف من يومها في مدن الجنوب. وأضاف بوزويتة أن «المناطق الجنوبية تشهد تنمية نموذجية في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وهذه الإنجازات هي التي حرّكت غريزة الغيرة والحسد في أعداء وحدتنا الوطنية، وبالتالي بدأوا العمل على التشويش عليها من خلال تبنّي مُعطيات خاطئة»، وبدأنا نسمع عن ظهور «شعب صحراوي» الذي لم يكن سوى «شعب مغربي» واحد موحّد في الأصل. وأردف قائلا إن «التضليل بمختلف أشكاله لا يمكن له أن يُغيّب شمس الحقيقة التي بدأت ملامحها تظهر جليّا باعتراف دول كثيرة بمغربية الصحراء، ومنها دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي أصبحت المنطقة الصحراوية في الجنوبية منصة للإقلاع التنموي الحقيقي. كما أشار السيد العميد إلى «ظهور عناوين مجموعة من المؤلفات حول الصحراء المغربية ووحدتنا الترابية، ومن ضمنها كتب ألفها بنفسه»، شاكرا في الأخير مدير المختبر الدكتور محمد القاسمي، لما يقوم به من مجهودات، وكذا الجهات الداعمة لإنجاح هذا المؤتمر الهام.
الدكتور محمد القاسمي مدير المختبر ومنسّق اللجنة المنظمة أشاد بالمساهمين كل من جهته، ونوّه بحضور رجال السلطات المحلية والجماعية في مدينة إيموزار كندر أو الحضور بمختلف أشكاله من طلبة في الإعلام والتواصل ومهتمين بقضيتنا الوطنية الأولى، ودعمهم لإنجاح هذا المؤتمر الدولي الذي يأتي في «إطار ما تقوم به الجامعة المغربية في مواجهة الأكاذيب والتشويش والتضليل الإعلامي الذي يمارسه أعداء وحدتنا الترابية»، مذكرا في ذات الوقت بأن مؤتمر إفران «شكل الجزء الأول منذ توقيعه بين مختلف الشركاء، تنفيذا لمقررات المؤتمر الأول» يوضح مدير المختبر الدكتور محمد القاسمي بصفته منسقا اللجنة المنظمة. وأضاف أن هذا المؤتمر «يأتي لعرض ما أنجزه المغرب على المستوى الوطني والإفريقي والدولي من إنجازات تنموية وديبلوماسية، بدعم من دول صديقة للمغرب في أوروبا وأمريكا وإفريقيا، والعمل على فضح ما يمارسه المرتزقة من انتهاكات لحقوق الإنسان في حق السكان المحتجزين قسرا في مخيمات لحمادة بتندوف بتمويل من دولة الجزائر ومباركتها».
والجارة الشرقية كما يعلم القاصي والدّاني تعمل كل ما في وسعها منذ انطلاق المسيرة الخضراء على توسيع دائرة الصراع، وإدخال عناصر دخيلة على المنطقة مثل دولة إيران وميليشياتها، في محاولة منها لتدويل القضية. المؤتمر جاء ليفضح كذلك، كيف أن مرتزقة البوليساريو يعملون على تحصيل الموارد المالية من خلال طرق غير شرعية مثل: الاتجار في المخدرات والسلاح وتهريب البشر، والمغرب يردّ من جهته بعدة رسائل ذكية إلى العالم، من خلال تسليطه الضوء على ما يقوم به من منجزات في جميع المجالات بالصحراء المغربية. سيّر أطوار الجلسة الأولى من اليوم الأول من المؤتمر الدكتور عبد الله الغواسلي المراكشي من كلية سايس، فاس.
الجلسة الثانية شارك فيها كل من الدكتور خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة بموضوع حول: «جيوسياسية الصراع حول قضية الصحراء المغربية- محاولة للتأطير النظري»، والدكتور قتيبة قاسم العرب ممثل المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة بأمريكا شارك بورقة في موضوع: «مسؤولية الجزائر كدولة طرف في المعاهدات الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة بمخيمات تندوف على ترابها الوطني»، إلى جانب الإعلامي والنشاط السياسي الجزائري وليد كبير الذي شارك بمداخلة حول موضوع: «كرونولوجيا قرارات مجلس الأمن حول الصحراء، عندما أقبر النظام الجزائري بالأمس الخيار المتجاوز الذي يدافع عنه اليوم»، وسيّر الجلسة الدكتور محمد الزّهوري الأستاذ بشعبة الإعلام والتواصل من ذات الكلية.
في اليوم الثاني، استمر المؤتمر في إيموزار بالجلسة الأولى صباح يوم السبت 18 ماي، سيّرها الأستاذ الزّروالي الحَايْكي المندوب السابق لوزارة الاتصال، وعرفت مداخلات مهمة، شارك فيها كل من الدكتور لبنات الدخيل المدير الجهوي لقطاع التواصل بجهة الداخلة وادي الذهب بموضوع حول: «الواقع والجريمة في ظاهرة تجنيد الأطفال بمخيمات تندوف- قراءة في الآثار والأبعاد»، ومعه الدكتور محمد الزّوهري من جامعة سيدي محمد بن عبد الله تقدّم بورقة حول موضوع: «أيّ دور مؤثر للإعلام في دعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية؟». أما الدكتور الطالب بويا زايدنا ماء العينين الباحث والمهتم بالشأن التنموي والسياسي بالأقاليم الجنوبية فقد شارك بورقة في موضوع:« التنمية بالأقاليم الجنوبية، ودورها في الترافع عن مغربية الصحراء»، فيما شارك الدكتور محمد سال عبد الفتاح الباحث والمهتم بقضية الصحراء والجوار المغاربي بمداخلة حول موضوع:« دور الميليشيات البوليساريو في تصاعد المخاطر الأمنية ببلدان الساحل». وقد أجمع المتدخلون في هذه المداخلات القيمة على أن الجامعة شكلت دائما دعما وسندا قويا لصنّاع القرارات السياسية والاقتصادية في الترافع عن مغربية الصحراء، وهي معنية بالشخصية المغربية والحفاظ الهوية الوطنية، وتماسك المجتمع في الشمال والجنوب والدفاع عن وحدة المغرب الترابية. هذه الأرضية كانت مهمة، مع جوانب أخرى ديبلوماسية وقانونية، للترافع حول الصحراء المغربية في المنتديات الدولية والقارية والإقليمية وفق رؤية جديدة ومنفتحة على العالم، وفضح كل ما يقوم به مرتزقة البوليساريو من انتهاكات جسيمة في المنطقة، وتهديدهم للسلم والأمن الإقليمي في بعض دول إفريقيا ودول الساحل بكاملها.
ويبقى «التّرافع» في حد ذاته بمثابة كلمة مفتاح، من أجل صبر أغوار هذا المؤتمر الدولي، كما تطرق المؤتمرون إلى جوانب أخرى مهمة من قبيل: من هم المؤهلون للقيام بذلك؟ وما هي المقومات التي يجب أن تتوفر في شخص المُترافع؟، وضرورة التوفر على مرجعيات تاريخية وقانونية للترافع بطريقة فعالة، وتنويع الخطاب وعدم اقتصاره على الديبلوماسية والقانون، وإدخال عناصر جديدة، مثل: الرياضة، الطبخ، اللباس، الزليج…إلخ، وكل ما يخدم المصلحة العليا للوطن، وعلى رأسها وحدته الترابية، لأن عدالة القضية تحتاج إلى تجديد الخطاب الإعلامي والقانوني والديبلوماسي، وتأسيس وعي جديد، يتحمل فيه جميع المواطنين مسؤوليتهم الوطنية في الداخل والخارج، بناء على كفاءات علمية ومهارات رقمية وأدبية، لمواجهة عملية التضليل المُمنهجة التي يمارسها أعداء الوطن لضرب الوحدة الترابية، في إطار السيادة الوطنية المغربية. وختموا بالقول على أن المُرافعة الجادّة تضفي على القضية مشروعية تاريخية وقانونية، كما أن الترافع الفعّال والناجح يعطينا فرصة تحويل التضليل وتشويه عدالة القضية إلى البناء والتطوّر، ولذلك فإنه مطلوب منّا الترافع الفعّال والبنّاء. وقد أجمع المتدخلون على أن الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة المغربية كانت دائما ناجحة منذ استرجاع أقاليمنا الجنوبية.
ويبقى الترافع الفعّال، إن رسميا أو مدنيا وجمعيا، هو الرّهان الأفضل في إطار الحكامة، وخلق مناصب شغل، ودعم المقاولات الصغرى أو إنشاء المشاريع التنموية الكبرى. وقد أعطت هذه المقاربة الترافعية نتائج ميدانية على الأرض، عبر تحويل الموارد المحلية إلى تنمية شاملة في المنطقة، وهذا ما يشهد به الشركاء الأساسيون التقليديون للمغرب في السياسة والاقتصاد، وحتى بعض الأطراف أو الدوّل التي كانت عدوّة لوحدتنا الترابية إلى عهد قريب. ولم تعد الجهة «شكارَة» لتجميع المداخيل، كما يدّعي أعداء وحدتنا الوطنية، ومنطقة لتوزيع الرّيع على بعض المواطنين المحظوظين، كما يرى البعض الآخر، ولكنها ورش كبير مفتوح على آفاق واعدة في المستقبل.
واختتم اليوم الثاني من المؤتمر أشغاله في مركز الابتكار برئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس بورقة باللغة الفرنسية تقدّمت بها الدكتورة مريم الشوكي أستاذة العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في موضوع: «La défense de la souveraineté des états africains: soutien de la cause de l’intégrité territoriale du Maroc». ركزت فيها على البُعد الإفريقي في القضية، وعمق المغرب في مكوّناته الإفريقية والتاريخية. أما الدكتورة ماجدة كريمي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فقد تطرقت إلى موضوع: «المُكوّن الثقافي الحسّاني والتنمية المُستدامة بالصحراء المغربية، أيّة أدوار في دعم الوحدة الترابية؟»، ركزت فيه على الانطلاق الدولة المغربية الذي كان دائما من الصحراء في الجنوب، كما توثق ذلك أغلب المراجع التاريخية، فيما ساهمت الأستاذة سهام دو الكيداح من مغاربة العالم في إيطاليا بورقة حول موضوع: «الديبلوماسية الثقافية ودورها في الترافع عن مغربية الصحراء في بلاد المهجر»، واختتمت جلسة اليوم الثاني بإصدار مجموعة من التوصيات المهمّة، انصبّت كلها في ذات التوجّه، مع كلمة أخيرة للجنة المنظمة، وتوزيع الشواهد على المشاركين في المؤتمر.
إدريس الواغيش