الرئيسيةالأولىفي نقد الفكر اليومي للشغيلة التعليمية بالمغرب

في نقد الفكر اليومي للشغيلة التعليمية بالمغرب

من حسنات حراك المدرسين الذي تشهده الساحة التعليمية منذ 5 اكتوبر 2023 بالمغرب أنه أتاح الفرصة للجميع لتناول قضية التعليم ومطالب الشغيلة التعليمية والمدرسة العمومية، سواء من خارج الجسم التعليمي (صحافة، مختصين تربويين، مدونين، اكاديميين، مؤثرين….وحتى أناس بسطاء يملكون حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي…الخ) كل من زاويته، أو من داخل الجسم التعليمي، وهذا يعتبر شيئا ايجابيا بحيث تحول هذا الحراك إلى فرصة أمام كل مكونات المجتمع للانخراط في النقاش العمومي. لذلك أنا بدوري سأحاول في هذه الورقة ان أنخرط من داخل المعركة وسأسعى لأن أقف فيها على المنطق الذي يفكر عبره جزء كبير من أصحاب القضية (نساء ورجال التعليم) وخاصة بعض قادة الحراك، وسبل النجاح فيها، ولهذا الغرض سأسعى للإجابة عن الأسئلة الآتية: كيف تفهم الشغيلة التعليمية قضيتها؟ أو بمعنى آخر، هل تملك الوعي الحقيقي بما يحاك لها وعن المصير الذي ينتظرها جراء مخططات الدولة؟ وهل لديها فهما سديدا لما عليها القيام به لوقف هذه المخططات؟ باختصار كيف يفكر المدرسون اليوم في معضلة التعليم والمخططات التي تسعى الدولة لتمريرها؟
لخوض أي معركة يقتضي أولا وقبل كل شيء الجواب عن الأسئلة التالية:
لماذا سنخوض هذه المعركة؟ وما الهدف الذي علينا تحقيقه من خوضها؟ وضد من سنخوضها؟ وبمن سنخوضها؟ إذن هذه اولى الأسئلة الواجب تَمَلُّك الإجابة عنها، طبعا المعركة التي انطلقت شرارتها يوم 5 اكتوبر 2023 اعتقد كانت واضحة الهدف الذي اجمعت عليه الشغيلة التعليمية وهو رفض النظام الاساسي الجديد مرسوم قانون 2.23.819، وبالتالي المطالبة بسحبه جملة وتفصيلا من أجل صياغة نظام اخر يستجيب لتطلعاتها، يبدو إذن أن الهدف من المعركة واضح وضوح الشمس منذ الوهلة الأولى ، لكن السؤال الذي ستختلف حوله الإجابات، وهو ضد من سنخوض هذه المعركة؟ او بصيغة اخرى من هو عدو الشغيلة التعليمية والذي دفع في اتجاه اخراج هذا المسخ (النظام الاساسي)؟ هل هو وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؟ أم الحكومة الحالية مجتمعة، ام الدولة بكل أركانها ومؤسساتها الظاهرة وغير الظاهرة، أم ان المانحين الخارجيين هم من يشكل عدوا للشغيلة؟
قبل دخول غمار أي معركة على أرض الواقع لابد من تشكيل وعي بها وبأهدافها وأدواتها والحلفاء والأصدقاء وحتى الأعداء الحقيقيين، بمعنى أخر لابد من امتلاك فكر ووعي شاملين حولها، وأي فكر يصلح ليكون نبراسا سديدا في هذا الشأن غير الفكر العلمي الذي يسعى إلى تَمَلُّك المعرفة بالواقع كما هو وليس كما يَمْثُل في خيالنا، وهنا يحضرني ما قاله المفكر اللبناني المهدي عامل في كتاب نقد الفكر اليومي “مهمة الفكر هي أن يَتَقَصَّد المعرفة في أشكالِ من الكتابة يستحضر فيها غير المرئي من الموجود ليجعله مرئيا في لغة العلم والفن… وبين العلم والجهل لا يقف الفكر حائرا، ينتصر للأول، إلا إذا هَيْمَنَ فيه الجهل، فهو، إِذْ ذَاك ليس بالفكر، بل عَدَمُه”، إذن الفكر العلمي الذي يقوم على التفكيك والتحليل والنقد والاستنتاج والتركيب والبرهان وحده القادر على استيعاب أي واقع وفهمه في أفق تغييره، فهل بمقدور الفكر اليومي السائد الآن في اوساط الغالبية العظمى من نساء ورجال التعليم وخاصة عند بعض قادة الحراك تفكيك قضية التعليم وفهمها فهما دقيقا؟ أطرح هذا السؤال ليس انتقاصا من قدرات هؤلاء بل بكل بساطة لأن أي فهم خاطئ لمشكلة/قضية التعليم يعني تشخيص خاطئ وبالنتيجة وصفة خاطئة للعلاج، لذلك على الفكر أن ينحاز الى العلم بما يَقْتَضِيه من تفكيك ونقد وتحليل وإعادة تركيب واستنتاج واستقراء وبرهان وربط في سياق العقل الجدلي، أما دون ذلك فمعناه فهم خاطئ للقضية او فهم جزئي لن يمنح أصحابها الصلابة والثبات في معركتهم، كما أن وحدة الفهم تمنح وحدة الطريق ووحدة المعركة، أما جزئية الفهم او تباينه فمن شأنه أن يَنْتُج عنه التباين في كيفية قيادة المعركة، وحتى التباين في الأهداف من المعركة.
إن المتأمل الآن في ما يُكْتَب عبر مجموعات الواتساب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشغيلة التعلمية سيكتشف أن الفكر المستشري والسائد مع استثناءات يبدأ باللغة لينتهي إليها لا غير، بحيث هناك كم هائل من الكلمات إن لم أقل سيل لكنه في أغلب الحالات لا يتجاوز حدود اللغة، مثلا الأغلبية تطالب بالوحدة، لكن السؤال المُغَيَّب أو الذي يغيب في النقاش هل هناك وحدة فهم ووحدة تنظيم ووحدة هدف؟ طبعا على المستوى الرومانسي الجواب جاهز وهو أننا ننتمي إلى نفس المهنة ولنا نفس المصلحة، لكن هذا الجواب بقدر ما هو واضح فهو ملتبس جدا، وأعطي فقط مثال على ذلك، أليس الناطق الرسمي باسم الحكومة حاليا هو رجل تعليم؟ ألا يوجد في البرلمان نساء ورجال تعليم وهم من قام بالتصديق على عديد القرارات والقوانين المستهدفة للشغيلة التعليمية؟ ألم يكن رئيس حكومة سابق رجل تعليم؟ إذن لا يكفي أن ننتمي لنفس القطاع حتى يكون مطلب الوحدة بديهيا بيننا، وأيضا هناك قول يتردد مفاده بأن الأساتذة لهم مطالب اجتماعية فقط ولا علاقة لهم بالسياسة، وبالتالي الرفض لأي تسييس لملف التعليم والنأي عن أي خطاب سياسي، أو القول لن نقبل الوحدة أو التنسيق مع أي نقابة باعتبارها سبب المشكل (النقابات باعت الماتش)، وترديد عبارة أن النقابات نفايات، وهي سبب ما نعانيه، دون القدرة على الفصل والتمييز بين النقابة كإطار ومكسب تاريخي بيد الشغيلة، وبين الممارسة النقابية لقياداتها البيروقراطية، وترديد بعض المصوغات الفكرية أننا نناضل بدون مرجعية سياسية أو ايديولوجية، وغيرها مما ينتشر في هذه الوسائط الاجتماعية معبرا عن طبيعة الفكر السائد في أوساط جزء كبير من الشغيلة التعليمة وهو بهذا يحاول أن يهيمن ويسود من أجل توجيه الاحتجاجات وتسقيفها.
بقراءة سريعة في مجمل هذا الفكر وخاصة لدى من يسعى لتزعم الحراك وقيادته، سيبدو أنه عاجز عن إدراك طبيعة الصراع ومن هم الأعداء الحقيقيين للشغيلة التعليمية نظرا لعدم امتلاكه لأدوات التحليل العلمية لواقع الصراع الطبقي وموقع المدرسة داخله ومن ثم دور المدرس وموقعه في هذا الصراع وحتى داخل المدرسة، أو أنه فكر يتعامى لأنه منحاز ويخدم الذين يدفعون له، إنه فكر لا يحب التعقيد يعشق البساطة فقط، لأنها تريحه، لذلك فإنه يميل إلى الاختزال والتبسيط والبداهة، ويتجنَّب الاقتراب من المفاهيم في حال تعبيرها عن الحركة والتناقضات، لكنه بهذا يُسَوِّق لصورة المدرسين الانتهازيين الباحثين عن تحسين وضعهم المادي وفقط على حساب قضايا مجتمعية مهمة وعلى رأسها ضرب الخدمة العمومية وحتى حق الأجيال اللاحقة في الوظيفة العمومية، وهذا من شأنه عزلهم عن أصدقائهم الحقيقيين في معركة إسقاط النظام الأساسي الجديد الذي هو بالمناسبة حلقة متقدمة من حلقات الإجهاز على الوظيفة العمومية ومجانية التعليم العمومي. بالمناسبة لا يمكن فصل الفكر السائد لدى الغالبية العظمى من نساء ورجال التعليم عن الفكر السائد مجتمعيا والذي هو بالأساس في مجمله فكر الطبقة السائدة وما يميزه أنه يدعو إلى الانهزامية والاستسلام، إنه فكر خائف رجعي خرافي ينحو نحو الانتهازية بصاحبه ( تَخْطِينِي غِيرْ أَنَا وتْجِي فِينْ مَا بْغَاتْ، الوَاحد هو اللِّي يْشُوفْ مَصْلَحْتُو، سَبَّقْ المِيمْ تَرْتَاحْ، إِذَا مَصْلَحْتَكْ عَنْد الكَلْبْ قُلُّو سِيدِي، سِيَّسْ مْعَاهْ حتى تَقْضِي حَاجْتَكْ، تْمَسْكَنْ حتَى تَتْمَكَنْ….الخ) هذه نماذج من شعارات يتبناها العديد من أفراد المجتمع باعتبارها فكرا موجها لممارستهم ومعهم شريحة كبيرة من المدرسين، إذن هو فكر انتهازي وصولي يقوم على ضرب كل قيم الاستقامة والاستحقاق والشفافية والوفاء والتضحية، وهذا يؤكد ما قاله المهدي عامل بهذا الشأن “لا حياة لفاقد الحياة، فإنْ ألحَّ، استحالت عنده الحياة توقاً إلى ما مات، أو ما يشبه الذات في لغةٍ تُؤَسْطِر الماضي وترفعه إلى المطلق” وذلك توقا إلى محاولة فهم الواقع بتبني أسطورة الماضي، وعندما يسعى بعض قادة الحراك التعليمي إلى محاولة اختزال الصراع في حقل التعليم بكونه قضية تدبيرية وفقط مرتبطة بشخصية وزير جاء وأخر مضى محاولين نفي عنها كونها قضية سياسية طبقية فإنهم يُكَوِّنُون بِذلك فكراً يتسلَّح بالوهم ويلجأ إليه، وبالوهم يصطنع التنابذ بين السياسة وبين باقي الحقول الأخرى، وهؤلاء بفعلهم لا يدركون أنّهم يلغون بجرَّة قلم صراع الطبقات الذي هو السياسة في جوهره. وبذلك يصير الفكر اليومي السائد فكرا جبانا ملتبسا وعدميا، لأن لا مصلحة له في الوضوح، وكل من يسعى إلى الشرح والتوضيح يتعرض للهجوم من قبل هؤلاء بدعوى أن مشكلة التعليم بسيطة ويكفي أن نتوحد ونتكتل وتبتعد عنا النقابات حتى تستمع لنا الحكومة ومعها الوزارة وتتجاوب مع مطالبنا المشروعة، لأن الدولة نفسها تردد أن التعليم هو أساس التنمية وهو القضية الثانية على سلم ترتيب الاولويات في البلاد، يا لها من رومانسية نضالية وهنا تحضرني مقولة لينين “لقد كان الناس وسيظلون أبدا، في حقل السياسة، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون ويخدعون أنفسهم، ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير والبيانات والوعود الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية “، ولتحقيق هذا الإرتباك على مستوى الفهم لطمس حقيقة الصرع يعمد أصحابنا هؤلاء إلى الهجوم المركَّز على العقل العلمي في التاريخ والاقتصاد والسياسة، الذي يمكن أن يعبر عن نفسه من داخل الشغيلة لشيطنة أصحابه واتهامهم بخدمة أجندة سياسية ومحاولة لتحوير المعركة التي هي في نظر اصحابنا بسيطة، هنا يجد الفكر الضحل موطأ قدم لأنه يدغدغ مشاعر العامة التي كما قلنا تَمْقُت التعقيد وتركن الى البساطة نظرا لهيمنة الوعي الحسي العاطفي عليها، وفي هذا الفكر تقوم الخطابة مقام البحث والتحليل باعتبارها وجهاً آخر للإنشاء اللغوي، لذلك تجده وهو يحاول أن يحلِّل الأفكار والظواهر يرتبك، لأنه ينطلق، في تحليله ذاك، مِن جهله لمعاني المصطلحات والمفاهيم، فيستعملها بغير دقَّة ووضوح، أو بصورة مغايرة لمضامينها الحقيقيَّة كرفع شعار (حرية كرامة عدالة اجتماعية) دون استيعابه في عمقه باعتباره شعارا سياسيا، وأيضا (هذا تعليم طبقي أولاد الشعب في الزناقي) وغيرها من الشعارات التي تصدح بها خناجر الشغيلة وهي تحتج لكن غالبيتها لا تدرك معانيها، ببساطة لأنها تحمل فكرا يكره التحليل والفهم، ويحقد على العقل خاصة النقدي، وحتى انخراط البعض في المعركة مبني على الانبهار بالأحداث الكبيرة انبهاراً يشلّ قدرته على التحليل، فَيَمِيلُ مع الحدث كيفما يميل، ولا يحلِّل، بل يؤكِّد، لأنَّه في عجلة مِنْ أمره والعجلة هنا تكمن في تسويق موقف أننا في غضون الأسبوع المقبل سنرغم الحكومة على الاستجابة لمطالبنا اذا استمرت وحدتنا واستمر اضرابنا وتصعيدنا فيه، فهل بمثل هكذا تفكير سننتصر في معركتنا؟
أكاد أجزم القول بأن الانتصار في هذه المعركة رهين بإقامة فهم حقيقي بقضية التعليم باعتبارها قضية طبقية لبناء أليات الرد وامكاناته، وبالتالي لابد من استيعاب الخلفية السياسية لكل المخططات المُنَفَّذة في هذا القطاع، فما هي هذه المخططات وهذه الخلفية؟
لم يعد خافيا اليوم عن أحد بأن الدولة تستهدف تفكيك الوظيفة العمومية وإعادة هيكلتها بدء بالتكوين والتوظيف والتأجير والترقية والرقابة والتسيير وصولا إلى التقاعد. ويأتي ذلك في سياق تنفيذ لجملة من الاتفاقيات السرية وحتى العلنية التي أبرمتها الدولة المغربية منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، بعضها مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوربي وبعضها الآخر مع الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار ما يسمى باتفاقيات التبادل الحر، نموذج برنامج “ميدا” الذي يستهدف تكييف الاقتصاد والتشريع المغربيين مع قواعد منظمة التجارة الدولية . وهي قواعد مفروضة على الشعب المغربي كما أوضح المفكر محمد الدريج ولم يستشر في نقاشها وهي سارية المفعول منذ 1995م تنفيذا لاتفاقية GUATT، ومن بين هذه القواعد أيضا الاتفاقية العامة للخدمات AGCS التي تهدف إلى تسليع المرافق العمومية وتشجيع المنافسة، ومن بين الاتفاقيات السرية هناك اتفاقية جديدة حول تجارة الخدمات أفصحت عنها الوثائق المسربة من طرف موقع “ويكيليكس” في أبريل 2014م، ويتعلق الأمر بتعميق ليبرالية الاتفاق العام حول تجارة الخدمات وفتح المجال أكثر لهيمنة الرأسمال على الخدمات العمومية، ويسمى هذا الاتفاق ب:”الاتفاق حول تجارة الخدمات” أو ما يسمى ب “TIS”، ويطمح هذا الأخير إلى الحد من الحواجز التي تمنع وتعرقل استثمارات الشركات الكبرى في مجال الخدمات و تبسيط الإجراءات لاستحواذ الشركات على القطاع العام، و يهدف أيضا إلى تكريس مرونة التشغيل وإصلاح التعليم لكي يصبح في خدمة المقاولات المغربية والأجنبية الوافدة في إطار السوق الحرة وعولمة الرأسمال. هذه القيود استسلمت لها الدولة المغربية مقابل خدمات الديون المتراكمة منذ بداية عقد الثمانينيات حتى اليوم، وهنا يأتي مخطط التعاقد الذي يهدف الى تصفية الوظيفة العمومية باعتباره قرار سياسي وليس قرارا مستقلا لوزير أو حكومة متعاقبة، وقد سبقته مخططات وقرارات شبيهة، نذكر من بينها المنشور الثلاثي القاضي بتشغيل العرضيين خلال نهاية التسعينيات من القرن الماضي، و قرار تشغيل أساتذة بالعقدة بتاريخ 3 غشت 2009 وقرار فصل التكوين عن التوظيف موسم 2015/2016، وكلها قرارات تسعى تحقيق نفس الهدف ألا هو التنصل من التشغيل في الوظيفة العمومية، في إطار الاستجابة للسياسات المملاة من أطراف خارجية، وتنفيذا لبرامج التقويم الهيكلي المنطلقة بداية الثمانينيات مرورا بالانصياع التام لتوصيات البنك العالمي وتقريره الشهير لسنة 1995م حول المغرب (الذي طالب بضرورة تخفيض نفقات التعليم، واستعمال المال العام على محدوديته من أجل أن يصبح المحرك الأساسي للقطاع الخاص) وأضيف إليه تقرير سنة 2016 بعنوان ” المغرب في أفق 2040″، مرورا باتفاقيات التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية واتفاقية التبادل الشامل مع الاتحاد الأوربي التي تنص على منع استنساخ الأدوية وفتح التعليم والصحة للشركات متعددة الجنسيات للاستثمار بالقطاع العام ، ثم اتفاقيات شراكة أخرى تم إبرامها مع المؤسسات المالية الأجنبية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. بالمحصلة الذي يتحكم في سياسة البلاد ليس هم السياسيون المغاربة بل جهات أجنبة خاصة المانحين منهم، وبالتالي محاولة تجنب الارتطام بهذه الحقيقة معناه تبني سياسة النعامة التي تعمل على دفن رأسها في الرمال معتقدة بذلك أنها خبأت نفسها وحجبته عن أي تهديد، وهي سياسة لن تفيد الشغيلة في صراعها الوجودي هذا، ببساطة لأن ذلك كمن يعالج السرطان بمسكن الحمى الدوليبران، لأن حرب الدولة ضد الوظيفة والمدرسة العموميتين لم تنطلق الآن بعد فرض النظام الأساسي الجديد يوم 27 شتنبر 2023، بل تم التخطيط له منذ التقويم الهيكلي بدية الثمانينات من القرن الماضي وتم ترسيمه وتسطيره بالميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999م بحيث تنص المادة 135 منه بالحرف على ما يلي: يتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا، بما في ذلك اللجوء للتعاقد على مدة زمنية تدريجية قابلة للتجديد على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات وفق القوانين الجاري بها العمل.
وأيضا جاء في نص الظهير الشريف رقم 1.58.008 الذي يحتوي على القانون العام للوظيفة العمومية وبالضبط في الفصل 6 مكرر: “يمكن للإدارات العمومية أن تشغل أعوانا بموجب عقود وفق الشروط و الكيفيات المحددة بموجب مرسوم “، ويضيف نفس الفصل “لا ينتج عن هذا التشغيل في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة”.
وقد صادق مجلس الحكومة يوم 24 يونيو 2016 على مرسوم يحدد بموجبه شروط و كيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية و ذلك حسب ما جاء به قانون 50.05 .
ومن أجل التأكيد أيضا على خيار الدولة فقد نص المخطط الاستعجالي سنة 2009 على ما يلي : “سوف تتم مراجعة أشكال التوظيف إذ ستجري على مستوى كل أكاديمية على حدة، وفق نظام تعاقدي على صعيد الجهة”
إنه مخطط طويل الأمد ومعد منذ مدة عبر إخراج ترسانة قانونية الهدف منها شن حرب طبقية حقيقية ضد الموظفين والوظيفة العمومية وأيضا ضد المرفق العمومي ومنه المدرسة. وقد عمدت الدولة إلى سلك تكتيك ماكر وذلك بتمرير المخطط جرعة جرعة، وصولا إلى تمريره بالكامل، هذا التكتيك يعد من إحدى توصيات البنك الدولي التي عملت بها الدولة المغربية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي لتفادي الرد الاحتجاجي المعمم على سياساتها، والهدف المراد تحقيقه هو تخفيض كلفة الأجور وجعلها غير مرتبطة بالأقدمية، بل بالمردودية المُفْتَرَى عليها زُوراً، وذلك بتفعيل العمل بمشاريع المؤسسات، والانفتاح على مصادر أخرى للتمويل، وإدخال المنافسة بين المؤسسات التعليمية “المدرسة الرائدة” نموذجا، والعمل بنفس المنطق المعمول به في المقاولات والشركات الصناعية والتجارية، بحيث يصبح دور الدولة مقتصرا فقط على تحديد الأهداف الكبرى وتفويض قرارات التدبير في إطار اللامركزية واللاتمركز للفاعلين المستقلين والتملص التدريجي من تمويل الخدمة العمومية بقطاع التعليم، بل العمل على بيعها للخواص أو في أفضل الحالات دفع الأمهات والآباء نحو الأداء مقابل الاستفادة من خدمة التعليم.
لهذا اختم بالقول أنه بدون تَمَلُّك هذا الوعي وهذا الفكر الذي يستحضر التاريخ بشكل علمي عوض أن يقيم الصراع بين الخير والشر، فإن معركة الشغيلة التعليمة ستكون أشبه ما تكون بالسفينة التي تبحر بدون بوصلة والتي مآلها من دون شك الضياع وفقدان الوجهة هذا إذا لم ترتطم وتتحطم وسط البحر، ووجهة الشغيلة حاليا هي اسقاط المخططات الطبقية “النظام الأساسي الجديد مرسوم قانون 2.23.819” وقانون الإطار 51.17، الذين يهدفان إلى تسليع التعليم وخوصصته والقضاء على الوظيفة العمومية وتحويل المدرسين إلى عبيد وفقراء.

شفيق العبودي /العرائش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *