“الشر جر” عرض مسرحي باللغة الحسانية، يأتي بعد سلسلة من العروض المسرحية الناجحة لفرقة أدوار للمسرح الحر بكلميم. ابتداء من مسرحية الريح وانتهاء ب “نصراني ف تراب لبيضان”، مسار فني لهذه الفرقة المسرحية التي تشكلت من أجيال تنتمي لتربة الصحراء المغربية. مزيج من شباب، أمسوا اليوم يتابعون دراستهم الأكاديمية في المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، ورواد لحركة المسرح بكلميم، وشباب تمرسوا في مشتل التكوين المسرحي لفرقة أدوار. ومع كل عرض مسرحي جديد للفرقة، ومع كل تتويج لها في المهرجانات المسرحية، أصبح لثلاثي أدوار (حمادة أملوكو وأيوب بوشان ومصطفى أكادر) حضور لافت في جل العروض المسرحية الجديدة، وانضاف الممثل زكرياء كلاع لهذا الفريق الشاب، ضمن تجربة جديدة تخوضها الفرقة.
المسرحي عبداللطيف الصافي، بمعية فريق تقني يتكون من (عبدالعزيز نافع وابراهيم عجاج ومحمد زركان ومروان زازا)، قدموا العرض الأول لمسرحية “الشر جر”، الأيام القليلة الماضية في كلميم، وهي مسرحية من إنتاج فرقة أدوار للمسرح الحر السنة الجارية. مسرحية “الشر جر”، مقتبسة من نص مسرحي للكاتب الإسباني “ألفونسو ساستري” “فصيلة في طريق الموت”، وهو انتقال من النص “الرحلي” “نصراني ف تراب لبيضان” الى نص مسرحي (صدر ضمن سلسلة المسرح الإسباني المعاصر).
وينتمي المسرحي والناقد “ألفونسو ساستري” الى جيل الواقعية الاجتماعية بإسبانيا، والذي شكل أعضاؤه الأركان الرئيسية للتجديد المسرحي الإسباني في النصف الثاني من القرن العشرين، ويقدم في أعماله مواقف يجد فيها الفرد نفسه في مواجهة مع مصيره المأساوي. وكما في هذه المسرحية، التي تعتبر أحد الروائع العشر للأدب الإسباني في القرن العشرين، فان العزلة التي وجدت الشخصيات نفسها فيها، وحالة الانتظار المستمر، ستظهر أحلك ما فيها من مشاعر ولكن أيضا ستظهر مشاعرها الأكثر إنسانية. لكن اللافت في الاختيار أن النص يعيش راهنه، وليس لحظة كتابته فقط، في تركيزه على الاهتمام بالإنسان وبمصائره وبكل العناصر التي تبني شخصيته وتوجه كينونته وتحدد مساراته في الحياة.
شخصيات “لعريف” (بوبزة)، والجندي1 (لمغيمظ)، والجندي 2 (حنطويلا)، والجندي 3 (الحامق)، “مجموعة من الجنود محكوم عليهم بالإعدام نتيجة لسلوكهم المتمرد، يتم إرسالهم في مهمة انتحارية. المعاملة الاستبدادية “للعريف” تدفع الجنود لقتله، وبموته تتفكك المجموعة ويدب الخلاف بين أعضائها، والذين أصبحوا وحدهم بلا معالم.. أحدهم ينتحر بينما الآخرون ينتظرون شن هجوم.. لكن، لا شيء يحدث.. يتملكهم اليأس حيث يكتشفون في الأخير أنهم معزولون وعليهم مواجهة مصيرهم و ذواتهم..”. تكمن أهمية هذا العمل الفني في أن له علاقة كبيرة باللحظة الراهنة، حيث عالمنا اليوم متشنج ويعيش حالة صراع مدمر لا يتوقف. وهو الأمر الذي يحفزنا على التفكير: من نحن؟ وماذا نفعل هنا؟ وما الذي يتعين علينا القيام به؟
يؤكد المسرحي عبداللطيف الصافي، معد ومخرج العمل المسرحي “الشر جر”، ينبع “اشتغالي على هذا النص، تحديدا، انطلاقا من انشغالاتي الفكرية والجمالية السابقة، والتي تحثني على الاستمرار في البحث عن كل ما يمكن أن يجعل المسرح، بشكل عام، يخترق الثقافة الحسانية سواء عبر إدماج الثالوث المهيمن عليها، والمتمثل في الموسيقى والحكاية والشعر، ومختلف التعبيرات التي تحفل بها ذاكرة الإنسان الصحراوي.. أو من خلال دراماتورجيا تستحضر المشترك الإنساني والتناسج الثقافي، والذي لا يلغي الخصوصيات المحلية في أبعادها الثقافية والنفسية والاجتماعية..”، ووفق هذا المنحى، عمل المخرج الصافي على تكييف، النص الدرامي المعد، وفق رؤية منفتحة على مختلف الأفكار التي ستتولد عن النقاش بين كل مكونات العرض المسرحي: من ممثلين وتقنيين وأصدقاء مواكبين لتجربة فرقة أدوار للمسرح الحر بكلميم.
في “الشر جر” تحضر اللهجة الحسانية، التي اجتهد فريق العمل في أن تكون واضحة وقريبة من الممثلين والجمهور على حد سواء، لكن التحدي الأكبر الذي واجهه تمثل في المعالجة الدرامية لمختلف المشاعر والعلاقات الإنسانية المكثفة، والبحث في الشكل الذي سيمكن من إيجاد التوليفة الناجعة بين الأضداد والتناقضات واستكشاف الفضاء المتخيل والدقة في رسم حركة الجسد. .