ولدت الشاعرة والأديبة وفاء العمراني بمدينة القصر الكبير، في 15 أبريل 1960، في أسرة كريمة ربها أستاذ وفقيه وعدل، هو الراحل محمد العياشي العمراني، خريج جامعة القرويين بفاس، عمل في الخمسينيات أستاذا بالمعهد الديني بالقصر الكبير، لكنه سرعان ما تحول إلى مهنة خطة العدالة. وقد استفادت وفاء العمراني من خزانة والدها الغنية بأمهات الكتب في اللغة والأدب والفقه، وغيرها. وبما أن والدها عرف عنه ميله إلى التصوف، فإن كريمته وفاء قد نهلت من كتبه، وتأثرت بالصور البلاغية والأدبية الواردة فيها، ثم اتجهت نحو التجارب الأدبية المعاصرة للنهل منها.
حصلت على البكالوريا بالثانوية المحمدية في القصر الكبير، مما يَسَّرَ طريقها نحو الدراسة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط. وقد حصلت على شهادة الإجازة سنة 1982، وعلى شهادة استكمال الدروس العليا في الأدب الحديث بهذه الكلية سنة 1984، الأمر الذي مكنها من ولوج العمل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في المحمدية. غير أنها تركت التدريس الجامعي، وانتقلت للعمل مستشارة ثقافية لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون ما بين العامين 2003 و2007، وعينت بنفس الصفة في دمشق منذ أكتوبر من العام 2007، ثم في عدة دول عربية أخرى.
ووفاء العمراني هي عضو في اتحاد كتاب المغرب، وعضو دائم في المجلس الأعلى لبيت الشعر في المغرب، وحصلت في سنة 2002 على جائزة المغرب للكتاب (فئة الشعر) عن ديوانها (هيأت لك). وقد استطاعت بموهبتها ومستوى تكوينها، أن تمثل القصر الكبير وتشرفه أدبيا، حيث صارت أيقونة الشعر داخل المغرب وخارجه. فكيف كان مسار تجربتها الشعرية؟
انطلقت شاعرتنا المُجيدة بنشر شعرها انطلاقة قوية، حيث نشرت سنة 1980، قصيدتها “موج التناقض العذب”، في مجلة “مواقف” اللبنانية الطليعية. ثم نشرت مجموعة من القصائد والمقالات الأدبية بعدة منابر: الاتحاد الاشتراكي، أنوال، البيان، آفاق، الزمان المغربي، الآداب (لبنان)، أخبار الأدب (مصر)، ألف (قبرص)، القدس العربي (لندن)… وهكذا استطاعت وفاء العمراني أن تحقق تراكما إبداعيا مهما، مكنها من أن تنشر عددا من الدواوين الشعرية الرائعة، ندرج عناوينها فيما يلي:
– الأنخاب: شعر، اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 1991.
– أنين الأعالي: نصوص, دار الآداب، بيـروت، 1992.
– فتنة الأقاصي، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996 (مع شريط صوتي)، الطبعة الثانية في السنة نفسها عن الدار نفسها (بدون شريط)
– هيأت لك، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2002.
ـ حين لا بيت، دار البوكيلي، القنيطرة، 2007.
– تمطر غيابا، منشورات بيت الشعر، الدار البيضاء، 2011.
ـ ابن البلد.. العاشق معشوقا، فاصلة للنشر، طنجة، 2019
هذا مع العلم أن عددا من قصائدها قد ترجم إلى عدة لغات، من بينها الفرنسية والإسبانية والانجليزية والألمانية والإيطالية واليونانية والمقدونية والسويدية والهولندية والدنماركية. كما شاركت هذه الشاعرة القصرية المغربية المثابرة، في العديد من اللقاءات الشعرية المشرفة الوطنية والعربية والدولية، لا يسمح المجال بذكرها، كما لا يسمح باستحضار الكتابات الاضافية عن تجرتها الشعرية المتميزة، ونورد منها من أجل الاستئناس هذا البورتريه الذي حبره حسن بيريش:
((إنه جسد اللغة، الذي يدفن في المعنى دون أن يموت في اللفظ. ولا يشتهى خارج نيران العبارة، حين نهبها، ونحن نكتب، عنان الطاعة، لا زمام المعصية !!..
وهذا صنيع وفاء، تنتهك أسرار اللغة، وتبحث عن اللامنبثق، وتتغذى من سورة المنبلج، وتكشف، وهي سادرة في غي المعنى، كم هو سرابي كالماء التعبير عن المخفي)).
وللشاعرة المتألقة متتبعون لما تحظى به من إبداع في المجال الشعري. وقد حدثنا الاستاذ بوسلهام المحمدي في كتابه (أدباء ومفكرو القصر الكبير المعاصرون بحث وتراجم)، حيث قال في هذا الصدد:
((يحظى شعر الاستاذة وفاء بإقبال القراء واهتمام النقاد، نظرا لجماله ورقته، فقد كتب عنه منوها الكثيرون، ومما كتبه الدكتور عبد الرحمن مجيد الربيعي: “شعر وفاء العمراني يحمل هواجس امراة منذورة لأحلامها، ولشعاب تجاذبتها في الخفاء”. الى ان يقول “أما قاموس الشاعرة فثري جدا، وهي تحاول أن تصوغ مفردات جديدة من مفردات شائعة دون أن تخل باللغة أو تتعدى عليها ” ص (155)
ويعرف عن شاعرتنا أنها تترك نصوصها تتحدث نيابة عنها، وبأنها حددت طريقها وأفق انشغالها. وهاهنا يقول عنها الكاتب محمد العربي العسري في كتابه (أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث ملامح من حياة ـ مقاطع من نصوص) (الجزء الثالث):
(… ولكي تخلق هويتها الخاصة كان لابد لها من نظرة مغايرة للغة، (لكي تكون ذاتك تؤسس جسدك – اسمك عليك أن تخلق لغتك. اللغة لون آخر لهذا الجسد- السم، الجسد الهوية، وشممميز له علامة اخرى من علامات الحضور والإشعاع
ذات مرة كتبت تقول:
اسمها وفاء وكان قدرها الوفاء بلا شروط في زمن شح فيه الوفاء مثلما شح الهواء. الوفاء للهوية، للكتابة، ورفض اي مستقبل خارجها. الوفاء للمبدأ، أي للحرية ولو بأفدح الأثمان. الوفاء للقلب واختياراته ما لم ينس هذا الاختيار الكتابة. ص(153).
فتحية إلى شاعرتنا القصرية العربية الكبيرة، الصامدة، المعطاء لقصائد شعرية بهية تتحف بها عشاق الكلمة المتناغمة.
بقلم: أمينة بنونة