الأديب القاص عبد السلام الجباري، من مواليد مدينة القصر الكبير سنة 1945م، ينتسب إلى أسرة الجباريين المعروفة بمدينة القصر الكبير. وكجل أطفال جيله، كان تعليمه الأولي بالكتاب القرآني لحفظ القرآن الكريم، في جامع الجباري بلالا عائشة الخضراء، ثم تابع تعليمه بمدارس المدينة، إلى أن حصل على شهادة البكالوريا. مما سهل عليه الالتحاق بكلية الآداب في جامعة بغداد بالعراق الشقيق، بدلا من القاهرة التي سبقه إليه زملاؤه. فنال شهادة الإجازة بشعبة الفلسفة سنة 1970م، وحين عاد إلى المغرب اشتغل أستاذا لمادة الفلسفة والفكر الإسلامي، بعدة مدن مغربية، إلى أن استقر في مدينة أصيلة.
ويخبرنا المرحوم بوسلهام المحمدي، أن الأستاذ عبد السلام الجباري هو أحد العناصر الفاعلة في المجال الثقافي. فقد كان محررا عاما للشؤون الاجتماعية بجريدة فصول أصيلة سنة 1988، علاوة على أنه عضو في الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة ابتداء من سنة 1991، كما التحق سنة 1997 بالجمعية المغربية لحقوق الانسان. مع العلم أن الجباري اهتم منذ حداثة سنه بالرسم وكتابة الخاطرة والموسيقى العالمية. وأضاف عن إبداع الجباري الأدبي، أنه إلى جانب إجراء عدة حوارات معه من طرف المنابر الوطنية، قد نشر مقالات ونصوصا قصصية وشعرية، في العديد من المنابر المغربية.(1).
وعن علاقة عبد السلام الجبار بالكتابة، قال محمد العربي العسري:
((وفي طريق البحث عن الذات يكتشف لذة الحرف ونشوته وسلطته: عندما كنت طفلا جربت الكتابة على اللوح قبل ان أجربها على الاوراق، فاستعصى علي الأمر وكدت أعتبر الكتابة شبه مستحيل ، لكني سمعت مرة أن كلمة مستحيل لا توجد في قاموس بعض الناس فعدت مرة أخرى إلى الكتابة . كتبت في البداية الشعر واقترنت الكتابة في ذهني بالعاطفة الجياشة وبالحب، لكن قراءة جبران خليل جبران، والمنفلوطي، وعمر أبو ريشة، وسلامة موسى وتوفيق الحكيم وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي علمتني أن الكتابة إبداع وخلق ومعاناة ومنهج ونسق.))(2).
كما يقول أبو الخير الناصري عن مساره وميولاته الفنية والأدبية، أن الأستاذ عبد السلام الجباري مال منذ نعومة طفولته، إلى الموسيقى والتشكيل، لاهتمامه المبكر بما كان يشاهده في صغره من معارض فنية بالقصر الكبير، لبعض الفنانين الإسبان، كما كان يعشق موسيقى الفلامنكو، مما أوحى له بالرغبة في أن يصبح موسيقيا أو فنانا تشكيليا. وبالنسبة للقراءة في مرحلة الصبا، يؤكد الأستاذ أبو الخير الناصري أن الجباري أولع بقراءة أمهات الكتب، فانغرست في نفسه محبة الكتابة(3).
وقد أمعن أبو الخير الناصري في تذكر شخصية أستاذه عبد السلام الجباري، بقوله:
((وحيداً تراه أو صُحْبَةَ رفيق أو رفيقين لا غير، كالقِدِّيسين هو في غربته داخل المدينة. قد يظهر في مقهى عَلِيٍّ مساء، أو مقهى وادي الذهب ذات صبيحة يتصفح الجرائد، ويَسْتَبْطِنُ ما وراء السطور. وقد تلقاه ماشيا بمحاذاة الشاطئ وحيدا يصارع أفكاره، ويُبْحِرُ في تأملاته وعوالم نصوصه المكتوبة أو التي هي على مَشَارِفِ الولادة أو النشر. وربما غاب زمنا، ثم أَطَلَّ من صفحة منبر وطني أو جِهَويّ بنصٍّ أدبي أو فكري لا يحاكي فيه غَيْرَ جراحِه وأفكارِه الفريدة الجريئة.
كُلَّمَا رَأيْتُه في شوارع المدينة ارْتَحَلَ فِكْري إلى سنوات الدراسة بثانوية وادي الذهب بأصيلا حيث دَرَّسَني مادة الفكر الإسلامي والفلسفة. لم تكن حصته كالحصص الأخرى، كان أستاذنا عبد السلام الجباري يفتح عقولنا المغلقة على النصوص الفلسفية كما يفتحها على الواقع والحياة. وفي حصته عرفت الأسماء: محمد عابد الجابري، وعبد الكريم الطبال، ومحمد شكري، وپول بولز، وسلسلة شراع…كانت حصته شُرْفَةً نُطِلُّ منها على الفلسفة والشعر والأدب والمشهد الثقافي في المغرب. وإليه يعود الفضل في تقريبنا من هذا المشهد، وربطنا به وبأعلامه، وإتاحة الفرصة لنا- نحن التلاميذَ- للسؤال وللتعبير عن آرائنا في قضايا كثيرة. أذكر أن حصته مَكَّنتِ الكثيرين منا من التحرر من عقدة الصمت خوفا أو خجلا؛ ولهذا ظل دوما محل احترامنا ومحبتنا.
ومثلما كانت حصته الدراسية مختلفة كانت شخصيته أيضا مغايرة، إذ لم يكن مصابا بعقدة “الأستاذية المتعالية”، فقد أَلِفْنَا أن نَلْقَاهُ في شارع مولاي الحسن بن المهدي (El paseo)، أو في ساحة مقهى من مقاهي المدينة، فنُبَادله التحية والسلام. كانت خصاله تلك مثار تعجبي وحيرتي، أقول لوالدي: الأستاذ عبد السلام الجباري يختلف عن الأساتذة الآخرين، فيقول لي إنه سليل عائلة عريقة في القصر الكبير، أبوه عالم من علمائها، أما هو فقد خَبَرَ الحياة عميقا…))(4).
وقد اختار حسن إغلان الحديث عن كتابة الأديب عبد السلام الجباري بشكل عام، فقال عنه:
((ما زال للبحر كتابه، و مازال الكاتب عبد السلام الجباري يقاوم أمواج أصيلة الرتيبة بخيالاته، وكتاباته المقلقة بالماء والضجر. ما فتئ الكاتب المغربي يبعد القلم من أصابعه حين ينخره المكان والزمان، وما فتئ كذلك يغير أوراقه وقلمه إلى جهة أخرى في جغرافيا الكتابة، لكن عبد السلام الجباري يقوض تلك الفرضيتين، ويعلن الكتابة طيفا أزرق دون البوح بذلك. وكأنه شاهد على ومض ينفلت من الفلسفة ليستقر في الأدب عنوة أو طوعا، وبينهما يستر طيات حكاياه بالماء وأشياء أخرى. تبدو هذه الطيات في الاستهلال المعين بوضوح في أقوال فريد الدين، والعطار، ونيتشه، وسارتر. إذا نظرنا إلى الثلاثة الأولين، فإننا سنتحصل على هروب المعنى من التراب إلى البحر. فالأقوال تلك تركب مخاطرة البحر. لا لتقول المعنى. بل لتقوضه وتدفعه إلى تخوم اللامعنى))(5).
اما ذ. ادريس الوغيش، فتحدث عن قصص كاتبنا من خلال عالم مجموعته القصصية «وداعا شوبنهور»، حيث كتب:
((بين نزوع القاص عبد السلام الجباري نحو كتابة القصة وانحيازه للفلسفة “المادة التي دَرّسها على مدى أربعين سنة” كسلوك ومنهاج في الكتابة والحياة، واختياره الابتعاد عن الأضواء، يكون قد تأثر بمسارات فلاسفة وأدباء سبقوه من أمثال مارسيل بروست ومحمد شكري وباتريك موديانو ومحمد زفزاف.
أسس القاص الجباري لنفسه عالما خاصا في الحياة بحثا عن الفرادة والهروب من مَحاجّ القطيع في فن كتابة القصة، واختار أن تكون له أيضا خاصيته وطقوسه فيها، خصوصا في مجموعته الأخيرة «وداعا شوبنهور» من خلال طابع سردي لم نعتد عليه في كتابة القص))(6).
إن الكاتب القصاص عبد السلام الجباري، كاتب أصيل، يستحق من نقاد الأدب مزيدا من العناية والاهتمام، من أجل استكشاف أسرار عوالم قصصه المتميزة.
هوامش:
1- أدباء ومفكرو القصر الكبير المعاصرون، بحث وتراجم بوسلهام المحمدي، ص165- 166.
2- أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث ملامح من حياة_ مقاطع من نصوص. الجزء الثالث . محمد العربي العسري، ص. 232 ـ 233.
3 _ أبو الخير الناصري مشاعل القصر الكبير.
4_ضمن حوار مع الأستاذ أبو الخير الناصري في “مدونة اسماء التمالح”
5 ـ حسن إغلان في الجريدة الإلكترونية (أخر خبر).
6 ـ إدريس الوغيش في موقع (الحوار المتمدن).
أمينة بنونة