الرئيسيةإبداعالطفلة التي كنتها

الطفلة التي كنتها

من منا لا يردد ” لو عدت طفلا لغيرت مجرى حياتي” وكأننا نضع طفولتنا في قفص الاتهام عن مصيرنا الحالي ناسين أننا مهما حاولنا لا نستطيع الحكم على من هي دوما وأبدا بريئة وفي حالة استقلال وجداني ذاتي لا يميزها إلا ما يسطره لها واقعها المحيط بها عندما تكون سوى صفحة بيضاء خالية من كل نقش وصورة، فطفولتنا لا نعيشها بإدراكنا أو وعينا بل بعقول غيرنا لذلك ترانا دائما نتحسر عنها ولنا حنين دفين للعودة إليها.
ولعودتي لطفولتي الغالية والعزيزة على قلبي مرارا اشتاق إليها والى حلاوتها وحتى شقاوتها، طفلة كنت مرحة جدا أعيش في كنف أسرتي ميزتي أني كنت أتوسط إخوتي فكنت أتعلم الكثير ممن يكبرنني واكتسب أكثر ممن يصغرنني مما ساعد في تطوير شخصيتي.
ومن الذكريات التي لا أحصيها أتذكر حادثة بقيت عالقة بذهني وكلما طفت فوق صهوة عقلي تراني ضاحكة ومتعجبة في آن واحد.
كان ذلك في يوم حفل عقيقة أختي الصغرى، أي بالعاشرة من عمري، كل العائلة حضرت مشاركتنا الاحتفال بالمناسبة ، وبغرفة بسطح منزلنا كنت وجميع الأطفال الموجودة نلعب، وكان كل واحد منا يحب أن يتميز عن الأخر بما يعرفه ، فأردت بدوري أن أبهرهم بالعاب السحر التي تعلمتها من خالي رحمه الله، سواء معرفة من دون أن أرى الورقة المختارة من طرفهم من بين مجموعة أوراق ” الكارطا” أو تلك اللعبة التي كانت تعتمد على تخبئة قطعة نقدية ومحاولة إخراجها من أنوفهم أو آذانهم ، لكن وللحظة اكتشفوا أني سوى اضحك عليهم فأنكرت طبعا وصممت على أنني حقا ساحرة، ولبرهنة ذلك طلبت مني إحدى بنات عمي أن أنادي على حمامة كانت تحلق في سماء سطحنا لتحضر أمامنا.
بدون تردد قمت أغمضت عيني وبحركات دائرية بيدي بدأت اردد ” السحور محور يا حمامة أجي عندي هنا ” فإذا بصوت مدوي وحمامة غارقة في دمها تسقط بقربي تماما، انفجعت وانفجع كل من حولي فتعالت أصواتنا بالصراخ والعويل مما جعل الكل يصعد إلينا ليتفقدوا ما يحدث . كنت متسمرة مكاني من الدهشة والخوف والباقون يصرخون بصوت واحد “إنها هي من سحرت الحمامة وقتلتها”. ولازلنا كذلك فإذا بشاب يطرق الباب مستفسرا حمامة قنصها سقطت فوق سطحنا.
صدفة حيرت عقلي وجعلتني أفكر في غرابة التوافق الزمني الغير المفهوم الذي حصل بين الحدتين، مما دفعني أتساءل عن مفهوم الصدفة ومدى تأثيرها على حياتنا، وهل الحياة بالمجمل صدفة وربما وجودنا بذاته ما هو إلا صدفة التقاء لا نعلم فحواه ، ومن دون إذننا حتى !!!
هذه إلا هنيهة من ما عاشته الطفلة التي كنتها فما بالك بطفولتي كلها التي مرت بمراحل عدة وأماكن مختلفة.
أحداث شيقة عشتها بمنزل جدي وجدتي بحي الفرفارة حيت كنت طوال الوقت بحديقة البيت أجري بين الأشجار ، أتأرجح بالأرجوحة وأحيانا كثيرة كنت أضل واقفة أتأمل كيف كان مساعد جدي يحلب بقرة أو كيف كانت جدتي تدعو الدجاج فيأتوها سعيا لتقدم لهم البذور ، وكيف كان الكلب لا يقف عن النباح كلما رآني، ناهيك عن الحمار الذي كان محترفا في سرقة بيض الدجاج.
وأياما ممتعة مليئة بالمغامرات تركت أثرا جميلا في نفسي
قضيتها رفقة إخوتي بشاطئ مولاي بوسلهام أثناء العطل الصيفية التي كانت مدتها أكثر من ثلاثة أشهر وتمر كأنها يوما أو بعض يوم…
لحظات من أبواب الماضي سمحت لي بالعودة إلى زمن طفولة بريئة ستظل ذكرياتها حكمة ترسم حروفها على كل بسمة تزور حياتي ولو صدفة.
وإن الآن شخت وشاب شعر رأسي…مازلت طفلة…

طفلة كنت ومازلت

ذة. مارية بنونة

 

الطفلة التي كنتها” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتابا وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية

أمينة بنونة
أمينة بنونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *