قدر الله وماشاء فعل ،وانا لله وانا اليه راجعون..هذا ما بقي لنا وما نستطيعه بعد خمسة أيام من الانتظار والتتبع؛ كانت انفاسنا تكاد تنقطع في لحظات خطر الهدم المحتمل الذي كان يهدد الطفل ريان الغائب عن انظارنا يعلم بحاله خالقه ،والجنود المجندون الذين غامروا بحياتهم لانتشال ريان حيا اوميتا بكل صبر وإصرار وتحدوا في مهمتهم هذه كل الظروف الجغرافية الصعبة .وطبعا هذا ليس بالغريب عن الشعب المغربي الذي اسماه جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بشعب التحدي.
والطفل ريان هو من الشعب المغربي، تحدى طفولته وعاش ظروفا مغايرة لما يمكن أن يعيشه طفل من سنه: عاش بمنطقة تفتقر لأبسط متطلبات الحياة ، وفي غياب لظروف تمكنه من اللعب مثل الأطفال او من مكان يوفر له “ماقبل التمدرس” اختار لنفسه دخول حفرة ضيقة ليقدم بها رسالة “لكل من يهمه الامر”
هذا هو مكان أطفال غفلت عنهم اهتمامات المسؤولين .
ان الطفل ريان رغم سنه الصغير دخل التاريخ من بابه الواسع ليخرج منه اشخاصا عمروا أطول منه دون أن يقدموا شيئا يذكره التاريخ .
لقد شاءت الحكمة الإلهية ان يكون هذا الطفل البريء سببا في توحيد أمة إسلامية بدأت تتمزق.. وأمة عربية أصبح ما يفرقها اكثر مما يجمعها ..بل وأمة انسانية لا يعلم بعضها عن البعض الاخر شيئا وكل في دائرته يدور غير ابه بالاخر.
ان الطفل ريان اماط اللثام عن واقع بقدر ماهو مشرف وجميل ويعبر عن المملكة المغربية المتميزة تاريخيا بقدر ما هو مؤلم ومخز من جانب اخر.
لان الجانب المضيء هو الذي مثله مسؤولو إقليم شفشاون بدءا من أعلى سلطة في الإقليم الذي هو عامل صاحب الجلالة حفظه الله الذي وقف على قدم وساق وقدم نموذجا مشرفا للمسؤول ،إلى جانب كل رجال السلطة والدرك والقوات المساعدة والوقاية المدنية والمجتمع المدني، والهلال الاحمر، وكل الشعب المغربي الذي حج لهذه المنطقة رغم صعوبة تضاريسها وبردها القارس،وبعدها عن كل مستلزمات الحياة . بينما غاب ممثلو الشعب….. ..لكن الشعب المغربي مثل نفسه بنفسه وظهر على كامرات الصحافة الدولية كعادته في التاريخ وهو يؤازر بعضه بعضا في المحن ، ويقتسم الرغيف اليابس وسط جبال وعرة ،وتربة تنجرف بين الفينة والأخرى.
الطفل ريان لم يمت بل انتقل الى جوار رب رحيم حمله رسالة أقوى من بنيته الضعيفة، واطول عمرا من سنه الصغير…رب قوي جبار،خصه بمهمة لم يحملها احدا أكبر منه سنا وأقوى بنية ليؤكد بحكمته سبحانه وتعالى أنه “يضع سره في أضعف خلقه” ،وترك القراءة مفتوحة لأولي الألباب.
د، نزهة الماموني