تتبعت مرارا حلقات من برنامج “تأملات فكرية”، الذي تبثه يوميا إذاعة طنجة الجهوية، وكنت غالبا ما ألاحظ أن مضامين جل الحلقات لا تتوافق مع عنوان البرنامج. إذ غالبا ما يتحدث ضيف كل حلقة عن انشغالاته الآنية أو بعض أعماله (الأدبية أو الفنية أو الأكاديمية أو غيرها) بعيدا كل البعد عن التأمل الفكري في هذه الإنشغالات والأعمال أو في طبيعة الحياة التي نعيشها يوميا بما لها وما عليها. لكنني عندما استمعت إلى الحلقة التي استضافت الصديق المبدع إبراهيم زرقاني، والتي عنونها ب “مديح البطء” استمتعت بها مرتين: مرة بصوته الرخيم والفصيح والهادئ وبطريقة إلقاءه (وقد سبق للإعلامي الراحل مؤخرا محمد باعمران أن نصحه قديما بالإشتغال في الإذاعة لأنه يمتلك صوتا صالحا لهذا المجال الإعلامي)، ومرة ثانية بمضامين تأملاته التي انصبت على نوعية الحياة التي نحياها منذ سنوات ليست بالقليلة وما يطغى عليها من سرعة وتسرع. فمن خلال نبرة صوته وتساؤلاته ومضامين تأملاته نستشف حنينا إلى سنوات خلت كان فيها للبطء طعم جميل وكان للحياة إيقاع بطيء يجعلك تتذوق الأشياء وتتفاعل معها بشكل حميمي وعميق. أما اليوم فالعيش في المدينة بصخبها وإيقاعها السريع أفقد الإنسان القدرة على التمتع بالحياة ومظاهرها الجميلة، كما أبعده عن عمق الأشياء وجعله غارقا في توافه الأمور.
ما استمعت إليه في هذه الحلقة هو بحق تأملات فكرية في حياتنا اليومية الحالية، ودعوة ضمنية إلى ضرورة إعادة النظر في جوانب عدة منها، وذلك من طرف قارئ نهم ومبدع وكاتب وسينفيلي متذوق لمختلف الفنون، بحكم عمله كمنشط ثقافي بالمعهد الفرنسي بفاس منذ سنوات ليست بالقليلة.
فتحية حارة للصديق إبراهيم، وللمبدعين الذين كانت حلقاتهم السابقة بالفعل عبارة عن تأملات فكرية. وبهذه المناسبة أتمنى من المشرفين على هذا البرنامج أن يحترموا عنوانه وأن يبتعدوا عن تقنية “التعمار”، فليس كل ما يذاع فيه حقا “تأملات فكرية”، وليس من الضروري أن يظل البرنامج يوميا إن لم تتوفر المادة المطلوبة فيه.
في الأخير أقترح عليكم التمتع بهذه الحلقة، التي سجلها الصديق زرقاني بنفسه ووضعها رهن إشارة كل من له الرغبة في تتبعها، في حين كان من المفروض أن تتوفر إذاعاتنا الوطنية والجهوية وغيرها على مواقع إلكترونية متطورة تتضمن أرشيفا منظما لبرامجها (المتميز منها على الأقل)، الشيء الذي يمكن المهتمين من الاستماع إلى كل البرامج قديمها وجديدها في الأوقات التي تناسبهم. ولا يفوتني أن أتساءل أيضا: أليس بالإمكان إحداث صفحة على الفايسبوك وباقي وسائط التواصل الإجتماعي، خاصة بإعادة بث البرامج المبثوثة سابقا، بشكل منتظم، وذلك توسيعا لقاعدة المتتبعين، هذا مع التعريف إلكترونيا على نطاق واسع ببرامج كل أسبوع ومضامينها وضيوفها؟ وهل هذا أمر مستحيل في عصر أصبحت فيه المعلومة متوفرة بغزارة صوتا وصورة وكلمة؟؟؟
أحمد سيجلماسي