مدينة القصر الكبير بموقعها الجغرافي المميز، كانت دائما مقصد العلماء والأولياء والمجاهدين ورجال الفكر والأدب. وكم من الأعلام قد قصدوها واستقروا فيها وأغنوا حياتها الثقافية والروحية. ونرحب اليوم بمثال حي عن هذه الظاهرة الإيجابية.
وهذا المثال تجسده الكاتبة والمبدعة امال الخلطي. فرغم أنها ولدت بمدينة طنجة سنة 1982، إلا أنها تعتبر مدينتها العزيز هي القصر الكبير، ولا عجب ففيها نشأت وتعلمت. إذ أنها انتقلت مع أسرتها إلى القصر الكبير وهي طفلة صغيرة، فعاشت طفولتها بالمدينة القديمة.
وقد مرت في تعليمها بالكتَّاب، ثم التحقت بالمدرسة في سن مبكرة كمستمعة، لكن لنباهتها انتبه لها أستاذها، وتم تسجيلها في المدرسة بشكل رسمي… فكانت دراستها في المرحلة الابتدائية بمدرسة بلعباس، والمرحلة الإعدادية بإعدادية الإمام مسلم.
وفي مرحلة الإعدادي، بدأ يظهر ميل أديبتنا إلى كتابة الشعر والخاطرة، لما كانت تمتاز به من شغف وحب للغة العربية، فكانت تشرك صديقاتها وأسرتها في الاطلاع على كتاباتها من خلال الأنشطة المدرسية، مما جعل اهتمامها بلغة الضاض يكبر كل يوم.
وبعد ذلك تدرجت أمال الخلطي في المراحل التعليمية التالية، إذ انتقلت الى المرحلة الثانوية بثانوية أحمد الراشدي، ثم شدت الرحال إلى مدينة تطوان، وبالضبط إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، حيث قضت بها أربع سنوات، حصلت في نهايتهاعلى الإجازة في اللغة العربية تخصص أدب.
وشاءت الأقدار أن تنتقل أمال الخلطي إلى بلاد المهجر بعد زواجها، لكنها جعلت مؤنسها الوحيد في غربتها هو ولعها بالقراءة والكتابة، فتفجرت موهبتها عبر حنينها للبلد الأم، متخذة من ولعها باللغة العربية سندا لكتابتها. فتفرغت طاقتها اللغوية لكتابة مقالات وإبداع قصائد شعرية نشرتها عبر المواقع الإجتماعية والمجلات الإلكترونية.
لكن ظروفها الخاصة حتمت عليها العودة مع عائلتها، لتستقر في المغرب، حيث انخرطت في العمل الجمعوي بين 2016 و 2017. وكانت لها مساهمات على المستويين الثقافي والاجتماعي. كما كانت لها مشاركة في تقديم ملتقيات وأنشطة مختلفة.
وكذلك اندرجت أمال في عملية تحفيظ القرآن. كما تمكنت من الانخراط في دروس تعليم الأعمال اليدوية (الفصالة والخياطة). لكنها لم تطل مقامها في المغرب، إذ سرعان ما عادت من جديد إلى بلاد المهجر مع أسرتها، لينبعث في نفسها حنينها وذكرياتها، مجسدين في كتاباتها الأدبية النثرية والشعرية، مما راكم لديها عطاء أدبيا كافيا لنشره في إصدارات ورقية يطلع عليها قراؤها، حسبما نفهم من قول مبدعنتنا عن نفسها: ((فيما يخص اصدراتي لي مشروع ديوان شعري لازال على قيد الإنجاز لتواجدي خارج المغرب ولدي مشروع مذكرات لكن تبقى مجرد زخرفات خجولة لي آمال في إخراجها كما تستحق.))
إن الأديبة أمال الخلطي، تكتب بشغف كبير عن مدينتها القصر الكبير، كما تدل قصيدتها (حكايتي معك ياقصر) التي يسرنا أن نستشهد بها فيما يلي:
حكايتي معك ياقصر
حكاية فتاة قصرية
معطرة بعبير أزقة قديمة
من أول حاضرة إفريقية
حي العطارين والغطايين
وصومعة البنات المنسية
مهد الأولياء الصالحين
مولاي علي بوغالب ولالةرقية
مقبرة ملوك ثلات
وضريح لالة فاطمة الأندلسية
مهد العلماء والصحوة الأدبية
قصتي تاريخ عريق
من حي سبع ليات والقطانين
والديوان وسيدي الخطيب والطبية
جميلة أنت يامدينتي
بالقوس والمحلى
والمدرسة القرآنية
أنت مدينتي
وأنا الفتاة القصرية.
وهكذا تعتبر مدينة القصر الكبير بؤرة استقطاب للموهوبين، الذين سرعان ما يندمجون في عالم المدينة المضياف، فضلا عن كونها مدينة ولادة بكتابها وشعرائها وفنانيها ومفكريها، فأبناؤها وبناتها أينما حلوا وارتحلوا ينثرون عطر اللوكوس، ونفحاته التاريخها الضاربة في العصور والأزمان السحيقة.
أمينة بنونة