في البداية أتقدم بالشكر الجزيل لأستاذتنا المحترمة نفيسة الناصري، على كرم تجاوبها في تواصلنا معها، لنعرف الجديد عنها. إن أستاذتنا الناصري من العائلة الناصرية، وهي ابنة الفقيه العدل سدي محمد بن أحمد الناصري، وأخت الشاعر القصري المعروف جعفر الناصري.
لقد تربت السيدة نفيسة في كنف عائلة علم ومعرفة. إذ كانت منذ نعومة اظافرها طفلة نبيهة وحافظة سريعة، بحيث كانت تتذكر كل ما تسمعه من أول وهلة. لهذا ولجت المدرسة الأهلية وهي بنت الرابعة، وتمكنت من أن تتجاوز مراحل من المدرسة الإبتدائية، فحين التحقت بمدرسة الفقيهة شريفة المحمدي، لحفظ القرآن أيام العطل، انتبه إليها الأستاذ بوسلهام المحمدي رحمه الله، وقدمها لامتحان الشهادة الابتدائية.
وهكذا التحقت بثانوية المحمدي في القصر الكبير، ثم انتقلت إلى مدينة تطوان، من أجل إتمام الدراسة الثانوية، وبعد اجتيازها امتحان الباكلوريا، التحقت بالمدرسة العليا للأساتذة، حيث بدأت تحضير الإجازة في الأدب العربي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، ثم في فرع هذه الكلية بفاس. وقد اعتبرت بعد تخرجها أول فتاة قصرية حصلت على شهادة الإجازة في الأدب العربي.
وقد عينت سنة 1967 أستاذة للأدب العربي في مدينة تطوان، لكنها بسبب حبها وحنينها لمدينتها العزيزة، عملت على الانتقال بالتراضي مع زميلة لها، إلى الثانوية المحمدية في القصر الكبير. ومن يومها وهي تمارس مهمتها التربوية في نفس الثانوية، إلى أن أحيلت على المعاش. ونظرا لحبها العارم لرسالتها التعليمية النبيلة، طلبت من مندوبية التربية والتعليم، تمديد أيام عملها بالمنظومة التعليمية دون أجر. خصوصا وأنه كانت لها أنشطة موازية ذات بعد ترفيهي وثقافي داخل الثانوية، كما شاركت في عدة ندوات ولقاءات، أغنت الساحة الثقافية المحلية.
وفي هذا الصدد، تقول عنها الأستاذة سمية نخشى، في إحدى مقالاتها: (( في مكان ما كنت تجد قيدومة أساتذة اللغة العربية وشاعرة القصر الفاضلة نفيسة الناصري، قليلة الكلام، كثيرة التفكير، هذه السيدة التي يوم أحيلت على التقاعد تقدمت بطلب لنيابة وزارة التربية الوطنية قصد تمديد فترة عملها دون أجر، و كان لها ذلك لمدة ثم أعفيت لأن الرخصة كانت محلية ولم تكن بقرار وزاري.)).
وإذا كانت نفيسة الناصري الشاعرة، قد توقفت عن نشر نصوصها الشعرية، فذلك لكونها كانت تبدع لنفسها، تعبيرا عن معاناتها مع الحياة، وليس من أجل شهرة وما شابهها. وقد تناول هذه الحقيقة الأستاذ الأديب محمد العربي العسري، في الجزء الثالث من كتابه (أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث)، ضمن عنوان ( التائبات عن قرض الشعر)، حيث قال:
((يبد أن موهبة الاستاذة نفيسة الناصري الشعرية لم يقدر لها ان تستمر وتنمو.. ترى ما هي الأسباب التي جعلتها تكف عن قول الشعر؟ هل هو نضوب الموهبة، أم إكراهات الحياة الضاغطة؟
هل يجوز لنا أن نضم شاعرتنا الى زمرة الشاعرات اللاتي وصفهن احد الدارسين ب (التائبات عن قرض الشعر) حين أدركن في فترة مبكرة أن طريق الشعر وعر وصعب المرتقى وأن من الحكمة الانسحاب منه والانصراف عنه، أيكون من أسباب توبة الشاعرات عن نظم الشعر ” أن الشعر فضاح بمعنى انه يكشف عما خفي من مشاعر المراة مهما حاولت كتمانها او التستر عنها او التلميح إليها بالرمز “.))(ص. 177).
ومن أهم ما تتصف به الأستاذة نفيسة الناصري، كونها من أشد الناس تمسكا باللغة العربية، والتنويه بقيمتها. وهكذا من خلا الاتصال بها، وسؤالها عن الفرق بين الأمس واليوم، وما هي نصيحتها للشباب، ركزت على اللغة العربية، وما تمتاز به لغة الضاد، وهي لغة معتبرة في رأيها واحدة من أكثر اللغات انتشاراً، ضمن مجموعة اللغات الساميّة، في أقطار الوطن العربي، بل وفي العديد من مناطق أخرى. كما تؤكد أن اللغة العربيّة تعتبر لغةً مقدسة، بوصفها لغة القرآن، حيث لا تتم الصلاة والعبادات الأخرى في الدين الإسلامي، إلا بإتقان اللغة العربيّة، لذلك تنصح الشباب بإتقان اللغة العربية واستعمالها والمحافظة عليها.
وإذا عدنا للاقتراب من شعرها، اخترنا من قصيدة طويلة لها، تعانق الجرح الفلسطيني، فبعد تعداد جرائم الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني، طيلة أبيات القصيدة، تصل إلى تعيين رد الفعل المطلوب تجاه تلك الجرائم، بالمقطع الختامي التالي:
ما عاد هذا يهم
لكن إذا زلزلت الأرض زلزالها
وحركت البراعم أحجارها
وقال أولوا الأمر منا مالها ؟
هذا الذي أضحى يهم
هذا الذي أضحى يهم
يا قدس يا مسرى النبي محمد
هذا الذي أضحى يهم
أمينة بنونة