لعل ضواحي مدينة القصر الكبير كانت من أهم الروافد الثقافية في هذه المدينة العريقة، إلى جانب عطاء أبنائها الأصليين ثقافيا وإبداعيا وحضاريا. ومثالنا الناطق على هذه الحقيقة هي الشاعرة نجية الأحمدي.
تقول شاعرة القصر الكبير هذه، التي تزاوج بين الشعر والتمريض في سياق تعريفها بباكورة أعمالها: “ترتبط مضامين قصائد ديواني “دموع شهرزاد” ارتباطا وثيقا بشهرزاد التي أصبحت وشما في ذاكرتنا كدلالة على الحياة والتحدي وقهر الظلم والطغيان ورفضا للصورة السلبية التي لحقت المرأة العربية عبر الزمن بتجريدها من جانبها العقلي والفكري”.
إن نجية الأحمدي المزدادة بالقصر الكبير في تاريخ 15 ماي سنة 1988، تنحدر من قبيلة بن يسف، والتحقت في عامها الخامس سنة 1995، بالقسم الوحيد المتواجد حينها بمدشرهم في قبيلة بني يسف جماعة القلة، حيث درست السنوات الأولى من الابتدائي. وعندما أحس والدها بنباهتها وإقبالها على التعلم والمعرفة، انتقل بها الى مدينة القصر الكبير، وبالضبط إلى مدرسة العهد للبنات. وقد حصلت على شهادة الباكالوريا في العلوم التجريبية سنة 2006 . لتنتقل إلى متابعة دراستها بمعهد تكوين الأطر بالميدان الصحي في تطوان، تخصص “الولادات” بين 2007 و 2009 ، حيث حصلت على دبلوم الدولة في التمريض. وقبيل تعيينها بالمركز الصحي أوزݣان، انتسبت إلى شعبة القانون الفرنسي بكلية الحقوق في طنجة، لكنها توقفت عند حدود السنة الثانية نظرا لظروف عملها. على أنها بعد انتقالها للعمل بالمركز الصحي الجماعي في تنقوب، القريب من مدينة شفشاون، انتظمت نجية سنة 2013 في شعبة الأدب الفرنسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مارتيل سنة 2013 ، حيث أحرزت على شهادتها سنة 2017 .
أما عن شاعرية المبدعة نجية الأحمدي، فقد انطلقت رحلتها مع الشعر، وهي لا تزال تلميذة بالسلك الابتدائي، حيث فازت بالجائزة الأولى في الكتابة الأدبية إقليميا، وهي بالقسم الخامس، كما فازت سنة 2002 في مسابقة شعرية بين تلاميذ إعداديات مدينتها. ونذكر أيضا أنها سجلت فوزها بالرتبة الأولى سنتي (2003 و 2004) على التوالي في المسابقة الجهوية الكبرى صنف الشعر، وهي تلميذة بالثانوية المحمدية.
لقد نشرت نجية الأحمدي قصائدها ومقالاتها، في العديد من الجرائد الورقية الوطنية والعربية والدولية، منها: العلم، البيان، القدس العربي وقريش … وفي العديد من المجلات الإلكترونية، كالمثقف ودروب أدبية وقاب قوسين وغيرها. وفي الأخير تمكنت شاعرتنا من تتويج مساهماتها الدؤوب في حقل الشعر، بإصدار ديوانها الأول “دموع شهرزاد” سنة 2015 . مع العلم أن الشاعرة تتوفر على ديوان ثان هو قيد الطبع.
واعتبارا لمشاركاتها الوازنة في مختلف التظاهرات واللقاءات الأدبية، إن على المستوى الإقليمي أو الجهوي أو الوطني، حصلت على عدة شهادات تقديربة. وإلى جانب إبداعها الشعري ومشاركاتها في اللقاءات الأدبية، تعتبر نجية الأحمدي عنصرا جمعويا نشيطا، فهي:
– من مؤسسي جمعية النهضة النسوية للتنمية، سنة 2012، وهي جمعية تعنى بشؤون المرأة القروية.
– وعضو بمكتب رابطة الإبداع من أجل السلام، التي يوجد مقرها الرئيسي بالعاصمة الإنجليزية لندن، والتي أسست فرعها بالدار البيضاء سنة 2017 .
وقد ركز عثمان بوطسان في “مجلة رابطة ادباء الشاعر الالكترونية” إضاءته لطبيعة شاعريتها كالتالي:
((نجية الأحمدي، الشاعرة المتصوفة بلغة الحب، الراوية بلغة شهرزاد. فهي شاعرة متمردة على قوانين القصيدة في إيقاعها ومواضيعها وأشكالها. ولذلك، فإن قصائدها تميل إلى التصوف والروحانية في الكتابة. ففي ديوانها “دموع شهرزاد” تحاول الشاعرة سرد معاناتها على طريقة شهرزاد كما هو متعارف عليه في الكتاب الأسطوري “ألف ليلة وليلة”، لكن نجية الأحمدي تجعل؛ من اللغة الشعرية اعترافا، ومن الكتابة محاولة لكشف الأقنعة التي يرتديها الآخرون. ومن ثمة، فديوان “دموع شهرزاد” يعكس عمق التجربة الشعرية التي عاشتها الشاعرة خلال مرحلة ما “مرحلة الحب”، أو تجربة من نوع آخر كتجربة الاعتراف عن طريق الحلم.))
إن شعر نجية الأحمدي يتوزع بين قصائد الحب، وقصائد المعاناة والتمني، والأسئلة الحارقة. ولنستمتع بهذا المقطع الذي تفيض أسئلته بالحيرة وانتظار المجهول:
كيف للهالات السوداء أن تكتسح عيوني
ونبضي يفيض بالرّحيق والبريق ،
كيف تقتلني العادة
وتغادرني الدهشة
وأنا أنظر للأشياء بعيون طفلة
كيف أكبر يا أبي والبيت تسكنه القطط والدّببة
وأسراب الطّيور المهاجرة ،
لا يغادره اللّحن ولا الدّمعة
إن شاعرتنا الشابة نجية الأحمدي، تنبهنا إلى حقيقة تدعو إلى الفخر والاعتزاز بمدينتنا القصر الكبير لما تتوفر عليه من خصوبة، على المستويات الثقافية والإبداعية والحضارية، لا تجف رغم مرور الزمن، ورغم أنف التهميش. ذلك أن الأجيال المتوالية لا تتوقف في هذه المدينة العريقة عن توارث التراث المحلي، والإضافة إليه بكيفية أو أخرى، حتى تتم الاستفادة منه محليا ووطنيا وعربيا.
أمينة بنونة