يمكن ملاحظة أن ظاهرة تألق العنصر النسوي أدبيا وفنيا في الساحة الثقافية بالقصر الكبير، قد تضاعفت في العقود القليلة الماضية. وهو الأمر الذي يؤكد خصوبة هذه المدينة المعطاء على جميع المستويات. ولو كان الاهتمام بها جيدا وجادا لأغنت الثقافة الوطنية أكثر، بما ينتجه أبناؤها من الجنسين من ثقافة غنية، في شتى أنواعها وألوانها. ولدينا هنا نموذج لامع لتأكيد ذلك، والمقصود الشاعرة والتشكيلية اللامعة وداد بنموسى.
من رحم سيدة وديعة اسمها وديعة، الرحمة والسلام على روحها، رأت النور شاعرة أبية بشعرها وعنفوانها، شامخة إلى الأعالي، تصبو بحروفها وبأناملها، فخورة بانتمائها إلى القصر الكبير، عرفانا وإخلاصا منها لمدينتها، وهي الوداد الموصول بمودة ثقافتها، وحفظها للود بما تحمل من طموح ومجد وموهبة.
ولدت الشاعرة والفنانة التشكيلية والفوتوغرافية الإعلامية المغربية وداد بنموسي، في مدينة القصر الكبير، سنة 1969 م. وهي أديبة نشيطة في الساحة الثقافية بكثير من الحيوية والعطاء، كما يدل انخراطها في عدد من المؤسسات الثقافية، منها:
– العمل في ” معلمة المغرب”.
– مستشارة بوزارة التعليم.
_عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب.
– عضو المكتب المسير لبيت الشعر سابقا.
_نائبة رئيسة دار الفن المعاصر.
– العمل في الصحافة، من خلال جريدة ” العلم” و” الجريدة الأولى”.
_ رئيسة المركز الثقافي أحمد بوكماخ بمدينة طنجة
ومما يعرف عن وداد، كونها كانت شغوفة بالقراءة والكتابة منذ صغرها، فقد وجدت في مكتبة والدها بالبيت مصدرا لتكوينها، حيث تعمق لديها الإحساس بمدى العلاقة الروحية المتينة التي ربطتها إلى عالم الكتاب. لهذا كانت لها اهتمامات بمحتلف الأجناس الأدبية، وخاصة بالشعر، فقد وجدت نفسها مستغرقة في عالمه، ذلك أنها بدأت كتابة الشعر مبكرا، في الحادية عشرة من عمرها، وأبدعت فيه إلى حد أنها صارت تعتبر من أبرز الشاعرات المغربيات والعربيات. مما مكنها من المشاركة في العديد من المهرجانات والملتقيات الشعرية داخل الوطن وخارجه، وشجع على ترجمة شعرها إلى لغات متعددة تتقدمها اللغة الإسبانية.
وهكذا استطاعت وداد بنموسى أن تراكم إنتاجا شعريا مهما في تجربتها الإبداعية، تمثل في صدور كثير من دواوينها، كما يتضح من الجرد التالي.
ـ “لي جذر في الهواء”، وزارة الثقافة، ضمن سلسلة الكتاب الأول لسنة 2001 .
ـ ”بين غيمتين”، دار مرسم، الرباط، 2006.
ـ ”فتحتها عليك”، دار مرسم، الرباط
ـ ”زوبعة في جسد”، دار مرسم، الرباط 2009 . ترجم الديوان إلى الإسبانية، عن مركز حوار الحضارات بمونكيبو في دولة الشيلي ، 2010.
ـ ”كدت أفقد نرجسيتي”، دار ورد للنشر، سوريا، 2010.
ـ الطبعة الثانية من”زوبعة في جسد” بثلاث لغات: العربية، الفرنسية، والإسبانية، دار مرسم للنشر، 2013.
ـ ”ألهو بهذا العمر”، دار توبقال للنشر 2014.
ـ “القلب حرا”، دار مرسم، الرباط، 2016 .
وبالنسبة لأسلوب الشاعرة وداد بنموسى السهل الممتنع، تقربنا منه مجلة (ديوان العرب) الإلكترونية المعروفة، خلال عرضها التعريفي بديوان الشاعرة (القلب حرا)، في تاريخ 24 مارس 2016، حيث جاء فيه:
((قصائد شفيفة بأسلوب يتميز بالسلاسة التي تدخل إلى القلب مباشرة، تحاول صاحبته رصد التفاصيل الدقيقية للناس والحياة، مكسرة من خلالها الواقع المتردي في قلب جمالي خاص جدا بوداد بنموسى.)).
ونحن يسرنا أن نستأنس هنا بنموذج من شعر الشاعرة وداد بنموسى، يخلخل الحواس، اخترنا أن يكون قصيدتها (اِمرأةٌ متعدِّدة) الجميلة:
أنا بائعة الأسرار
وأول سرّ أنني السر
لا أتكشف
لا أبين
لا أعبدُ الطريق إليَّ لناسك أو عابد
لا أقترب كي لا يفضحني الوضوح
لا أترك الخجل يتراقص خلف خطوي
لا أترك شميم الورد ورائي
ولا مرارة الدفلى في ذاكرة أحد
لا أثر لي على أي جسد
لا أركع لوالد أو ولد
لا أضعف حين لا سند
وحين لا سر يليقُ بي
أتجدد في سري
وأصيرُ امرأة
بلا عددْ…”
واعترافا بكل هذا العطاء الغني، في ميدان الأدب عامة والشعر خاصة، حازت الشاعرة وداد بنموسى عام 2014، على جائزة القصيدة العربية، التي ينظمها محترف الكتابة بالمغرب بمدينة فاس، دورة الشاعر “عبد الكريم الطبال”. كما حازت على جائزة “غوتنبوغ” الألمانية عن ديوان “القلب حرا”، وعلى جائزة تميز في دورتها الخامسة، المخصصة للإبداعات الفنية الداعمة لقضايا المرأة، في مشروعها “دواوين شعرية”، وهو عبارة عن مجموعة دواوين تعبر من خلالها عن واقع المرأة عبر رصد أحلامها وهواجسها وقلقها، في مجتمع يكاد لا يتقبل بوح الأنثى واعترافاتها والتعبير عن ذاتها، التواقة إلى عالم تسوده المساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والإنصاف، والمحبة والإخاء والتسامح. ومن هنا جاء تصريحها في حوار أجرته معها جريدة (البيان) بتاريخ 23 ديسمبر 2018: (( وأنني خُلقت من أجل أن يُسمع صوت المرأة المثقفة، وهو نضال أمارسه بشكل يومي.)).
وكما سبقت الإشارة، فلوداد بنموسى اهتمامات واسعة، فهي فنانة بطبيعتها، وتجد ملذها الروحي بعد الشعر في فن التشكيل، مع العلم أنها أقامت اربعة معارض، وفي هذا الصدد تقول بنفس عدد جريدة (البيان) السالف:
((أنا أشتغل على اللوحة، على الرسم، ولا أخفي سراً إذا قلت إنني شغوفة جداً بالفن التشكيلي، وأعتبر أنه المحطة التي أستريح فيها بعد القصيدة، بعد مكابدة القصيدة التي تحتاج كثيراً إلى سؤال الذات، وأحياناً حتى تصل إلى جلد الذات، لكي ننتج كتابة صادقة تتفاعل مع الذات ومع الآخر، وإلى الآن أقمت أربعة معارض.))
اما عن وداد الإعلامية، فقد اعتبرت أن انخراطها في العمل الصحفي كان حلما وتحقق، معتبرة هذا الميدان وسيلة للتواصل وإيصال كل ما يخص الفعل الثقافي، إضافة إلى كونه يسمح بالتواصل مع جمهور واسع.
وهكذا تبدو الأديبة وداد بنموسى، متعددة المواهب، مع تنوع في النشاطات الفنية والثقافية. ولا عجب في ذلك، فهي قد نبتت في بيت وترعرعت في بيئة قصرية يطبعهما حب المعرفة والولع الثقافي.
أمينة بنونة
الواقع أن شعر المرأة عن ذاتها، لا تجيده إلا المرأة..