كثيرون هم من جاؤوا إلى عالم الأدب من حقول أخرى، أمثال الأطباء المصريين إبراهيم ناجي صاحب قصيدة (الأطلال)، والشاعر أحمد زكي أبو شادي مؤسس جماعة أبولو الشعرية، ومحمد كامل حسين صاحب رواية (قرية ظالمة)، ومحمود كامل المحامي القصاص والمسرحي المصري، ويوسف إدريس القصاص والروائي والمسرحي الشهير، وكذا الطبيب السوري عبد السلام العجيلي أحد أهم رواد القصة السورية القصيرة وغيرهم؛ فصاروا أدباء مرموقين مشهورين. لهذا فلا غرابة أن يستضيف عالم الأدب محامية شابة موهوبة من القصر الكبير، هي الأستاذة راضية العمري.
فمن تكون الأستاذة المحامية الأديبة راضية العمري؟
إنها الكاتبة المزدادة بمدينة القصر الكبير، يوم 23 شتنبر سنة 1969. وهي حاصلة على شهادة البكالوريا الأدبية العصرية المزدوجة، سنة 1989 بالثانوية المحمدية في هذه المدينة.
وقد تابعت دراستها العليا، بكلية الحقوق التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس، متوجة دراستها العليا هذه بحصولها سنة 1993، على الإجازة في الحقوق، شعبة القانون العام، فرع الإدارة الداخلية.
ولعل طموح مبدعتنا القصرية، هو ما جعلها تفوز سنة 2015 بالماستر من كلية الحقوق والعلوم القانونية والاجتماعية بطنحة، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي. ولم يكتف هذا الطموح المحمود بذلك، بل دفع الأستاذة راضية أيضا لأن تسجل بحثها ” الحماية القانونية للمرأة على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي”، لنيل شهادة الدكتوراه، في كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط.
ولم يفتر نشاط راضية العمري بتخرجها من الجامعة ولا ارتكنت للراحة والحياة الخاصة، بل انخرطت في عدة فعاليات حقوقية وجمعوية. فهي عضو فاعل في منظمة العفو الدولية، فرع القصر الكبير. كما شاركت في عدة لقاءات وندوات ودورات تكوينية ذات طابع قانوني وحقوقي، مرتبطة بحقوق الإنسان والمحاكمة العادلة. وهي كذلك عضو فاعل في رابطة كاتبات المغرب، فرع القصر الكبير.
وربما كان انتسابها بعد تخرجها، إلى هيئة المحامين بالقصر الكبير، واشتغالها بالمحاماة منذ سنة 1997 إلى الآن، هو ما سهل انتقالها من مجال القانون إلى الكتابة الأدبية، إلى جانب موهبتها ومثابرتها على القراءة. وفي هذا الصدد، تصرح الروائية راضية العمري، في عدد من حواراتها، بمثل قولها: “إن اشتغالي بتحرير المرافعات وكتابة المقالات القانونية، ساعدني على تحقيق حلم ظل يراودني منذ أيام الدراسة، وهو الكتابة الروائية. وقد وجدت في المحيطين بي من أهلي وأصدقائي أكبر دعم وأفضل تشجيع “.
وهكذا ربح عالم الأدب مبدعة موهوبة، إذ منذ صدور روايتها الأولى “مدن الحلم والدم” عن دار اسليكي إخوان بطنجة سنة 2017، تنبأ لها النقاد بمستقبل واعد في عالم الرواية. وفعلا حظيت روايتها الأولى هذه باهتمام كبير، حيث أنجزت حولها قراءات نقدية، وأبحاث أكاديمية في الجامعة المغربية، كما نظمت لها لقاءات عديدة مع الجمهور المهتم.
ثم نشرت بعد سنة واحدة عملها الثاني، الموسوم ب “ورود تحترق”، سنة 2019 ، عن دار الأمان، بالرباط، فاستقبل استقبالا حسنا، حيث تميز بالنفس الطويل، وبحبكة فنية تداخل فيها السياسي بالثقافي بالجمالي. ومعلوم أن الكاتبة قد وقعت روايتها هذه، في معرض الكتاب بالدار البيضاء سنة 2019، وكذا برواق الراصد الوطني في معرض الكتاب بطنجة شهر أبريل من نفس السنة، فضلا عن الاحتفاء بتقديمها في الجامعة للجميع بفرع تطوان من طرف نقاد انجزوا حولها مجموعة من القراءات، من بينهم الدكتور حسن اليملاحي، الدكتورة فاطمة الميموني، الدكتور محسن بنعحيبة، والدكتور عزيز الهلالي. ومع هذا وذاك، فبتأكيد أن مشوار الكاتبة الإبداعي لن يقتصر على هاتين الروايتين، بل لا زال طويلا أمامها، ويعد بالكثير على مستوى البنية والأسلوب والرؤية.
وما يهمنا من كل ذلك أكثر، كون هذه الروائية القصرية المغربية الجديدة، قد جاءت إلى الأدب (الرواية) من عالم القانون (المحاماة)، فكتبت “مدن الحلم والدم”، و”ورود تحترق”، الروايتين الجميلتين المعبرتين عن واقع مستقى من المعيش ومن ملفات المحاماة. إن القارئ للروايتين معا، يدرك أن راضية تكتب الرواية برؤية خاصة، وأن تجربتها الأدبية برمزيتها تدخل ضمن الحساسية الجديدة. ويبدو ذلك واضحا من خلال المبنى والمعنى والدلالات. ولا غرو، فإن تجربة الكتابة لدى هذه الروائية الجادة، لم تكن تمر من دون أن تثير انتباه القارئ المهتم، على وجه ما نشر من دراسات نقدية حول أعمالها، في جرائد وملاحق ثقافية ومواقع إلكترونية محلية ووطنية. ونكتفي هنا بالإشارة إلى الدراسة القيمة التي خص بها الدكتور حسن اليملاحي عملها الأول “مدن الحلم والدم” المنشورة في العلم الثقافي، ودراسته عن عملها الثاني “ورود تحترق” الواردة في كتابه الموسوم “خطاب الرواية النسائية” الصادر مؤخرا. ولم يقتصر الأمر على هذه الكتابات النقدية فحسب، بل حظيت الروايتان معا باهتمام ملحوظ من قبل البحث الجامعي أيضا، من ذلك بحث الطالبة بنعودة، المعنون بـ “تجليات الحب والموت في ورود تحترق”، وبحث فاتحة مرشيد “المثقف في الرواية النسائية المغربية المعاصرة، الملهمات وورود تحترق لراضية العمري نموذجان”.
والحديث عن الكتابة لدى المبدعة راضية، يدفعنا إلى الإشارة إلى الحوارات الأدبية التي أجريت معها، في مناسبات عدة للكشف عن تجربتها، ناهيك عن مجموع الاحتفاليات النقدية الخاصة، التي أقيمت لعمليها في مدن مغربية عدة، مثل طنجة ، تطوان ، القصر الكبير.. وجميع هذه القرائن بما لها من رمزية، تؤكد على أهمية الكتابة لدى روائيتنا القصرية، وهي كتابة تستحق المتابعة والمواكبة النقديتين، وذلك لاكتشاف ما تحفل به كتابتها من أبعاد عميقة ولمسات جمالية مدهشة.
وكانت الروائية راضية العمري، قد شاركت في عدة ملتقيات، وصالونات أدبية، بنصوص إبداعية وقصص قصيرة، ستصدرها قريبا في كتاب تحت عنوان “يوميات محامية “. وقد استلهمت موضوعاتها من طبيعة عملها. ذلك أن المحامي يكون عادة على اطلاع واسع على هموم وقضايا الناس الاجتماعية، على اعتبار مهنة المحاماة أقرب ما تكون الى قياس درجة حرارة معاناة وآلام الناس. وكاتبتنا تشيِّد من هذا العالم بنيات وحكايات وأحداثا، بحس فني عميق ومشاعر صادقة ورؤية إنسانية مفعمة بقيم التضامن والحب، خصوصا وأن تيمة الحب هي أجمل ما يؤثث فضاءاتها الإبداعية.
ولتتخطى الروائية راضية العمري المستوى الوطني، فقد عمدت إلى ترجمة روايتها “ورود تحترق”، إلى اللغة الفرنسية، من إنجاز المترجم محمد العافية العروسي. كما أن هناك ترجمة أخرى لنفس الرواية ستصدر باللغة الاسبانية لاحقا.
ويسرنا أن ننهي هذه المقالة بالشهادة التالية، للصحفي محمد الصادق عن الجريدة الكويتية :
((بإيقاع موسيقي، تعزف الأديبة المغربية راضية العمري على وتر الكلمات، فتخرج سطورها حلماً يشد القارئ إلى منتهاه، بعد أن يكون عايش الواقع وقضاياه. وهذا ما يستشعره القارئ لكتاباتها خصوصاً روايتها الأخيرة «ورود تحترق»، إذ يحمل العنوان معاني رومانسية جميلة، فيما يحيلنا المتن إلى القضايا الكبرى التي دائماً شغلت كبار الأدباء، مثل قضية المرأة وهيمنة المجتمع الذكوري، ووضعية المثقف المغربي وغيرها.)).
أمينة بنونة