الرئيسيةمقالات و دراساتبُكائياتُ المَســـاء نظراتٌ نقدية في ديوان “عندما يبكي المساء” للشاعرة مليكة عزفا

بُكائياتُ المَســـاء نظراتٌ نقدية في ديوان “عندما يبكي المساء” للشاعرة مليكة عزفا

بُكائياتُ المَســـاء

مليكة عزفا صوتٌ شعري قادم من مدينة تاهلة المغربية بقوة، بوابةِ الريف العتيد ومَعْقِلِ البَسالَة والإباء.. تشرّبت حُبَّ بلادِها وكلَّ الوطن.. صوتٌ يصدح قصيداً ويعلو نشيداً ويسمو فريداً تَليدا.. تَشبّعَ عذْبَ مائها وهوائها وعنفوانها ووطنيتها وطِيبِ أرضها ونبضها.. لينحت اسمه ضمن قائمة الإبداع الشعري بصيغة التأنيث في المغرب، عبر بوابة أمسيات الشعر ومقاهي الأدب وصالونات الإنشاد الشعري أولاً، ثم عبر المنابر الإلكترونية والمنشورات الورقية داخل الوطن وخارجه..
الشاعرة عزفا بصمت على باكورة أعمالها الفنية في مجال الشعر، من خلال إصدار جَمَّعَت بين دفّتيه عشرين قصيدة، يؤلّفها خيط ناظم رفيع لا يبرح – في الأعَمّ – ديدن التشظّي وتباريح الحزن والألم، أو ما بات يُعرف في الكتابات النقدية المواكبة للشعر المعاصر بِـ”ــشعرية الوجع”، وقذفت به إلى ساحة التلقي تحت عنوان شفيف حزين، هو: (عندما يبكي المساء)، مزدان بلوحة فنية حُبْلى بالدلالات مَلْأى بالإيحات المعضّدة لعتبة العنوان.
وأما بعد؛
نودّ بدءاً ملامسة تصوّر الشاعرة مليكة لمفهوم الشعر، لنستبين معايير البناء الفني للقصيدة العَزْفَوِيَّة (نسبة إلى: عزفا مليكة)، من خلال ما احتوته أشعارها من عبارات أو إشارات تقود إلى تحديد هذا المفهوم.
فمنذ الوهلة الأولى يدرك القارئ أن هذه الضميمة الشعرية تندرج ضمن ما يسمى: “القصيدة النثرية” أو “القصيدة نثراً” وهذا هو الأصح. ذلك أن الشاعرة تُعنى بالدفقات الشعورية والانفعالات الوجدانية وتحفل بقوالبها البنائية، في حين يبقى “عمود الشعر المعاصر” – إن صَحَّ هذا التعبير- نافلةً من النوافل حيناً؛ بل “فرْضَ كفايةٍ” لا يضيرُ الشاعرةَ أمرُهُ تحقّق أو لم يتحقق!!
وحسبنا شاهدا هذا الاعترافُ الذي ضَمَّنَتْهُ قصيدتَها (عاشقة الكلمات)، إذ تقول:
فأنا لست سوى عاشقة كلماتٍ
أسير بين دروب القصيدة
أمتطي سفينة السطور
لا أعرف أسرار البحور
علِّمني كيف أنظم لك الأشعار
و أحفظها لك في ديوان
حتى تبقى منقوشة في الذاكرة
ونظيره اعترافٌ آخر في قصيدة (كأنك لم تكن)، تقول فيه:
كتبتني قصيدة بحبر دمي
بلا بلاغة ولا عروض ولا عنوان
رسمتني لوحة بريشة الرصاص
بلا إطار ولا زخرفة ولا ألوان
تركتني وحيدة وسط البحار
بلا سند ولا مجداف ولا ربان
فمليكة عزفا لا تعرف إلا القصيدة ولا شيء غير القصيدة، هي وعاؤها الذي تفرغ فيه ما تملّأت به حياض الأمل والألم في دواخلها، هي محرابها الذي تتلو فيه تراتيلها، هي مَبْكاها الذي تُسِرُّ إليه بأشجانها وأحزانها، وأوجاعها وآلامها !! القصيدة لديها كلمات عاشقة حارقة مُحترقة، لا تعنيها أوزان ولا بحور، ولا تلتفت إلى انزياحات غريبة أو صور عجيبة أو تراكيب بديعة أو قوافي منيعة… فالشاعرة مليكة عزفا شاعرة متمردة في لغتها وصورها ومعانيها ومغانيها… فانعكس تمردها على القصيدة، فكان ما كان.. حين بكى المساءُ ذاتَ ليالٍ وتمخَّض فانبلج هذا الديوان!
وبالعودة إلى شعرية الوجع التي تهيمن على نصوص هذه الضميمة؛ نُفاتِحُ العتبةَ الكبرى/ العنوان لتتكشف لنا أسرار هذا الوجع: فنرى سيطرة البنية الزمنية: (عندما) ثم: (المساء) الحاملَيْن وعاءً زمنيا، ثم (البكاء) الدالة على النّوْح والسهاد والأرق والحزن!! والمساء زمن أوجاع وانكسارات وأطياف مؤلمة، واسألوا خليل مطران عن مسائه إن شئتم، أو اسألوا المتنبي عن ليله وسهاده المحموم!!
وإذا توجّعت عتبة الديوان/ العنوان، انعكس الألم على العتبة البصرية (لوحة الغلاف)، وفي ألوانها الغامقة، وأطيافها الحارقة، ومكوناتها الحُبلى باللظى والانكسار ما يغني عن الإبانة على نحو ما أشرنا إليه باستعجال في ما سلف.
ثم اشرعِ الديوان وانشُد قصائده واحدة تِلْوَ أخرى، تجدْ نفسك متقاذفا بين مواجيعِ الشوق الحنين والتيه( )، ورجيعِ الصدى والردى والضياع( )، وانتكاساتِ عشق مغصوب وهجرٍ موجِع( )، وخيباتِ الانتظار والانكسار( )، وطيفِ وصال عابر ضاعَ مع حلم حزين( )، وحيرةٍ وأشواقٍ ملَغّمة( )…. وغيرها من الأوجاع والأفجاع!! بما في ذلك الوجع العربي الذي يقضّ مضجع الشاعرة الثائرة ملكية عزفا( ).
بعد كل هذا؛ إننا نرى في الشاعرة مليكة عزفا، وهي تلتقي قراءها بهذا الديوان الشعري، إضافة جديدة وواعدة للمشهد الإبداعي الشعري المغربي، وإننا على يقين أن منحى قصائدها سيتّخذ مسارا تصاعديا عبر التمرّس والاحتكاك بالشعراء الأفذاذ الحقيقيين الذين ينشطون في ساعة الإبداع الشعري اليوم، وعبر التفاعل الإيجابي مع النظر النقدي الذي سيواكب أعمالها، لتتمكن من إثبات ذاتها بكل جدارة، صوتاً صدّاحاً ينشد الحب والسلام والقيم في الأرجاء، إذ رسالةُ الشاعر – بدءاً وختاماً- كونيةٌ تَنْشُد الحب والسلام والتعايش والقيم المُثلى.. ومن صار على الدرب وَصَل.

د. عبد الكريم الرحيوي
أكاديمي مغربي

 

هوامش

– قصيدة: سحر الهوى.
– قصيدة: شهقة الروح. قصيدة: لحظة جنون.
– قصيدة: كأنك لم تكن. قصيدة: عندما يبكي المساء.
– قصيدة: الأشواق. قصيدة: لماذا اخترتني؟. قصيدة: لوعة الحرمان. قصيدة: آمال بعيدة. قصيدة: لهيب الشوق.
– قصيدة: نبض الوريد. قصيدة: حروف متمردة.
– قصيدة: شذرات من وله الشوق.
– قصيدة: تراتيل الشهادة. قصيدة: صمت قاهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *