الرئيسيةأخبارجلسة افتراضية حول “المتحف الفلسطيني في بيرزيت حوار بين التاريخ والحاضر”

جلسة افتراضية حول “المتحف الفلسطيني في بيرزيت حوار بين التاريخ والحاضر”

المعمارية الإيرلندية روشين هنغان: “ما أردنا القيام به هو ايجاد وسيلة ما لإشراك تاريخ فلسطين في التصميم النهائي الذي تم وضعه للمتحف”

استضاف معهد المهندسين المعماريين في باكستان بالتعاون مع جائزة الآغا خان للعمارة مؤخراً الجلسة الثالثة والأخيرة من سلسلة جلسات النقاش الافتراضية عبر الانترنت التي نظمها معهد المهندسين المعماريين في باكستان، بالتعاون مع جائزة الآغا خان للعمارة، بهدف استعراض المشاريع الستة الفائزة بالجائزة في دورتها الأخيرة لعام 2017-2019. وركزت هذه الجلسة على المشروعين الفائزين بالجائزة من فلسطين والإمارات العربية المتحدة؛ وهما المتحف الفلسطيني في بيرزيت، بمشاركة المعمارية الايرلندية روشين هنغان، ومركز واسط للأراضي الرطبة في الشارقة، بمشاركة المعماري الإماراتي فريد إسماعيل.
واستضاف الجلسة السيد عارف شانجيزي رئيس معهد المعماريين في باكستان، وخديجة جمال شعبان، رئيسة مجلس التعليم المعماري في معهد المهندسين المعماريين في باكستان، بينما أدار الجلسة السيد فرّخ درخشاني مدير جائزة الآغا خان للعمارة. كما انضم إلى الجلسة عدد من المشاركين المساهمين بالجائزة في دورتها الأخيرة، بما في ذلك أعضاء من اللجنة التوجيهية، ولجنة التحكيم العليا إضافة لعدد من أعضاء فريق المراجعين ضمن الموقع، وذلك بهدف تحقيق المزيد من النقاش والبحث. وضمت قائمة المشاركين كل من المهندسة المعمارية مارينا تبسم، عضو اللجنة التوجيهية للجائزة ؛ والمهندسة المعمارية ميساء البطاينة، عضو لجنة التحكيم العليا للجائزة؛ وكل من توما برلاندا ورضا علي دادا، وهما مراجعان للمشاريع ضمن الموقع في دورة الجائزة الأخيرة.
حفلت الجلسة بالكثير من النقاش والحوار بين المشاركين الذين قدموا من ثقافات واختصاصات مختلفة؛ وسلطت الضوء على كل التفاصيل العامة والدقيقة الخاصة بكل مشروع من جهة، والأسباب التي تم بموجبها اختيار هذان المشروعان من بين المشاريع الستة الفائزة بالجائزة. وقد أثنى مدير الجائزة، فرّخ درخشاني، في بداية الحوار على الجهد الكبير الذي قام به فريق العمل لكل مشروع على حدى، بحضور كل من المهندسة المعمارية روشين هنغان والمهندس المعماري فريد إسماعيل، كما أشار إلى أهمية مشاركة خبراء وأشخاص من مناطق مختلفة في جلسات النقاش هذه، بينما أكد على أن اختيار المشاريع الفائزة يتم بالاعتماد على معايير غاية في الدقة.
من جهتها تحدثت المعمارية روشين هنغان عن تاريخ مشروع المتحف الفلسطيني في بيرزيت، فلسطين، وأكدت في عرض تقديمي مرفق بالصور والمخططات أن فريق العمل كان ينظر بأهمية كبيرة إلى كافة العناصر المحيطة بالموقع للأخذ بها ضمن التصميم الأولي والنهائي للمشروع، وذلك بهدف عكس البيئة المحيطة بالموقع من جهة، وتحقيق الأهداف المرجوة من المشروع ومشاركة المجتمع المحيط من جهة أخرى، في الوقت الذي أولى فيه فريق العمل أهمية كبيرة إلى هندسة المناظر الطبيعية الخاصة المحيطة بالمتحف.
وقالت روشين هنغان ضمن هذا الإطار: “عندما بدأنا هذه المسابقة، بدأنا التمعن في كافة تفاصيل الموقع. لكن الأمر الذي كان مذهلاً إلى حد كبير بالنسبة لنا هو هذه السناسل الطبيعية التي تنتشر في كل أرجاء المكان”. كما أكدت على أهمية وضع التصميم بالاستناد إلى تاريخ المنطقة والبلد المضيف بشكل خاص بالقول: “أعتقد أن ماأردنا القيام به بالنتيجة، هو ايجاد وسيلة ما لإشراك تاريخ فلسطين في التصميم النهائي الذي تم وضعه للمتحف”. مشيرة إلى أن كتب التاريخ لطالما كانت تربط هذه الطبيعة الخاصة بالمكان، التي تتميز بتراساتها وسناسلها الجبلية الطبيعية، بتاريخ المنطقة وتاريخ فلسطين بشكل عام.
ويحيط بالموقع مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الصخرية، بينما يتربع المتحف نفسه على قمة تلة مطلاً على منظر غاية في الروعة والجمال، الأمر الذي كان يجب أخذه أيضاً في الحسبان خلال تصميم المتحف. ونتيجة لذلك، تم تصميم وبناء المتحف باستخدام فكرة السناسل الطبيعية والبيئة المحيطة بطريقة مبدعة، حيث امتزج بناؤه بطريقة انسيابية ورائعة مع السناسل التي تتميز بها التلال الفلسطينية في المنطقة، ليصبح تحفة معمارية متميزة ذات نمط حديث وعصري من جهة، ولكن تعكس عبق التاريخ وسحر المكان من جهة أخرى، ويتحول بطريقة أو أخرى إلى ساحة حقيقية للحوار بين التاريخ والحاضر، وربما المستقبل.
من ناحية أخرى، تم تغطية واجهة المتحف الخارجية باستخدام الحجر الجيري المحلي، بينما تم استخدام الحجارة الحقلية الصغيرة في بناء وتغطية المصاطب الخارجية. لذا كان من الضروري الاستعانة بالخبرات المحلية التقليدية في بناء هذه المصاطب التي تتطلب الكثير من المهارة والحنكة. غير أن أهم مايميز المتحف هو سعيه نحو تحقيق الاستدامة، وهذا ماعبرت عنه المهندسة المعمارية روشين هنغان في تصريح سابق بالقول: “إذا كنت ترغب في بناء متحف، فيجب أن يكون كل شئ فيه مستدامًا، وليس مجرد هيكل ضخم سيكون من الصعب تشغيله، كان هذا الأمر دائماً محور تركيزنا، وكان يجب علينا دوماً التأكد من أن كل شئ فيه مستدام للعمل”.
كما تحيط بالمتحف سلسلة من الحدائق التي تضم بين سلاسلها الحجرية مجموعة من نباتات البيئة الأصلية لفلسطين، بالإضافة إلى مجموعة من النباتات والأشجار التي تم استيرادها عبر العصور. تروي حدائق المتحف والتي صمّمتها المهندسة الأردنية لارا زريقات حكاية التاريخ الزراعي والنباتي في فلسطين خلال مراحله المختلفة. في الواقع، لاتقل هذه الحدائق روعة وجمالاً وأهمية عن المتحف نفسه، إذ تقول المعمارية روشين هنغان في فيلم وثائقي خاص عن المشاريع المرشحة لجائزة الآغا خان للعمارة: “في ظل المناخ الذي تعرف به هذه المنطقة، شعرنا أنه من الأهمية بمكان أن نخلق مساحات خارجية توسع من المساحات الموجودة أصلاً ضمن المتحف. وأعتقد أيضًا أن عدداً كبيراً من الناس الذين قد يشعرون بالتردد في زيارة المتاحف سوف يرغبون بزيارة هذه الحدائق والسير على مروجها الخضراء، وقد يكون هذا الأمر وسيلة لفتح هذا المتحف على نحو أكبر للعموم”.
الجدير بالذكر أن المتحف الفلسطيني في بيرزيت، فلسطين، هو “مؤسسة ثقافية مستقلة، مكرسة لتعزيز ثقافة فلسطينية منفتحة وحيوية على المستويين المحلي والدولي. يقدم المتحف ويساهم في إنتاج روايات عن تاريخ فلسطين وثقافتها ومجتمعها بمنظورٍ جديد، كما يوفر بيئة حاضنة للمشاريع الإبداعية والبرامج التعليمية والأبحاث المبتكرة، وهو أحد أهم المشاريع الثقافية المعاصرة في فلسطين، وأحد أهم برامج مؤسسة التعاون”.
تعود بدايات فكرة تأسيس المتحف إلى عام 1997، عندما تقدم أعضاء مجلس أمناء مؤسسة التعاون، وهي مؤسسة أهلية فلسطينية غير ربحية، بفكرة تأسيس متحف تخليدًا للذكرى الخمسين للنكبة، لتوثيق هذه الكارثة التي شكلت نقطة تحول في تاريخ فلسطين الحديث. غير أن فكرة المتحف تغيرت مع الوقت، ولم تعد تقتصر على الحفاظ على الذاكرة فحسب، بل أصبحت تسعى أيضًا للنهوض بالثقافة الفلسطينية والاحتفاء بها، من خلال سلسلة من المشاريع الإبداعية والخلاقة، التي تتيح لجمهور المتحف التأمل في الحاضر وتخيل مستقبل أفضل.
وكان المتحف الفلسطيني قد تم اختياره كأحد المشاريع الستة الفائزة بجائزة الآغا خان للعمارة في دورتها الأخيرة (2017-2019)، ضمن حفل مميز استضافته مدينة قازان في جمهورية تتارستان في وقت سابق من العام الماضي. وبالإضافة للمتحف الفلسطيني، تضمنت قائمة المشاريع الفائزة كل من: مشروع إعادة إحياء مدينة المحرّق في البحرين؛ مشروع أركاديا التعليمي في جنوب كانارشور، بنغلاديش؛ برنامج تنمية الأماكن العامة في جمهورية تتارستان، الاتحاد الروسي؛ مبنى محاضرات جامعة عليون ديوب في بامبي، السنغال؛ وأخيراً مركز واسط للأراضي الرطبة في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة.
جائزة الآغا خان للعمارة هي واحدة من أقدم وأهم جوائز العمارة في العالم. تأسست هذه الجائزة في عام 1977 من قبل صاحب السمو الآغا خان، بهدف تحديد وتشجيع الأفكار الرائدة في مجالات العمارة والبناء التي تنجح في التصدي لاحتياجات وطموحات المجتمعات التي يكون للمسلمين وجود معتبر فيها. وتركز الجائزة على نماذج المشاريع التي تعتمد معايير جديدة في التميز المعماري في مجالات التصميم المعاصر، الإسكان الاجتماعي، تحسين وتطوير المجتمع، الحفاظ على المواقع التاريخية، الحفاظ على المساحات وإعادة استخدامها، بالإضافة إلى هندسة المناظر الطبيعية وتحسين البيئة. منذ انطلاقتها منذ 42 سنة مضت تلقى 122 مشروعاً الجائزة كما تم توثيق أكثر من 9000 مشروع بناء.

 

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *