الرئيسيةأعمدةعبد الكريم برشيد: الجامعة مشتل المسرح ….في البدء كان العشق

عبد الكريم برشيد: الجامعة مشتل المسرح ….في البدء كان العشق

نعم، في البدء كان المسرح حياة وكان حيوية متجددة، وإلى اليوم مازال كذلك، وهكذا سوف يبقى إلى ما لا نهاية، ولقد كان في حياة الإنسان عشقا وشغفا، وكان اختيارا حرا، وكان حكيا، وكان محاكاة، وكان احتفاء بالوجود وبالحياة، ولهذا فقد كانت درجة الصفر فيه هي درجة الهواية العاشقة، ومن يدخل المسرح بدون عشق، يكون كمن يصلي بغير إيمان، وتكون صلاته مجرد حركات بهلوانية بلا روح وبلا معنى.
ومن يتحدث اليوم عن احتراف خالص في المسرح، لا تسبقه الهواية، ولا يؤثثه عشق المسرح، لا يعرف حقيقة هذا المسرح، والأصل في هذا الذي نسميه المسرح أنه ليس حرفة، إلا إذا كان ممكنا بالنسبة للإنسان في المجتمع أن يحترف وجوده وحياته، ولا معنى للمسرح الاحترافي بدون وجود مسرح الطفل والمسرح المدرسي ومسرح الهواة والمسرح الجامعي والمسرح العمالي كل المسار الممكنة الوجود..
والمسرحي الحقيقي هو الذي يعيش المسرح، ويتنفس المسرح، ويحيا بالمسرح في المسرح، والذي ليس في جبته غير الكائن المسرحي، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ( لعل أهم ما يميزني هو أنني ــ في حياتي وفي حياة مسرحي ـ أنني لم أعتبر هذا المسرح مهنة او صنعة أو وظيفة، ولو كان كذلك في ظني وفي (ملتي) لتعلمت تقنياته وآلياته وتقنياته في أيام أو في شهور أو في أعوام وينتهي كل شيء في رمشة عين، ولذلك فإنني أقول ما يلي: إن الذي كان قائما بيني وبين هذا المسرح ـ ومازال ـ هو العشق الصوفي، والقائم أساسا على الاتحاد وعلى الحلول، ولهذا فقد كان هذا المسرح أنا، وكنت أنا هو مسرحي، ولقد أعطيته جياة واحدة، ووهبته عمرا واحدا، وهو أعطاني حيوات متعددة ومتنوعة وغنية لحد البذخ، لقد أهداني حزمة أعمار، بعضها داخل بعض، او خلف بعض، أو أرحب من بعض، ولقد اقتنعت بان الحياة في المسرح وبالمسرح ومن أجل المسرح هي الحياة الحقيقية، وأنها هي الأصدق في عالم كاذب ومزيف، وأنها هي الأحق بأن تعاش، لأنها من اختيارنا، ولقد اخترت أنا هذا المسرح) 1
ولعل أخطر ما أصاب المسرح المغربي اليوم، هو أنه ضيع هذه الروح، أي روح الهواية وروح العشق، وفي المقابل فقد ربح الشكليات المسرحية وربح التقنيات والآليات المسرحية والماديات، ولكنه بالتأكيد خسر رصيدا مهما من حقيقة المسرح ومن روح المسرح.
وتعقيبا على حدث انعقاد مجموعة من المهرجانات المسرحية الذي أقامها هواة المسرح بالمغرب، يقول الاحتفالي ما يلي:
( مسرح الهواية العاشقة يعود إلى االساحة بقوة، وبدماء جديدة، وبرؤية جديدة أيضا، مما يدل على أن المسرح لا يمكن أن يستقيم بدون هؤلاء الفنانين المجانين، والذين يعشقون المسرح، حبا في المسرح، وليس لأي شيء آخر، ولقد لمست هذه الحقيقة من خلال مهرجانات كثيرة، كان آخرها مهرجان هوارة بأولاد تايمة، ثم بعد ذلك مهرجان مدينة خريبكة، تحياتي لكل الشباب المغربي الذي عشق المسرح، وعاشه، وتنفسه، وأبدع من خلاله رسائل فكرية وجمالية صادقة وحقيقية) 2
هكذا هو التاريخ دائما، والماضي فيه لا يمضي أبدا، وهو يعود دائما جديدا كما كان في البدء، ونعرف أن كل شيء يمضي، فإنه لابد أن يعود مع كل دورة زمنية أو دموية جديدة، وأنه في كل دورة، لا يمكن أن يكون هو نفسه، فهو إما أن يكون أحسن مما كان، أو يكون أسوأ مما كان، وأتمنى لهذا العمر الجديد، من مسار مسرح الهواة ـ أو هواة المسرح ـ أن يكون أكثر صدقا ومصداقية، وأن يكون أكثر جمالا وجمالية، وأن يكون أكثر إقناعا وأبداعية، وأن يكون أكثر قربا من روح المسرح الحق، وأن يبدع المسرح الذي يشبه الإنسان، الآن هنا..
لقد اعتقد كثير من المسرحيين المغاربة أن الهواية مرحلة عابرة، أو أنها درجة أولية وابتدائية في المسرح وفي حياة بعض المسرحيين، وأنها يمكن أن تكون نعتا قبيحا لمن بمارس عشق المسرح، ومتى كان العشق شيئا سيئا، أو كان عيبا، أو كان تهمة أو جريمة؟
إن هذا الذي نسميه المسرح، هو بالأساس كائن واحد أوحد، ولكن له حالات وله مقامات وله تمثلات وله تجليات متعددة ومتنوعة، فهو مسرح الأطفال، وهو المسرح المدرسي، وهو المسرح الجامعي، وهو مسرح الهواة، وهو مسرح المحترفين، وهو المسرح الثقافي، وهو المسرح التجاري أيضا، ولهذا فإن الحركة المسرحية لا يمكن أن تتحقق ـ وبشكل حقيقي ـ إلا بوجود هذا المسرح، في كليته وعموميته وشموليته وفي تعدده وتنوعه، وفي كل تجلياته الكائنة والممكنة.
ومن الخطأ أن نضع المسرح الاحترافي في مقابل مسرح الهواة، كما يمكن أن يمارس في المدرسة وفي الجامعة وفي المعمل وفي الحقل، لأن هذا اختيار وذلك اختيار، ولا شيء يمنع من أن يختار البعض هذا الوجه من المسرح، وأن يختار البعض الآخر الوجه الآخر، أو الوجوه الأخرى، ويبقى المسرح الجامعي من أجمل ومن أنبل وأكمل وأصدق كل الاختيارات
في دنيا المسرح

د. عبد الكريم برشيد

الهوامش:
د. نور الدين الخديري (دراسات في الأدب والمسرح ) دار المعتز للنشر والتوزيع ـ عمان ـ الأردن ـ 2018 ـ ص 183
2 ـ جدار عبد الكريم برشيد على الفيس بوك 18 نوفمبر 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *