خزانة بول بولز الإبداعية
وكما نبهنا في مدخل هذا البحث، فإنّنا سنعتمد في دراسة أوجه بول بولز المتعددة، على شهادات ومواقف ونوادر اقتسمها أو تبادلها خلال حياته الحافلة بالعطاء الأدبي، مع بعض الكتاب اللامعين.
وإذا نحن قمنا الآن، بمراجعة جل أعمال الكاتب الفنّان عبر نظرة إجمالية، تمكنّا من القول بأنه كان، بالإضافة إلى نظرته التقدمية للواقع الذي يحيط به، مبدعا ومجددا في ميادين عدة سواء منها السرديّة أم الموسيقيّة. فهو مثلا قد نشر أولى تجاربه الشعرية وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره. وقد تنقل لدواعي أدبية عدة مرات بين نيويورك وباريس ليستقر في نهاية المطاف بمدينة طنجة، هذه التي أصبح بولز وجها إضافيا من وجوهها الأسطورية. ثم بالعودة إلى باريس قبل هذه المحطة الطنجاوية النهائية، نشير إلى اللقاء التاريخي الهام الذي جمعه بتريستان تزارا، الذي إليه يرجع الفضل في تأسيس الحركة “الدادائية”، في بداية القرن العشرين، عقب الحرب العالمية الأولى. ولقد ظهرت هذه الموجة الدادائية بعد ثورة أكتوبر 1917 بروسيا، فجاءت كردة فعل عنيفة، على كل رموز الوطن والدين والأرستوقراطية الماسكة بزمام الحكم، ومجمل الأدبيات الكلاسيكية التابعة لها. ومن خضم هذه الموجة الثائرة ستولد الحركة السريالية لتعم بقية العالم ببياناتها الشيوعية الثورية، طارحة بديلها الثوري في مجال الأدب بشتى أجناسه، وكذلك في رحاب فنون الرسم والموسيقى والهندسة المعمارية. وفي هذا السياق نذكر مثلا، نذكر أوبرا “the wind and remains” التي ألفها معتمدا على إحدى قصائد الشاعر الإسباني الأندلسي “فديريك غارسيا لوركا” الذي كان ينتمي إلى حزب الجمهورية الإشتراكية الديموقراطية، التي دخلت في حرب أهلية مروعة، أثارتها الأحزاب اليمينية بقيادة الديكتاتور، الجنيرال فرانكو. ونستخلص من هذا المواقف التقدمية التي كان بول بولز يقفها من أحداث الساعة. ولعله هنا على جبهة الجمهوريين، التقى بالكاتب الشهير أرنست هيمنجواي. وتروي بعض الأخبار التي ساقها دانييل روندو، بأن هيمنجواي هو أول من أشار على بول بولز بالذهاب إلى مدينة طنجة الدولية في رحلة صحفية تفقدية.
وفي ميدان الفن الموسيقي، نعثر له على عدة مقطوعات أعدها في برلين للعزف على آلة البيانو، لمرافقة أداء الشاعر الألماني الدادائي ” kurt schwitters” كورت شويتارز. ولعلنا ذكرنا هنا بعض التفاصيل، وأهملنا غيرها، تركناها بصفة متعمدة كيما نقف عندها أثناء هذا البحث في مواقف أخرى وسياقا يسمح بذلك.
وحتى الترجمة لم يهملها الكاتب. إذ قام بترجمة عدة أعمال سردية للخرافات المحلية، تلقاها شفهيا ثم أثبتها على المسجل ومن ثم قام بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية. ومن بين الذين ترجم لهم الكاتب حسب هذه المنهجية نذكر منهم: حميد المرابط، وإدريس ابن حامد الشرهادي، وعبد السلام بولعيش، وأحمد اليعقوبي. ولا يفوتنا أن نأتي على ذكر ترجمته للكاتب محمد شكري “الخبز الحافي” الذي ستجعل هذا الأخير، بين عشية وضحاها، من مشاهير الكتاب الذائعين الصيت.
بطبيعة الحال، لقد اقترنت تجربة بول بولز الأدبية بأسطورة طنجة كمحطة دولية لكل الإباحيات المفترضة، وكمدينة خيالية غولِيّة، تأكل بنهديها كما بسحرها الخرافي، كل غريب فضولي أو حالم أو رحالة جاء حافيا أو منتعلا ذَهَبًا إليها.. ولا تجوع. وكذلك قدم إليها بول بولز، كما من سبقه من الفضوليين، وبتوجيه من صديقته “جرترورد ستاين” على ما يبدو مثلما سبق وذكرنا، فكانت بداية الرحلة المصيرية. وإذا صح التعبير، نقول باصطلاح فلسفي، فكانت بداية التجربة الوجودية لنفس غربية أمريكية قلقة وحائرة من الغزو الصناعي الغربي، كما الدمار الرهيب الذي سببه للعالم بحربه العالمية الثانية.
فالرجل الرحالة لم يأت لطنجة ليكتب، بل كان كاتبا ومؤلفا موسيقيا وناقدا، قبل أن يطأ رمالها الذهبية ويتيه فيها. ولكنه مع ذلك، لم يتوقف عن البحث فيها عن معنى للكتابة. وكتب في هذا المناخ الوجودي روايته المنطوية عن تساؤله الوجودي ” Sheltering sky”، “السماء الواقية” والتي ترجمت إلى الفرنسية عجبا، تحت عنوان مستجد” شاي في الصحراء- Un thé au sahara” والذي حققه فلمًا، المخرج السينمائي الشهير برناردو برتولوشّي .
وكتب بعدها عدة روايات أخرى ك “Let It Come Down”، والتي ترجمت هي الأخرى تحت عنوان مختلف “بعدك الطوفان”، و”Réveillon à Tanger” “ليلة رأس سنة في طنجة”و”Mémoires d’un nomade ” أي “مذكرات بدوي رحالة” و”La maison de l’araihnée” “بيت العنكبوت” و”leurs mains sont bleues”، “أياديهم زرقاء” وأعمال روائية وقصصية أخرى قد نأتي على ذكرها في سياق هذه الدراسة. وهذه الأعمال الأدبية الإبداعية، توحي في مجموعها بطرح التساؤل الوجودي المقلق لبال الكاتب السارد: ” وما معنى كل هذا الكلام؟”. وتخبرنا الروايات السّيراتية المختلفة عنه، بأنه، ونعني بول بولز، قد جاء متلبسا في ثياب “عالم إناسي وأثني” يبحث له عن مادة دراسية جديدة، ميدانها الصحراء اللامتناهية. وقال آخر بل قدم كمراسل صحفي بعد مراقبته في إسبانيا، للحرب الأهلية في صف الجمهوريين. وقال آخر، بل كشاذ يبحث له عن والكيف والحشيش والهاش والمعجون. وقال آخر بل أتت به موجة الهاربين، من الخرابات التي سببتها الحضارة الغربية للعالم.
وبأنه حاول فك لغز الكتابة بصحراء جزائر الثلاثينات ثم تابعها بمدينة “فاس”، فطنجة كمحطة شكلية نهائية، والصحراء اللامتناهية كمحطة تجربة وجودية حقيقية.
-يتبع-
بقلم فؤاد اليزيد السني – بلجيكا – 12-12-2019
المصادر والوثائق المعتمدة
– https://www.google.fr/search?q=photos+de+paul+bowles&sxsrf=ACYBGNRNaLiq2BislIzcSpzXPhotos/
– الصور المتواجدة بالمقالة الأولى هي ل بول بولز في بيته بطنجة، في مكتبته، مع زوجته، وفي لباس مغربي تقليدي.
– طنجة في العصر الوسيط، المجال ، المجتمع، الثقافة والسلطة، د.رشيد العفاقي ود. أمحمد جبرون ود. محمد بكور ود. خالد طحطح. أعمال الندوة الدولية المنعقدة بطنجة في 19-20-21 أبريل 2019 .منشورات المركز الثقافي أحمد بوكماخ، طنجة / المغرب.
– تاريخ الدولة الأموية في الأندلس، د. عبد المجيد نعنعي، دار النهضة العربية، بيروت/ لبنان، تاريخ النشر غير وارد.
– بيت جنيراسيون – Beat Generation هو تيار أدبي وفني، ظهر في مستهل الخمسينات بالولايات المتحدة. وهذه التسمية قد استخدمت لأول مرة سنة 1948 من قبل الكاتب جاك كرواك ليصف بها محيطه الأدبي والأدباء المنتسبين إليه. والكلمة محرفة عن كلمة فرنسية ” béat” التي تعني الإرتياح ومن مرادفاتها السعادة، لتصبح بمرجع مفردة أمريكية ” beat”عامية لدى السود الأمريكان تحمل معاني الانكسار والتعب والتعاسة والفقر. وتميز أدبيات هذا التيار بالتمرد على كل ما يعتبر من المقدسات الأخلاقية في مجتمع ما…
– L’Espionne de Tanger (El tiempo entre costuras) est une série télévisée espagnole en onze épisodes de 88 minutes produite par Boomerang TV d’après le roman de María Dueñas, et diffusée entre le 21 octobre 2013 et le 20 janvier 2014 sur Antena 3.
–
– La série a été remontée en 17 épisodes d’environ 45 minutes et doublée en 25 langues. Elle est disponible en France depuis le 18 juillet 2016 sur Netflix, et au Québec, elle est diffusée depuis le 9 septembre 2017 sur Unis1.
• El tiempo entre costuras , 2009
– traduit en français sous le titre Le Fil du destin par Eduardo Jiménez, Paris, Éditions France Loisirs, 2011, 795 p. (ISBN 978-2-298-03923-8)
– réédité sous le titre L’Espionne de Tanger, Éditions Robert Laffont, 2012, 598 p. (ISBN 978-2-221-11629-6)
• Misión Olvido, 2012
– traduit en français sous le titre Demain à Santa Cecilia par Eduardo Jiménez, Éditions Robert Laffont, 2014, 427 p.
• La templanza, 2015
– traduit en français sous le titre Soledad par Eduardo Jiménez, Éditions Robert Laffont, 2017, 509
• Un thé au Sahara, Gallimard, coll. « L’Imaginaire », 1980
• Après toi le déluge, Gallimard, coll. « L’Imaginaire », 1988
• La Maison de l’araignée, Promeneur, coll. « Roman », 1993
• (en) (fr) Leurs mains sont bleues. Récits de voyage, Points, 1995
• La Maison de l’araignée, Le Livre de Poche, coll. « Littérature & Documents », 1995
• (en) Let It Come Down: A Novel, Harper Perennial, 2006 Réveillon à Tanger, Gallimard, coll. « L’Imaginaire », 2007
• Romans, Gallimard, coll. « Quarto », 2008
• Paul Bowles et Liliane Abensour (Traduction), Leurs mains sont bleues, Points aventure, coll. « Réédition », 2016.
• William Burroughs (trad. de l’anglais par Gérard-Georges Lemaire), Entre chats [« The Cat Inside »], Christian Bourgois éditeur, coll. « Bouquins », 2009 (1re éd. 1986), 112 p.
• « Patrick Hubner, « The Tangerine Dream : la Cité de l’entre deux mondes » » [archive], sur babel.revues.org, 1er février 2015 (consulté le 30 janvier 2016).
• (en) « Short papers: “Fifty Years of Naked Lunch: from the Interzone to the Archive… and back.” – Academic Commons » [archive], sur academiccommons.columbia.edu (consulté le 30 janvier 2016).
• « Catalogue SUDOC » [archive], sur www.sudoc.abes.fr (consulté le 30 janvier 2016).
• (en) « Columbia University Libraries Online Exhibitions | “Naked Lunch”: the First Fifty Years » [archive], sur exhibitions.cul.columbia.edu (consulté le 30 janvier 2016).
• (en) Regina Weinreich, « Naked Lunch: Behind the scenes », Entertainment Weekly’s EW.com, 17 janvier 1992 (lire en ligne [archive], consulté le 1er décembre 2016)
• Rondeau Daniel :
• Chagrin lorrain (avec François Baudin), Paris, Le Seuil, 1979.
• L’Âge-Déraison, Paris, Le Seuil, 1982.
• Trans-Europ-Express, Paris, Le Seuil, 1984.
• Tanger, Paris, Quai Voltaire, 1987. Édition poche, Paris, Hachette, Le Livre de poche, no 6783.
• L’Enthousiasme, Paris, Quai Voltaire, 1988; Paris, Grasset, 2006, coll. “Les Cahiers Rouges”.
• Chronique du Liban rebelle 1988-1989, Paris, Grasset, 1991.
• Les Tambours du Monde, 1989, Paris, Grasset.
• Siraj Ahmed. De Tingi à Tandja : le mystère d’une capitale déchue. In: Antiquités africaines, 30,1994. pp. 281-302.
• DOI : https://doi.org/10.3406/antaf.1994.1232
• La période phénicienne
• C’est environ en 1520 av. J.-C. que l’on fait remonter le commencement de la navigation des Phéniciens par le détroit de Gibraltar et la fondation de leurs premiers établissements de commerce sur la côte occidentale du Nord du Maroc. Puis les Carthaginois, de bonne heure, cherchèrent à exploiter le pays, se maintenant autour des ports et ne dominant le reste du pays que par l’intermédiaire de chefs indigènes investis du manteau rouge. La grande expédition maritime confiée à l’amiral Hannon (Le Périple de Hannon) avait exploré la côte atlantique et fondé des colonies. Mannert estime que c’était à peu près l’époque où Carthage était parvenue à sa plus grande splendeur, c.-à-d. durant la période comprise entre le règne de Darius ler et le commencement de la première Guerre punique. Tingîs (Tanger) et Lixus (Tchemmich, près de Larache) existaient déjà, mais c’est alors que furent fondés les principaux comptoirs de la côte, comme Thymiateria (Mehediyab), Sla (Rabat), etc.
• L’Arche de Noé est, d’après la Bible, un navire construit sur l’ordre de Dieu afin de sauver Noé, sa famille (sa femme, ses trois fils ainsi que leurs épouses) et ainsi qu’un couple (ou sept couples) de toutes les espèces animales pour les sauver du Déluge sur le point d’advenir.
L’Arche de Noé est, d’après la Bible, un navire construit sur l’ordre de Dieu afin de sauver Noé, sa famille (sa femme, ses trois fils ainsi que leurs épouses) et ainsi qu’un couple (ou sept couples) de toutes les espèces animales pour les sauver du Déluge sur le point d’advenir.
• L’histoire figure dans le livre de la Genèse, du chapitre 6 au chapitre 9, correspondant à la Parasha Noah. Noé est souvent mentionné dans le Coran, particulièrement dans la sourate 11, intitulée « Houd », des versets 27 à 51.
في فيلم “شاي في الصحراء” للمخرج الإيطالي “برتولوتشي” المأخوذ عن رواية “السماء المقنعة” لبول بولز التي تدور أحداثها في مغرب الأريعينات.
السماء الواقية (بالإنجليزية: The Sheltering Sky) هو فيلم مأخوذ عن رواية بنفس العنوان لبول بولز ومن إخراج برناردو برتولوتشي. تم تصويره في صحراء ورزازات في المغرب عام 1990. وتدور أحداث الفيلم عن حبيبين أمريكين هما كيت وبورت الذين يأتيا إلى المغرب في رحلة. ويموت بورت نتيجة لمرض أصيب به فتفقد كيت رشدها لتنضم إلى قبائل الطوارق البربرية وتعيش معهم.
مصطفى ذكري
كان بول بولز يكره الغرب، لكنه يكتب للقارئ الغربي
يقول إبراهيم الخطيب المترجم والناقد المغربي، في مقدمته لقصص “البستان”، للكاتب الأمريكي بول بولز (1999- 1910): عندما حل بولز بطنجة لأول مرة في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، فإن الأمر لم يكن يعني له في ذلك الوقت أكثر من زيارة اصطياف عابرة لمدينة تخومية بالمعنيين الجغرافي والحضاري. لكن بورت بطل بول بولز في رواية “السماء الواقية” الذي حل في المغرب، يرى أن السائح يستعجل العودة إلى بلاده بعد أسابيع قليلة، أما الرحالة فلا ينتمي إلى أي مكان أكثر من انتمائه إلى المكان الذي يليه، وهو ينتقل ببطء على فترات زمنية تمتد لسنوات. ولحل هذا التناقض نقول إن بول بولز لو كانت زيارته لباريس، لكان سائحاً يستعجل العودة إلى بلاده، لنفوره من الحياة الحديثة، أمّا اختياره للمغرب، فهو اختيار بحدس مسبق، طمعاً في حياة رحالة لشرقٍ بدائي. كان بول بولز يكره الغرب، لكنه يكتب للقارئ الغربي.