تعد معركة أنقرة في 20 يوليو/تموز 1402م أكبر معركة في القرون الوسطى من حيث حجم الجيشين والنتائج، ووقعت بين القائد التتري تيمورلنك والسلطان العثماني بايزيد الأول وأدت، لأول مرة في التاريخ العثماني، إلى أسر السلطان وموته، ودخول السلطنة في عهد الفترة الذي كاد أن يقضي على الدولة العثمانية.
مقدمات المعركة
رحل تيمورلنك عن بغداد بعد أن دمرها وأمعن السلب والنهب فيها وسار حتى نزل قراباغ بعد أن جعلها دكاً خراباً، ثم كتب إلى بايزيد الأول أن يُخرج السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف من ممالك الروم وإلا قصده وأنزل به ما نزل بغيره.
رسالة أرسلها إلى بايزيد: «إنهما هربا من سيوفنا وسُلطتنا، فإياكم أن تؤوهما، بل أخرجوهما، وخذوهما واحصروهما واقتلوهما حيث وجدتموهما، وإياكم ومُخالفة أمرنا فتحلّ عليكم دائرة قهرنا، فقد سمعتم قضايا مُخالفينا وأضرابها».
فرد السلطان بايزيد الأول جوابه بلفظ خشن للغاية وقص لحية مندوب تيمور وأرسل إليه رسالة مهينة:
«اعلم أنت أيّها الكلب العقور، المُدعي تيمور، أن الأتراك لم يتعوّدوا أن يضنوا بالملجأ على أصدقائهم، ولا أن يهربوا من مواجهة الأعداء في معركة، ولا أن يلجأوا إلى الحيل والأكاذيب والمُخادعات.. وإن لم تأتِ فنسائي طالقات بالثلاث، فلعنة الله عليك وعلى من اتبعك إلى يوم القيامة».
وقال أنه يعرف أن هذا القول يدفع تيمورلنك إلى مهاجمه بلاده، فان لم يفعل تكن زوجاته مطلقات؛ مما أثار تيمورلنك بشدة فسار نحوه بايزيد الأول الذي حشد جيوشه من المسلمين الترك والنصارى الصرب وطوائف التتر في مدينة بورصة عاصمة آسيا الوسطى، فلما تكامل جيشه سار لحربه. فأرسل تيمور جواسيسه إلى التتار الذين مع بايزيد الأول، قبل وصوله، يقول لهم: نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا، ويكون لكم الروم عوضهم، فانخدعوا له وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه. إذ لابد أنهم قد أدركوا أن ولاءهم لابد أن يكون لتيمورلنك وكما أنهم عرفوا كيف يكافئ تيمورلنك قادته.
الطريق إلى المعركة
وسار السلطان بايزيد الأول بعساكره على أنه يلقى تيمور خارج سيواس تاركا معسكره الحصين بالقرب من أنقره ،يريد ان يرده ـيمورلنك عن عبور أراض دولته. لأن السلطان بايزيد الأول كان لا يطيق ان يترك تيمورلنك يسير في أراضي دولته ويتركه يعن السلب والنهب في مدنه. كما أنه كان يخشى من ثورة الأقاليم المسيحية في البلقان إذا هو اطال الغياب عنها. فسلك تيمورلنك طريقا غير الطريق الذي سلكه بايزيد الأول و اختار الطريق الأطول، ومشى في أرض غير مسلوكة، ودخل بلاد ابن عثمان، ونزل بمعسكر بايزيد الأول بالقرب من أنقرة وضرب الحصار حولها. فلم يشعر بايزيد الأول إلا وقد نُهبت بلاده، فقامت قيامته وكر راجعاً، وقد بلغ منه ومن عسكره التعب مبلغاً أوهن قواهم، وكلّت خيولهم، وهلكوا من العطش والإنهاك مما جعل موقف الجيش التركي باعثا على اليأس ” لقد خسرو المعركة قبل أن تبدأ”.
أعداد الجيشين
مال الكثير من المؤرخين إلى الإفراط في أعداد المقاتلين من الجيشين ، فيذكر العالم جروسيةان حوالي مليون مقاتل اشتركو في المعركة. ويذكر شيتلتبرجر الذي عاصر هزيمة المسيحين في نيقوبوليس وانتقل إلى خدمة الأتراك ان جيش بايزيد الأول كان حوالي مليون واربعمائة الف مقاتل وان تيمور لنك كان يفوقه بمائتي الف مقاتل إلا أن هذه الرواية مستبعدة , وأكثر الأرقام اعتدالا حسب رأي المستشرقين والمؤرخين الأوروبيين هي حوالي 200000 الف لكل من الجانبين ويستند اصحاب هذا الراي إلى ان القوات التي تزيد عن هذة الأرقام لا يمكنها التحرك بسهولة عبر الاناضول بالسهولة التي تحرك بها الجيشين , لكن هناك رواية ذكرها الدكتور تامر بدر المؤرخ المسلم في كتابه “قادة لا تنسى” أن جيش تيمورلنك يزن أربعة اضعاف الجيش العثماني وأن الكفة كانت مرجحة لجيش تيمورلنك من قبل بدء المعركة وتكون من 800000 ضد 120000 مقاتل فقط .
المعركة
التقى الجيشان في شمال شرقي مدينة انقرة في سهل شيبو كاد ولم يجرؤ بايزيد على الانتظار حتى يأخذ الجيش راحته والحصول على الماء فاسند قيادة الجناح الأيمن إلى صهره الصربي لازاروفك وفرسانه ثقيلي العدة والجناح الأيسر إلى ابنه سليمان على راس قوات من مقدونيا وآسيا الصغرى. اما في القلب فقاد بايزيد الأول بنفسه قواته من الانكشارية والسيباهي .ووضع بايزيد الأول بعض الفرسان في الاحتياط .وفي صبيحة يوم 20 يوليو 1402 دقت طبول الجيشين معلنة بداية القتال واستمرت محتدمة إلى الغسق .و كان بجيش تيمورلنك حوالي 30 فيلا من الهند بالصفوف الامامية واستعمل الفريقان النيران الاغريقية.
خيانة التتار
فلما بدأ القتال كان أول بلاء نزل ببايزيد الأول مخامرة التتار بأسرها عليه، وكان أول من غادر أرض المعركة هم الساروخان والايدين والمنلشيا والكيرميان. ولو اكتفوا بالهروب من جيش بايزيد الأول لما كانت الخسارة فادحة ولكن الذي زاد من فداحة الامر هو استمرارهم في القتال مع جيش تيمور لنك وهاجمو الجناح الأيسر للجيش التركي من الخلف الذي كان يقوده سليمان بن بايزيد الأول و كانت جيوش تيمورلنك تسدد الضربات القاسية إلى ذلك الجناح من الامام.
فرار سليمان بن بايزيد الأول
في نفس الوقت تقدم الفرسان الصرب ثقيلي العدة بقيادة لازاروفيك إلى الامام لمواجهة العدو فأرسل بايزيد الأول يحذرهم من التقدم خوفا من أن يطوقهم العدو وعندما علم لازاروفيك بحرج موقف سليمان بن بايزيد الأول أرسل اليه فرسانه من أجل تأمين انسحاب ابن السلطان الذي رجع عن أبيه عائداً إلى مدينة بورصة بباقي عسكره مهزوما، فلم يبق في القتال إلا قلب الجيش التركي بقيادة بايزيد الأول في نحو خمسة آلاف فارس من الانكشارية والسباهي، فثبت بهم حتى أحاطت به عساكر تيمورلنك، وصدمهم صدمة هائلة بالسيوف والأطبار حتى أفنوا من التمرية أضعافهم. واستمر القتال بينهم من ضحى يوم الأربعاء إلى العصر، وعند الغروب أدرك بايزيد الأول عبث المقاومة فأراد الهروب إلا أن فرسه أُصيب اصابة قاتلة فوقع في الأسر على نحو ميل من مدينة أنقرة، في يوم الأربعاء السابع والعشرين ذي الحجة سنة أربع وثمانمائة (27\ذي الحجة\804 هـ) بعد أن قُتل غالب عسكره بالعطش، إذ كان ذلك في فصل الصيف، شهر يوليو/تموز.
بايزيد الأول في الأسر
صار تيمور يوقف بين يديه في كل يوم ابن عثمان طلباً ويسخر منه وينكيه بالكلام. وجلس تيمور مرة لمعاقرة الخمر مع أصحابه وطلب ابن عثمان طلباً مزعجاً، فحضر وهو يرسف في قيوده وهو يرجف، فأجلسه بين يديه وأخذ يحادثه، ثم وقف تيمور وسقاه من يد جواريه اللاتي أسرهن تيمور، ثم أعاده إلى محبسه. ثم شتا تيمور في معاملة منتشا وعمل الحيلة في قتل التتار الذين أتوه من عسكر ابن عثمان حتى أفناهم عن آخرهم.
العثمانيون يمتنعون عن الزواج بجواريهم بعد معركة أنقرة
فمنذ الاهانة التي واجهت السلطان بايزيد الأول اثر هزيمة انقرة (1402 م) أمام تيمورلنك حيث أرغم تيمور المنتصر زوجة بايزيد الصربية الأصل والنصرانية الدين، والتي أطلق عليها اسم (ماريا دسيينا) على أن تقوم بالخدمة خلال حفل انتصاره، مما أدى إلى وفاة زوجها السلطان بايزيد حزناً وغضبا، امتنع السلاطين العثمانيون عن الزواج بجواريهم ، فأصبحوا لا يتزوجون جواريهم إلا وهم أمراء ، و ظل السلاطين العثمانيون على هذا المنوال حتى تزوج السلطان سليمان القانوني من جاريته روكسلانا (خُرَّم سلطان).
مطاردة سليمان
أرسل تيمورلنك قوة لتعقب سليمان الذي فر بجزء من كنوز أبيه ولكن عندما وصل جيش تيمورلنك إلى مدينة بورصة كان سليمان قد غادرها لذا اكتفى تيمورلنك باحراق ونهب تلك المدينة التجارية الكبرى وانتشرت قوات تيمورلنك في مناطق الأناضول تمعن فيها السلب والنهب.