بمناسبة اليوم العالمي للشعر وتحت شعار “الكلمة للشعر” ، نظمت بنية البحث في أدب الغرب الإسلامي بكلية اللغة العربية – مراكش يوما دراسيا بتاريخ 29 مارس 2019م، وقد توزعت أشغال اليوم الدراسي أربع جلسات؛
الجلسة الافتتاحية:
وقد ترأسها د. الحسين أيت مبارك، واستهلت بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها د.مولاي هشام الراجعي، ثم ألقى السيد عميد كلية اللغة العربية بالنيابة د.أحمد قادم كلمته التي أفردها للحديث عن أهمية الأنشطة الثقافية التي تنظم داخل الكلية، كما أومأ في كلمته إلى أن إدارة الكلية ستطبع أشغال اليوم الدراسي في كتاب بالاعتماد على الميزانية المخصصة لذلك. بعد ذلك أعطيت الكلمة لرئيسة بنية البحث في الغرب الإسلامي د.فاتحة سلايعي ، وقد ذكرت في كلمتها بثقافة الاحتفاء بالشعر .
الجلسة الثانية:
وقد تم تخصيصها لثلاث مداخلات انصبت على قراءات نقدية اتخذت أبعادا أجناسية وثقافية وعرفانية صوفية. تولى أمر تسيير هذه الجلسة الدكتور عادل عبد اللطيف أستاذ بلاغة الحجاج بكلية الغة العربية، حيث نوه بجهود بنية البحث في أدب الغرب الإسلامي في تنظيم هذا اليوم الدراسي احتفاء بالشعر. تسلم الكلمة بعد ذلك الدكتور حسن المودن، الناقد المغربي الفائز بجائزة “كاتارا ” صنف الدراسات التي تعنى بالبحث والنقد الروائي، وهو حاليا أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمراكش. ركز د. حسن المودن في مداخلته المعنونة ب”قصيدة السرد في” دفتر العابر” لياسين عدنان، على إشكالية تداخل الأجناس الأدبية، مبرزا انطلاقه من بعض الفرضيات من قبيل إمكانية وجود جسور رابطة بين الشعر والسرد، وإمكانية إدماج السرد داخل الشعر، لينتقل إلى الحديث عن كون المتن الذي اتخذه لاختبار فرضياته( دفتر العابر لعدنان ياسين) هو منتوج يتجاذبه جنسان أدبيان، فهو من جهة محكي ذاتي ومن جهة ثانية نص شعري، وتبعا لذلك تنشأ مشروعية التساؤل عن الكيفية التي تمكّن من وضع تصورات لمقاربة هذا الجنس الأدبي تحفظ لكل جنس خصوصياته، وتجمع بينهما في الآن ذاته.
أشارت المداخلة إلى أن هذه التجربة متفردة على مستوى الكتابة من حيث بحثها عن إعادة كتابة السرد بطريقة ابتكارية، متمردة على تقاليد معروفة في المحكي الأتوبيوغرافي لا تتيح الحديث عن هذا الجنس الأدبي شعرا ، والذي يحصره تعريف فيليب لوجون في كونه محكيا استرجاعيا يقوم به شخص واقعي عن حياته الخاصة بواسطة النثر.
يتناول عدنان ياسين من خلال هذا الديوان/ المحكي الاتوبيوغرافي موضوع الهجرة من الجنوب نحو الشمال، وهو يكتنز- إلى جانب ذلك- مجموعة خصائص أهمها الاعتماد على الحذف والإضمار والفقدان والفراغ، وتكسيرها الحواجز الموجودة بين جنسي الشعر والسيرة الذاتية، حتى لتجدهما معا متلبسين بعضهما ببعض. إن هذه التجربة ليس همها نقل كل مايقع، بل هي محكي يتغيا مقاربة الذات الجوالة والشاعرة والتي ترفض أن تسمى رحالة، بل هي ذات تمارس العبور نحو الآخر ونحو ذواتها المكبوتة المليئة بالأحلام. واختتم د.حسن المودن مداخلته بمجموعة من التساؤلات أبرزها تلك التي تتحدث عن مشروعية الحديث عن محكي أتوبيوغرافي بواسطة الشعر.
تناول الكلمة بعد ذلك الأستاذ الباحث الدكتور محمد جمالي – أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بمديرية الرحامنة، وكان موضوع مداخلته هو “جدل اللغة والثقافة في النص الشعري بالغرب الإسلامي – فن الموشح نموذجا”. استهل د محمد جمالي هذه المداخلة بالحديث عن الصلات الرابطة بين ماهو لغوي وما هو ثقافي في الثقافة العربية الإسلامية بدءا بالجاهلية التي ارتبط فيها الشاعر بثنائية السِّنان واللسان؛ فالسِّنان دفاع عن بقاء الذات، فيما اللسان تعبير عما يخالج الذات من آلام وآمال. وتبعا لذلك انبثق فن الموشح من التقاء المكونين اللغوي الثقافي ؛ إذ هو نتاج سياق ثقافي أندلسي عرف انتشار مجالس الغناء واللهو والأدب.
تم الانتقال فيما بعد للحديث عن موشح لأهم رواد هذا الفن: إنه موشح ” هل درى ظبي الحمى” لابن سهل الاشبيلي، الذي يثير جدل الفن والأخلاق بوصفه قد أسرف في التغزل بالمحبوبة، حتى أغرق في وصف الوجدان وشدة التعلق، متمردا في ذلك على المتعارف عليه في الحدود التي ينبغي للغزل ألا يتعداها. لقد شكل الموشح من منظور د.محمد جمالي خير دليل على جدلية اللغة والثقافة؛ فكلتاهما تفتح نوافذها على الأخرى.
تناولت الكلمة بعد ذلك منسقة هذا اليوم الدراسي وأستاذة أدب الغرب الإسلامي بكلية اللغة العربية بمراكش-الدكتورة عتيقة السعدي- في مداخلة وسمتها “السكر الصوفي وسؤال المعنى في ديوان “على النهج” للشاعر إسماعيل زويريق. استهلت الدكتورة عتيقة السعدي مداخلتها بالإشارة إلى أن الدلالات المتضمنة في ديوان ” على النهج لإسماعيل زويريق” ليست دلالات حرفية أو دلالات يمكن التوصل إليها بسهولة، وإنما هي دلالات تحتاج الكثير من الحفر لأنها تستثمر الرمز في صيغة تجربة عرفانية، وقد لاحظت، في هذ السياق، حضورا لافتا للمعجم الدال على الخمرة، مما يعني انطواءها على رمزية تختلف عن الصور النمطية المتشكلة من خلال أشعار شعراء تناولوا الموضوع ذاته. عكفت الدكتورة عتيقة السعدي على فك شيفرات بعض الرموز التي يحفل بها ديوان” على النهج” مثل دلالة رمز الخمرة على الحب الإلهي في أبهى صوره، ودلالة رمز الكأس على القلب، ودلالة رمز النديم الذي يؤشر على جماعة السالكين في طريق الله تعالى ورفقاء الدرب.
خلصت المداخلة إلى أن الرمز الصوفي ليست له دلالة جاهزة أو نمطية، بل هو رمز لا يكتسب قيمته إلا في سياق محدد، وأنه يحتاج إلى فضل عناء حتى يتم التوصل إليه خصوصا ممن تعوزه الثقافة الصوفية، كما فتحت الباب أمام حاجة نصوص أخرى صوفية ،سواء لدى الشاعر إسماعيل زويريق أو لدى شعراء آخرين، إلى دراسة.
الجلسة الثالثة:
وقد كان قوامها أربع مداخلات، هذه ملخصاتها: أولاها مداخلة الدكتور عبد الرزاق المجذوب(المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين/مراكش) بعنوان: “تحديث الإيقاع وإيقاع التحديث في الشعر المغربي: أحمد المجاطي نموذجا”، وخلالها أثار سؤالا يتعلق بجدوى الإيقاع، وعقب مبرزا بدهية العلاقة بين السمع والوجدان، إذ لايمكن تصور الشعر بلا إيقاع. أما عن سبب اختيار الموضوع، فلأن المجاطي جامع بين وظيفتي الشعر والنقد.
وتناول المتدخل بالتحليل والمناقشة جملة من القضايا، ومنها: (هيمنة السطر الشعري في قريض المجاطي، حضور القافية المركبة، الاهتمام بالإيقاع الداخلي، التنويع على مستوى الروي، التوسل بالتضمين الذي هو إحدى سمات الشعر المغربي عامة).
وثانيتها مداخلة الدكتورة فاتحة سلايعي(أستاذة بكلية اللغة العربية/مراكش) تحت عنوان” تحولات الرؤيا في شعر محمد مراح من خلال ديوانه (أنغام ذاوية)، وأبرزت خلالها الرؤى الثلاث المهيمنة في ديوان الشاعر، أولاها”الرؤيا الغائمة وحلمية الواقع”التي تنضح بسمات خاصة، منها: جموح الحلم، حضور الأسطورة، الاستجابة لنبض الواقع المأزوم.
وثانيها:رؤيا البحث عن اليقين بين الحلم والواقع، التي تجلت في اعتماد الرموز الموحية(الشطرنج مثلا…)،.أما ثالثة الرؤى فمعبرة عن الانتصار للقضايا العادلة، ومنها القضية الفلسطينية ولاسيما في قصيدة:”درة الدرر”، ناهيك عن هيمنة شوق”طوباوي” إلى آفاق إنسانية أرحب من ضيق الإحباطات، إضافة إلى التوسل بعناصر الطبيعة. وكشفت الأستاذة عن صلابة الشاعر رغم الزعازع، فهو لا يستسلم لليأس مادام سلاحه التفاؤل والحلم بواقع أفضل.
وثالثة المداخلات كانت للدكتور الحسين أيت مبارك(أستاذ بكلية اللغة العربية/مراكش)، بعنوان: “نزيف الأجنحة: قراءة في ديوان “العصفور الصغير” لإلياس أبي شبكة”، وقد ناقشت جملة من القضايا أهمها: (مراوحة الديوان بين ثنائية الخطيئة والتكفير، تعرية الذات كشفا عما تضمه جوانحها من متناقضات يتجاذبها الصوفي والشهوي، الفردوسي والجحيمي، الألم والأمل الذي يشرئب إليه لأجل الخلاص من العذابات، استلهام تجربة أبي العلاء المعري من جهة الإمعان في التأمل الوجودي، الجمع بين البعدين الرومانسي والواقعي، توسل الشاعر بالصور البيانية، والأساليب البديعية، ولاسيما من جهة صنعة المطابقة الكاشفة عن المفارقات، شكوى الشاعر وتبرمه من سهام النقد الجارحة التي آلمته، ومنها رميه بالنذالة والسفالة).
وأما المداخلة الأخيرة فقد كانت للدكتور عبد العزيز لحويدق( أستااذ بكلية اللغة العربية /مراكش) تحت عنوان:”إشكالية تدريس الشعر”، وقد مهد لها بطرح سؤال حول جدوى الشعر، منبها إلى ضرورته ومنافعه، كاشفا عن جملة من القضايا والإشكالات، منها (إشكالية تبخيس قيمة العلوم الإنسانية، مع أن تدريس الأدب ضرورة وجودية في حياة الشعوب، الاعتساف على الشعر من جهة البناء والمعنى، بتحويل القصيدة في المناهج الدراسية إلى قطعة، بما يستتبع إفقادها كينونتها، إشكالية توجيه المتعلم نحو الانكباب على قراءة الأسئلة انشغالا بها عن اللب الذي هو قراءة الشعر عقلا، وتذوقه وجدانا، وحفظه تأسيا بالقدماء، إغفال تدريس الشعر وإقرائه دون سند معرفي سابق من لدن المتعلمين).
الجلسة الرابعة:
اضطلع بتسييرها باقتدار الطالبة شيماء بهتري، وقد تم إفرادها لمجموعة من القراءات الشعرية التي صدح بها الشعراء من على منصة مدرج أحمد الشرقاوي إقبال، ، ومنهم: شاعر الرسول صلى الله عليه و سلم الأستاذ إسماعيل زويريق، والشواعر: ذة. ليلى خيات، و ذة. فتيحة الخلفاوي، وذة.آية مالكة العلوي، وذة. رشيدة الشائك، كما تم فسح المجال أمام الطلبة المبدعين لإلقاء قصائدهم وهم: سعيد الساوري، ومحمد سيسو، و علي بادون، و إبراهيم كاه. واختتم اليوم الدراسي بتوزيع الشهادات التقديرية على المشاركين و المنظمين.
أعده الباحثان:
سعيد أبناي
المصطفى أكتراب