الرئيسيةأخبارمحاضرات اليوم الأول من الدورة الأولى للجامعة الربيعية ل”مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”

محاضرات اليوم الأول من الدورة الأولى للجامعة الربيعية ل”مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”

تميز اليوم الأول من الدورة الأولى للجامعة الربيعية، التي نظمتها مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث” أيام: 29، 30، و31 مارس (آذار) الجاري، بمدينة مراكش (المغربية)، حول “دراسة الإسلام اليوم: نحو دراسات إسلامية برؤى متعددة”، بالجلسة الافتتاحية والمحاضرات الغنية والمثيرة، التي ألقاها ثلاثة من الباحثين والمفكرين العرب والأجانب، كانت أولاها المحاضرة الافتتاحية للمفكر اللبناني الدكتور رضوان السيد، التي دعا فيها إلى إعادة بناء الدراسات الإسلامية وفق مناهج علمية دقيقة، تستجيب للحاجيات المجتمعية المتغيرة، والملحة، والتي تتطلب الفهم العميق للدين، وهو ما عبر عنه بـ “السرديات الإسلامية الجديدة”، التي تحارب كل الانسدادات الفكرية المستشرية في المجتمعات العربية الإسلامية.
وثانيها محاضرة الدكتور أحمد عاطف أحمد، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة كاليفورنيا، الذي تحدث عن أهمية الاستشراق وضرورة دراسته والتمييز فيه بين الجيد والضعيف، واعتماد كل ما يمكن أن يخدم تطوير الدراسات الإسلامية، وذلك من خلالمحاورته للموتى: إجناتسجولدتسهير(ت 1921)، وجوزيف شاخت(ت 1969)، ونورمن كالدر(ت 1998 ).
وثالث المحاضرات كانت للدكتور بول هيك، المدير المؤسس لمشروع دراسة الأديان عبر الحضارات بجامعة جورج تاون بأمريكا، الذي دعا إلى ضرورةتجديد الدراسات الدينية وإعطائها طابعا إنسانيا، وإبعاد الدين عن الغموض، وربطه باللذة، لأنه لا يمكن أن نفهم الإيمان بعيدا عن الطبيعة.
وقد أعقب تلك المحاضرات نقاش غني بين الطلبة المشاركين والأساتذة والمفكرين المساهمين في تأطير ورشات الجامعة الربيعية، والتي أكدت أن عودة الدين إلى الحياة ليست أمرا بسيطا، بل شيئا مهما صار يسائلنا جميعا، فكيف يمكن استعادة الإنسان في عالم يشكو من المحدودية؟ وكيف يمكن انتشاله من الضياع؟ ولم وصل الدين اليوم إلى هذه الحالة؟

رضوان السيد وإعادة بناء الدراسات الإسلامية
ذكر المفكر اللبناني الدكتور رضوان السيد في بداية محاضرته، أن العالم العربي يعرف فوضى كبيرة، ومغالطات كثيرة في الدراسات الدينية، ولهذا فنحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في هذه التجربة بعيدا عن العقائدية، ونعطيها اسما لا يحبه الكل، وهو “التقليد”.
وأشار المفكر اللبناني في محاضرة افتتاحية له بعنوان “إعادة بناء الدراسات الإسلامية”، إلى أنه بحكم اهتمامه لما يزيد عن ثلاثين سنة بالدراسات الإسلامية وبالتفكير السياسي في الإسلام، يجد أن هناك سؤالا طرح بشكل كبير في العقود الماضية وما زال مطروحا إلى الآن بقوة، ألا وهو: ما هي الدراسات الإسلامية، ولمن السلطة العلمية أو التأويلية فيها؟
وأوضح المفكر اللبناني الحاصل على جائزة الملك فيصل العالمية، فرع الدراسات الإسلامية لعام 2017، أن هول التحديات التي تواجه العرب والإسلام، هي تحديات للدين الإسلامي نفسه، الذي عانى وما زال من انفجار الأصوليات الصاعدة التي يسميها بـ “الإحيائيات” السنية والشيعية في سبعينيات القرن الماضي، ومن بعض”المراجعين الجدد”، الذين أحدثوا انقلابا جذريا على الأكاديميات التقليدية والمحدثة للإسلام والإسلاميات في المجال الغربي، والذين اتبعهم مجموعة من الباحثين والمفكرين العرب أمثال محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، الذين كانت لديه مشكلة مع الموروث مثلما هي مع المراجعين الجدد في الغرب.
وأبرز أنه انطلاقا من هذه الإشكاليات التي عاينها لفترات طويلة وتأليفه لما يناهز 28 مؤلفا، وقيامه بالعديد من التحقيقات، وإشرافه على مجموعة من المجلات الفكرية (الفكر العربي، الاجتهاد، تفهم )، شرع منذ خمس سنوات في التفكير في هذا الموقف المسدود والتقليد الملعون بطريقة جديدة، حيث سعى إلى تكوين طلبة جدد، ليعيد بناء الدراسات الإسلامية بشكل علمي دقيقفي ستة تخصصات: القرآن وعلومه، وعلوم السنة والحديث، والفقه وأصوله، وعلم الكلام، والتاريخ الإسلامي، وتاريخ العلوم الإسلامية.
وأكد المفكر رضوان السيد أنه “إذا كانت نهضويات التاريخ الثقافي في المجال العربي قد قضت عليها تيارات الأصالة والقطيعة من اليمين واليسار في الحرب الباردة، فإن الدراسات الإسلامية التي شهدت ولادة جديدة من خلال مقولة التاريخالثقافي في الغرب، قد ظهرت هشاشتها في مناسبتين: الأولى مع صدور كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد، والثانية مع صدور كتابي وانسبورو “دراسات قرآنية”، وباتريشيا كرون ومايكل كوك “الهاجرية” HAGARISM، فالتاريخ الثقافي الاستشراقي يمثل في نظر إدوارد سعيد بقايا خطا استعماري ينبغي أن يزول، ووانسبورو يرى أن القرآن ظهر في القرن الثالث الهجري على شكل شذرات، وبالتالي لا بد من إعادة قراءة الإسلام بعيون جديدة. أما باتريشيا وزميلها فيذهبان إلى أن الأخبار عن التاريخ الإسلامي الأول وعن النبي مكتوبة بعد القرن الثالث الهجري بهدف التغطية على الأصول اليهودية للإسلام”.
ولهذا، وأمام هذا الكم الهائل من المغالطات، والدراسات غير الدقيقة، فإذا رغبنا، كما يقول رضوان السيد، في معرفة الضرر الذي لحق بعلم الإسلام وتخصص الدراسات الإسلامية، فما علينا إلا الاطلاع على كتاب الأستاذ وائل حلاق الصادر عام 2013 بعنوان “الدولة المستحيلة”، والذي يضع فيه الإسلام والمسلمين، ومن واجب الاحترام الكبير لهما كما يقول، في موقف مستحيل.
وخلص رضوان السيد إلى أن الإسلام ودراساته عانيا في العقود الأخيرة من مجموعة من القطائع والاستقطابات والإحالات التجزيئية والمشرذمة، ولهذا علينا أن نعود لدراسة “التقليد الإسلامي العريق”في التفسير والفقه وعلم الكلام والتصوف والفلسفة والتاريخ والأدب، والذي يتسم بالغنى والتنوع، مبرزا أن “الفيلولوجيا التأويلية في الحاضر والمستقبل، تملك إمكانيات كبرى في إعادة بناء الدراسات الإسلامية، للخروج من الانسدادات التي اصطنعتها صراعات الماضي والحاضر”، ومنوها إلى أننا بحاجة اليوم في الإسلام والدراسات الإسلامية إلى سردية جديدة تقرأ التقليد في حيوياته وانسداداته وتصدعاته.
أحمد عطاف ومحاورات الموتى
ومن جهته، استهل الدكتور أحمد عاطف أحمد،أستاذ الدراسات الدينية بجامعة كاليفورنيا، محاضرته بالتساؤل التالي: هل أحتاج اليوم لتبرير الحديث عن باحثين ومفكرين غربيين أمثال إجناتسجولدتسهير(ت 1921)، وجوزيف شاخت (ت 1969)، ونورمن كالدر (ت 1998 )؟ أم هل علي أن أعتذر لأنني سأتكلم عنهم؟ مجيبا أنه لن يفعل، لأنه لا يعتذر عن دراسته للقديم ومحاورته للموتى، لأنه لا يدرسها وفي ذهنه سؤال معين، بل يهتم بكل المستشرقين الذين اشتغلوا على قضايا الإسلام، حتى لو كانت استنتاجاتهم لا تروقه، ولا يطمئن إليها بالمرة.
وأضاف أنه يهتمبالاستشراق ويدعو لدراسته والتمييز فيه بين الجيد والضعيف، واعتماد كل ما يمكن أن يخدم تطوير الدراسات الإسلامية، موضحا أن اهتمامه بأولئك المستشرقين بالتحديد يعود لكون الأسئلة التي طرحوها حول علاقة الشرائعالإسلامية بغيرها من الشرائع، وطبيعة العقل الفقهي الإسلامي في مقابل غيره، أسئلة مهمة.
وتطرق عاطففي محاضرته إلى وجود استشراق ضعيف وآخر قوي، لكنه انتقد التعاملالإقصائيللمستشرقين المهزومين، مؤكدا على أهمية معرفة وجهة نظرهم، وعدم الانسياق وراء ما يقال عنهم، كما قال أحمد الشمس “إذا كنت تريد أن تعرف شيئا فاسأل عن أصله”.
وكشف عاطف عن الفرق بين المستشرق الضعيف والقوي، مؤكدا أن المستشرق الذي يظل عمله مستمرا ومؤثرا بعد نقده، هو مصدر قوة، معتبرا أن الاستشراق له أبعاد كثيرة، فحسب إدوارد سعيد فالاستشراق مرتبط بالقوة، أما لدى وائل حلاق، فالاستشراق مرتبط بمنظومة نفسية ومعرفية، حيث إن الإنسان الأوروبي مرتبط بتاريخه.
وأبرز الأستاذ عاطف فكر المستشرق جوزيف شاخت الذي درس في مصر مابين 1908 و1925، والذي كان شغوفا بأصول التشريع الإسلامي ومناهجه، وشدد على أهمية الاهتمام بقراءة القديم وعدم نسيان الجديد.
كما تحدث عاطف عن مستشرقين آخرين مثل غولزن الذي جمع محاضرات في كتاب حول الوحي والرسول، وتمكن من الدراسة في الأزهر بمصر بمساندة الوزير الأول رياض باشا، واهتم بدوره بالقانون المصري الذي كان سنة 1875، والذي يتحدث عن المحاكم المختلطة، قبل أن يتحول إلى القانون المدني سنة 1949.
وخلص عاطف إلى أن حواره مع الموتى أو مع المستشرقين المذكورين جاء بهدف التعرف على آرائهم في الشريعة الإسلامية، والأعراف، ومدى اتفاقهم أو اختلافهم بخصوصها، وبخصوص الاتفاق والاختلاف والسياسة عند المسلمين.

بول هيك وتجديد الإنسانوية في الدين
أما الدكتور بول هيك، المدير المؤسس لمشروع دراسة الأديان عبر الحضارات بجامعة جورج تاون بأمريكا، فقد قدم سفرا رومانسيا إنسانيا في محاضرته، التي تحمل عنوان “الدراسات الإسلامية والدعوة إلى تجديد الإنسانوية”، رافعا اللبس والغموض والشبهات التي رافقت لسنوات الدراسات الدينية في الجامعات الحديثة، التي لا تؤمن إلا بالأشياء القابلة للمعرفة، في حين أن الدين ظل عالم للغيبيات.
ولهذا دعا هيك إلى ضرورة تجديد الدراسات الدينية وإعطائها طابعا إنسانيا، وإبعاد الدين عن الغموض، وربطه باللذة، لأنه لا يمكن أن نفهم الإيمان بعيدا عن الطبيعة، موضحا أن الافتراض الذي كان يرى أن الدين دخيلا على الطبيعة الإنسانية ، التي تمثل دراستها بكافة أبعادها هدف الجامعة، عفا عليه الزمن، حيث أصبحت البحوث في مختلف العلوم، تشير اليوم إلى كون “الدين جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانيةفي نشأتها وترقيها”، ولهذا يجب إعادة النظر لتدريس الدين من الناحية العلمية.
وأوضح بول هيك، أن ما نحتاجه اليوم، هو دراسة الدين من زوايا مختلفة، حيث لا يجب حصره في الجانب العقائدي والعرقي والمذهبي، وهو ما نراه للأسف، مؤكدا أن الدين غير قادر على ح كل المشاكل، ولهذا وجب إعادة النظر في رؤيتنا للدين، و”مناقشة مفهوم الله في علاقته بمفهوم الإنسان”، لأنه في القرن 19 كان ينظر إلى الدين كشيء بعيد عن الإنسان، ولكن الآن تغير الوضع، وأصبحنا نتحدث عن الدين كظاهرة إنسانية.
وأشار هيك إلى أن دراسة الدين بشكل علمي مفيدة لمواجهة كل المشاكل، خاصة أن الدين مفيد في الحياة، يستشعر من خلاله الإنسان نوعا من “اللذة”، وهو ما يجعله يتشبث بديانته، وقد يتحول إلى “مدمن”. وهنا تساءل: هل يمكن أن تكون اللذة هي مركز الدراسات الدينية؟ وهل يمكن للمقاربة السيكلوجية أن تقدم إضافات نوعية للدراسات الدينية؟
وبعد استعراضه لآراء أبي حامد الغزالي ولمراتب اللذة لديه، وكيفية الفصل بين اللذة الروحية والمادية، وتحولها في بعض الأحيان إلى حالة مرضية، خلص إلى أن اللذة هي محور الإيمان، وأن الإيمان يوحدنا أكثر ما يفرقنا، ولهذا فلا يمكن فهم الإيمان بعديا عن الطبيعة، وهو ما يجعل اللذة، برأيه، مدخلا مهما لدراسة الدين في العصر الحديث.

 

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *